سلطت صحيفة The Washington Post الأميركية، الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، الضوء على الطريقة التي سيطر بها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على مقاليد السلطة في البلاد، وكيف نجح في إخضاع العائلة المالكة له رغم وجود شخصيات مخضرمة مثل الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي السابق.
وقالت الصحيفة الأميركية: فلأكثر من عامين، حتى يونيو/حزيران 2017، كان محمد بن نايف هو ولي عهد المملكة العربية السعودية ووريث العرش. ولكونه حفيد مؤسس المملكة، وصاحب خبرةٍ طويلة في المستويات العليا من الحكم، كان الأول بجيله الذي يصل إلى التسلسل المباشر لوراثة العرش.
لكن اليوم، نادراً ما يُرى بن نايف (59 عاماً)، خارج قصره في جدة إذ انتزع منصبه ابن عمه الطموح، الذي يكاد يصل إلى نصف عمره، وجمَّد حساباته المصرفية الضخمة، ويُقال إنَّه يقضي أيامه تحت حراسةٍ مشددة.
محمد بن نايف مغلوب على أمره
لم تكن إطاحته مفاجئةً تماماً؛ لأنَّ ابن عمه كان الابن المفضل لعمه سلمان، الملك الحالي. لكنَّ السرعة والقسوة الواضحة اللتين جرت بهما الأمور، والاستدعاءات في وقتٍ متأخر من الليل والتي تركت ولي العهد مغلوباً على أمره، صدمت الكثيرين في العائلة المالكة الممتدة، حيثُ كانت القرارات المشابهة تُتخذ عادةً بالتوافق بعد مشاوراتٍ مكثفة.
والآن، وبعد أكثر من عامٍ على توليه منصبه، يتمتع ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، بسلطةٍ مطلقة في المملكة إذ يسيطر مباشرةً على السياسة الخارجية والداخلية، ويتحكم في أجهزة الأمن واقتصاد البلاد.
وبذلك، استبدل محمد بن سلمان القيادة الملكية «الحذرة» بـ»سياسات التدخل الاندفاعية»، كما تنبأت إحدى وكالات الاستخبارات الغربية في أواخر عام 2015، محذرةً من أنَّ صعوده السريع سيؤدي إلى مشاكل في الداخل والخارج.
وأضافت الصحيفة الأميركية: تبينت فطنة هذا التحليل الذي أصدرته دائرة الاستخبارات الفيدرالية الألمانية منذ 3 سنوات، فقد ظهر عبر الأحداث مع زيادة سلطة محمد بن سلمان، مثل حرب اليمن الممتدة التي يبدو أنَّها حرب عبثية غير مجدية، ونزاعاته العنيدة وسلوكه الفظ تجاه الجيران والحلفاء، وعمليات القمع ضد حتى أخف أشكال المعارضة الداخلية وطأةً.
قضية مقتل خاشقجي وتبعاتها
وفي الآونة الأخيرة، أثار هذا الشهر (أكتوبر/تشرين الأول 2018) مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين خلال زيارته قنصلية بلاده في إسطنبول. وسواء نُفِّذَت عملية القتل بأمرٍ مباشر من ولي العهد، وهو ما تنفيه الحكومة السعودية بصورة قاطعة، أو بفضل سلطته التي لا ينازعه فيها أحد، يُحمِّله العالم كله مسؤولية مقتل خاشقجي.
تقول الحكومات الغربية إنَّها ما زالت تنتظر حقائق قضية خاشقجي، وتحاول اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستودُّ معاقبة السعوديين، أو ما إذا كانت بحاجة إلى فرض مثل هذه العقوبات استناداً إلى الغضب السياسي والشعبي المتزايد.
أمَّا الإدارة الأميركية، التي تعتمد على السعودية لتستمر في إنفاقها المليارات على المعدات العسكرية الأميركية ولتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، فسعت بعناية لمصادقة محمد بن سلمان ووالده، وخصصت لهم الدور الإقليمي الرائد في إخضاع إيران وإبرام اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني بمباركة عربية. وفي الوقت الحالي، وبينما يشق طريقه لإتمام الصفقات الدفاعية المعلقة، يسعى البيت الأبيض برعونة إلى تحديد مستوى العقوبة التي قد يُقرها ليظهر بمظهر المستاء مما حدث مع خاشقجي، الذي كان مقيماً بولاية فرجينيا الأميركية، في الوقت الذي يحمي فيه تلك الأهداف، بحسب الصحيفة الأميركية.
لكن ما يحدث داخل السعودية أقل شفافية بكثير. هل سيبقى محمد بن سلمان في منصبه أم سيرحل؟ هل ستُقيَّد سلطته بطريقة أو بأخرى على يد والده الملك أو بإجماعٍ من العائلة الملكية؟ أم هل سيصمد هو والمملكة في وجه العاصفة ويخرجا منها دون أضرارٍ كبيرة؟
اذاعان كبار القادة كان مفاجئاً
وبحسب الصحيفة الأميركية، فمنذ أن جاء محمد بن سلمان إلى السلطة كان «إذعان الأعضاء الأكبر سناً» في العائلة المالكة له أمراً مفاجئاً، كما قال أحد كبار المسؤولين السابقين بحكومة إحدى الدول الإقليمية الصديقة للسعودية. وأضاف: «لقد عاملوا هذا الشاب الصغير، البالغ من العمر 33 عاماً، كما لو كان زعيم قبيلة. إنَّه أمر غير عادي للغاية». هذا الشخص هو واحدٌ من عددٍ من المسؤولين الحاليين والسابقين في السعودية والحكومات الأخرى الذين وافقوا على مناقشة الشؤون الداخلية للمملكة فقط بشرط عدم الكشف عن هويتهم للحفاظ على علاقاتهم وسلامتهم.
لكنَّ معظمهم، بالإضافة إلى خبراء من خارج الحكومة، قالوا إنَّ الوضع لم يكن مفاجئاً، مشيرين إلى أنَّ هيكل السلطة الواسع والمعقد في العائلة الملكية، إلى جانب الإجماع الغامض الذي حكم بالسعودية منذ زمنٍ بعيد، قد انتهى منذ فترةٍ طويلة.
إذ قال يزيد صايغ، الباحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: » إحساسي هو أنَّ العائلة المالكة ربما تكون قد أُجبرت على الإذعان، أو هي على الأقل مستسلمة تماماً، ولم تعد قادرةً على الالتفاف حول شخصية قوية (استبدال محمد بن سلمان)، حتى وإن كانت موجودة. لقد فات الأوان كثيراً، حيث تفككت الكثير من سلطاتهم المؤسسية، وضعفت كذلك».
وقال مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط للصحيفة الأميركية، إنَّه على الرغم من أخطائه، فإنَّ محمد بن سلمان أحضر السعودية إلى العالم الحديث، وهو صادق في محاربة الإرهاب، وإنَّ استمراره في السلطة مهم لاستقرار العالم العربي.
وقال المسؤول: «لقد ارتكب أخطاءً، نعم… لكن إذا استُبعد، فربما سيصل إلى الحكم شخصٌ ما من العقلية القديمة. تخشى المنطقة أنَّ «إخراجه من المعادلة سيخلق مشاكل أكثر لنا جميعاً»، وهي وجهة نظر من المحتمل أن يتفق معها الرئيس ترمب وصهره ومستشاره غاريد كوشنر، الذي عيَّنه ترمب ليكون جهة الاتصال الرئيسية بمحمد بن سلمان. في الداخل، يخشى العديد من السعوديين من تراجع الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية الشعبية التي اتخذها، حتى في الوقت الذي قمع فيه الحريات الأخرى.
أما مضاوي الرشيد، وهي سعودية تعمل أستاذةً زائرة بمركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، فقد عارضت بشدةٍ وجهة النظر هذه. وقالت: «لا بد من إقالة محمد بن سلمان، وحتى [هذا] لا يكفي، ما لم يتعهد الملك سلمان بتغيير النظام السياسي إلى نوعٍ من الحكومات التي تخضع للمساءلة».
وتابعت الرشيد: «في الماضي، كان الأمراء الآخرون أقوياء، وكانوا يعملون بتوافق الآراء، على الرغم من أنَّ القمع كان هو نفسه تماماً. الآن إما توفي الكبار أو اختفوا أو احتُجزوا أو أُجبروا على الإذعان، لذا يحكم محمد بن سلمان وحده. وبغض النظر عما إذا كانت شخصيته جيدة أو سيئة أو قاتلة، المهم أنَّه لا يتقيد بأي هيكل أو مؤسسة أو فردٍ من أفراد عائلته».
وقال مسؤول سعودي غير متعاطف مع ولي العهد: «محمد أخذ المملكة العربية السعودية رهينةً. لقد ارتكب بعض الحسابات الخاطئة الخطيرة… هو ليس من نوع الزعماء الذي سيكون شريكاً جديراً بالثقة على المدى الطويل للولايات المتحدة أو بقية الغرب».
«واثق» أم «متهور»؟
منذ أن أسس الملك عبد العزيز آل سعود المملكة العربية السعودية في عام 1932، حكم 6 تة من أبنائه الكثيرين المملكة على التوالي. ومن بين نسله الذكور الذين لا يزالون على قيد الحياة، تولى الملك سلمان (82 عاماً)، السلطة في يناير/كانون الثاني عام 2015، بعد وفاة شقيقه عبد الله. وجرت العادة على تقسيم السلطة بين جميع أحفاد العائلة الملكية، مع تقلُّد العديد من أبناء عمومة الجيل الثالث المناصب الحكومية العليا.
كانت تُتخذ القرارات بالإجماع العائلي، خلف الأبواب المغلقة، وقليلون منهم أقدموا على التخلي عن ثرواتهم ومناصبهم رفضاً لذلك النظام.
وسرعان ما هدأت أمواج العائلة الملكية المتلاطمة. وبينما جعل اختيار محمد بن نايف ولياً للعهد في عام 2015 وإطاحة ابن مؤسس المملكة الأصغر، المراقبين السعوديين من خارج العائلة المالكة يهرعون إلى تفسير هذه الخطوة، فإنَّه لم يتسبب في إحداث الكثير من الارتباك داخل المملكة. ولم يكن يزعجهم أنَّ محمد بن نايف، الذي ترأس خدمات مكافحة التجسس، كان يُنظر إليه على أنَّه حليفٌ وثيق للولايات المتحدة ومخلص لها.
كان استبداله بمحمد بن سلمان أكثر صدمة. ولم يُخف الملك رغبته في وضع ابنه المفضل بالسلطة، فقد عيَّن الأمير محمد بالفعل وزيراً للدفاع، وجعله مسؤولاً عن التنمية الاقتصادية وعن «أرامكو»، شركة النفط الضخمة في البلاد.
وقال نيل بارتريك، الباحث البريطاني الذي كتب بإسهابٍ عن السياسة والقضايا الأمنية بالخليج، إنَّه في فترة مبكرة من توليه رئاسة القوات المسلحة حلَّ الأمير الشاب محل كبار قيادات القوات المسلحة، ونصَّب نفسه قائداً عاماً، في حين جعل الحرس الوطني تحت إشرافه مباشرةً، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال بارتريك إنَّ ولي العهد الحالي «ليس استثناءً» عن أسلافه في تثبيت سلطته بممارسة «مزيجٍ من المحاباة والترهيب» لأجهزة الأمن. وأشار إلى أنَّ بعض التغييرات في الشخصيات والمناصب كانت منطقيةً من حيث التحسينات الضرورية للجيش. لكنَّ تحييد أي استقلالية حقيقية للحرس الوطني، بشكل يضمن أنَّ أكثر وحدات الأمن الداخلي فاعليةً ترفع تقاريرها إليه مباشرة، إلى جانب سلطة محمد بن سلمان المنفردة بشأن مشتريات الأسلحة المهمة، كانت توليفةً مفيدة لولي العهد، على حد قول بارتريك.
الأميركيون أُعجبوا بذكائه
وبينما غضب المسؤولون الأميركيون من إقالة بن نايف، وانتابهم القلق من الحرب التي شنها محمد بن سلمان في عام 2015 على الحوثيين في اليمن بمساعدة الولايات المتحدة وبالشراكة مع دولة الإمارات، فقد أُعجبوا بذكائه وانضباطه.
وأشار تحليلهم إلى أنَّه كان متأثراً بقوة بمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، البالغ من العمر57 عاماً، والحاكم الفعلي لدولة الإمارات. يعتبر محمد بن زايد «مفكراً ناقداً»، وفقاً لما ذكره أحد كبار المسؤولين السابقين في الاستخبارات الأميركية. ويتمتع هو ومحمد بن سلمان بـ»علاقة وثيقة»، ولديهما الشكوك العميقة نفسها تجاه إيران، والاستعداد للعمل سراً مع إسرائيل.
التقى محمد بن زايد في نيويورك كوشنر، وكلاً من ستيفن بانون ومايكل فلين -اللذين كانا مرشحَين وقتها لتولي مناصب بالبيت الأبيض- في الفترة بين انتخاب ترمب وتنصيبه، ومارس ضغطاً كبيراً لصالح محمد بن سلمان، ومهد الطريق للعلاقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي وكوشنر، حسبما قال مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط.
في ظل حكم محمد بن سلمان، بدأت السعودية تبدو كأنَّها دولة الإمارات، التي تعد ملكية عربية ليبرالية نسبياً، تتمتع النساء فيها بشكل عام بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجال، وتزدهر بها الاستثمارات الأجنبية.
كان الكثير من المواطنين السعوديين والكثيرين في الغرب سعداء بالتغييرات الداخلية التي أدخلها محمد بن سلمان. لقد رفع بعض القيود الاجتماعية المرهقة، ومن ضمنها السماح للنساء بقيادة السيارات، وقلَّص من سلطة رجال الدين الخانقة منذ أمدٍ طويل، ومن سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع خطة إعادة هيكلة اقتصادية طموحة للحد من اعتماد المملكة على صادرات النفط.
لكنَّ بعض المحللين قالوا إنَّ نجاحات محمد بن سلمان وتوطيد سلطته وعدم استعداده للاستماع إلى الأصوات المعارضة ربما خلقت لديه ثقةً مفرطة بالذات.
وقال المسؤول السابق رفيع المستوى في الاستخبارات الأميركية: «لا تقلل من شأن الرجل، لكن أهم شيء هو معرفة إلى أي مدى وصل. نحن الآن أمام مستوى جديد من الثقة، لدرجة أنَّني أعتقد أنَّه ربما قد أصبح متهوراً».
تطهير العائلة المالكة
وخلال زيارته للولايات المتحدة في شهر مارس/آذار 2018، أشادت إدارة ترمب وآخرون بمحمد بن سلمان، ووصفوه بأنَّه صاحب رؤية ومصلح لما كان ينظر إليه العالم منذ فترة طويلة على أنَّه نظام ملكي قمعي غير منفتح.
إلا أنَّه في بلاده، كان العديد من أقاربه بالعائلة الملكية منزعجين ومصدومين.
وفي مسعاه للحصول على السلطة، نَحَّى ولي العهد الأمراء المنافسين، وحوَّلهم من شخصياتٍ نافذة في قلب العائلة المالكة إلى أبناء عمومة غير معروفين على الهامش. واعتُقل 11 أميراً على الأقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلى جانب رجال أعمال كبار، في إطار ما وصفتها الحكومة بأنَّها حملة لمكافحة الفساد، تحوَّل فيها فندق ريتز كارلتون في الرياض إلى مركز احتجاز مطلي بالذهب لبعض مواطني المملكة البارزين، بحسب الصحيفة الأميركية.
وكان من بينهم ابنان للملك الراحل عبد الله عم محمد بن سلمان، وكانا قد وصلا إلى مناصب قوية خلال فترة حكم أبيهم: الأمير متعب بن عبد الله، رئيس الحرس الوطني وقتئذٍ، والأمير تركي بن عبد الله، الأمير السابق لمنطقة الرياض.
وبالنسبة لحملة الاعتقالات في فندق ريتز كارلتون، صوَّرت السُّلطات اعتقال الأمراء المحتجين على أنَّه خطوةٌ إيجابية نحو تحقيق العدالة والمساواة. وقال البيان دون الإشارة إلى أسماء المحتجزين: «ما من أحد في السعودية فوق القانون».
لكنَّ أشخاصاً مقربين من الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان (36 سنة)، وهو ابن عم محمد بن سلمان ولا يقع ضمن تسلسل الحكم في السعودية، قالوا إنَّه كان من بين المقبوض عليهم في ذلك اليوم، وإنَّ رواية الحكومة السعودية عن الواقعة خيالية، إذ لم يكن هناك احتجاج، وبالتأكيد لم يكن الاعتقال بشأن قضية ثانوية نسبياً مثل فواتير الخدمات؛ بل قالوا إنَّ الأمير سلمان استُدعي إلى القصر في منتصف الليل، ثم ضُرب وأُلقي القبض عليه فور وصوله.
بعدها بـ9، أُفرج عن الأمير سلمان، وفقاً لمحاميه المقيم في باريس إيلي حاتم وصديقٌ للعائلة طلب عدم الإفصاح عن هويته؛ تجنباً لإثارة عداء السُّلطات. وقال الأشخاص المقربون من الأمير سلمان إنَّ أباه أُلقي القبض عليه بعد يومين من اعتقال ابنه ولم توجَّه إليه أي تهمٍ رسمية.
وأضاف هؤلاء الأشخاص أنَّهم لا يعرفون سبب اعتقاله، لكنَّهم يعتقدون أنَّ ولي العهد، محمد بن سلمان، يكنُّ مشاعر «غيرة شخصية» تجاه الأمير سلمان، الذي يُمثل صورة المواطن العالمي بدرجةٍ أكبر من ولي العهد الذي تلقى تعليماً سعودياً، إذ يتسم الأمير سلمان بطول القامة، ويؤمن بمبادئ العلمانية، ويُتقن 3 لغات، وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون. ويتمتع سلمان أيضاً بسجلٍّ عالمي متنامٍ كمروِّجٍ للثقافة السعودية في الفعاليات المختلفة عبر أوروبا، ما مكَّنه من التواصل مع النخبة السياسية في القارة الأوروبية.
ويبدو أنَّ لديه متابعين في السعودية أيضاً، إذ حقَّقَ مقطع فيديو لحفل زفافه كان قد نُشر على موقع يوتيوب منذ 6 سنوات، أكثر من نصف مليون مشاهدة.
ما الذي سيفعله الملك؟
السؤال المطروح حالياً هو: هل سيُقرر الملك سلمان أنَّ الحكمة تقتضي تقليص قوة ابنه محمد، أو على الأقل التظاهر بفعل هذا؟ تفيد تقارير بأنَّ صحة الملك ضعيفة، وتتراجع حدة قدراته الذهنية، لكن لا يوجد أحد خارج العائلة الملكية لديه معلومات مؤكدة حول الشأن. ويقول مسؤولون أميركيون وأجانب إنَّ الملك بدا يقظاً وواعياً خلال محادثاتٍ هاتفية أجراها مؤخراً مع ترمب وقادة آخرين.
وخلال ظهورٍ علنيٍّ مطول في وقتٍ مبكر من العام الجاري (2018)، في مهرجان للجِمال خارج الرياض، بدا الملك سلمان منخرطاً تماماً في فعاليات الحدث، إذ كان يصفق خلال جلسةٍ لقراءة الشعر، ووقف ليرقص في حين كانت تُعزف الموسيقى التقليدية السعودية لإبهاج الجمهور.
واقترح مسؤولان غربيان سابقان سيناريو لاحتواء الأضرار الناجمة عن حادثة خاشقجي، يشمل موافقة محمد بن سلمان على مشاركة نفوذه مؤقتاً مع عضوٍ آخر من العائلة الملكية موثوق به. وقال المسؤولان السابقان إنَّ هذا السيناريو قد ينجح في حالة واحدة فقط، وهي حصول الأمير محمد على ضماناتٍ بأنَّه سيكون أول الأمراء في تسلسل العرش بعد والده.
وأضاف المسؤولان أنَّ أكثر شخصٍ يبدو «مقبولاً» في هذا السيناريو هو الأمير خالد الفيصل، الذي يعتقد كثيرون أنَّه يحظى بثقة الملك. الأمير خالد (78 عاماً)، هو ابن الملك السابق فيصل، وأمير منطقة مكة، وأرسله الملك سلمان مؤخراً إلى تركيا مبعوثاً شخصياً له في التحقيقات الجارية هناك بشأن مقتل خاشقجي.
وكان الأمير أحمد بن عبد العزيز، أخو الملك سلمان والذي شغل منصب وزير الداخلية في 2012، من بين الأسماء التي ظهرت على الساحة مؤخراً.
وناقش أفراد بارزون في العائلة المالكة إمكانية أن يؤدي أحمد دوراً في إضعاف قوة محمد بن سلمان كنائب لولي العهد، خلال عدة لقاءات سرية على مدار الأشهر القليلة الماضية، بمنازل خاصة في الرياض وخارجها، وفقاً لشخصٍ يقول إنَّه حضر ثلاثة من هذه الاجتماعات.
وعُقد اثنان من هذه اللقاءات بعد انتشار مقطع فيديو على الشبكات الاجتماعية خلال الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2018)، يظهر خلاله الأمير أحمد وهو يتحدث إلى محتجين في لندن، مبدياً إحباطه من الحرب السعودية الجارية باليمن. وفي بيانٍ لاحق نُشر بوكالة الأنباء السعودية الرسمية، قال الأمير أحمد إنَّ تعليقاته المنشورة على حسابات بالشبكات الاجتماعية كانت «غير دقيقة»، وأضاف أنَّ «الملك وولي العهد مسؤولان عن الدولة وقراراتها».
لكن شكك آخرون في مكانة وقدرات الأمير أحمد، إذ قالت مضاوي الرشيد: «إنَّه ضعيف، لكنَّه قد يستعيد بعض التوازن والإجماع داخل العائلة المالكة».
وحتى الآن، لا توجد أي مؤشرات ظاهرة على إمكانية حدوث تغيير. وقال المسؤول السعودي المعارض لمحمد بن سلمان: «سبب عدم حدوث تحركاتٍ كثيرة داخل العائلة المالكة هو عدم تحرُّك الأشخاص البارزين الذين لم يكونوا ضمن سجناء فندق ريتز كارلتون. هم لم يفعلوا شيئاً لأنَّهم ينتظرون رؤية ما سيفعله الملك، وهو ما سيتوقف على الضغط القادم من الولايات المتحدة».
لكن حتى لو اختارت إدارة ترمب اتخاذ رد فعل، لا توجد ضمانات لحدوث تغييراتٍ كبيرة.
وقال صايغ: «لا أتوقع أي عقوبات غربية أو أميركية… يمكنها تشكيل أي فرقٍ حقيقي. سيقبع محمد بن سلمان بمكانه ويُحكِم قبضته داخل البلاد بدلاً من الرحيل في هدوء. الرحيل لا يتسق مع نظام الرقابة المحلية والترهيب والسيطرة الاجتماعية الذي أنشأه».
وقال دبلوماسي غربي سابق، لديه خبرة طويلة بشؤون السعودية، في حوارٍ بالرياض، إنَّ استبدال محمد بن سلمان بأمير آخر أمرٌ بعيد الاحتمال للغاية. وأضاف: «لا يوجد أي بديلٍ بالفعل. لو كانت هناك بدائل كانت الأضواء ستُسلط عليهم منذ وقتٍ طويل، وكان الناس سيلتفُّون حولهم».