تكبَّد دونالد ترمب، الرجل الذي درج على الاستهزاء بـ «الفاشلين»، نكسة كبيرة، مساء الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مع خسارة حزبه الجمهوري مجلس النواب لصالح خصومه الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، لكن من غير المتوقع أن يحمله ذلك على تبديل نهجه، ولا سيما على ضوء تفاصيل النتائج المتشعبة.
ولا شك أن انتزاع الديمقراطيين مجلس النواب سيشكل عائقاً كبيراً بوجهه خلال النصف الثاني من ولايته الرئاسية، فسيكون بمقدور مجلس النواب الجديد الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بالأغلبية التحقيق في عائدات ضرائب ترمب، وتضارب المصالح المحتمل، واتهامات تشمل صلات بين حملته الانتخابية في 2016 وروسيا.
ويمكن أيضاً أن يجبروا ترمب على الحد من طموحاته التشريعية، ربما بالقضاء على تعهداته بتمويل جدار حدودي مع المكسيك، أو تمرير حزمة كبيرة ثانية لخفض الضرائب، أو تنفيذ سياساته الصارمة فيما يخصّ التجارة.
وستكون أغلبية بسيطة بالمجلس كافيةً لعزل ترمب إذا ظهرت أدلة على أنه عرقل العدالة، أو أن حملته الانتخابية في 2016 تواطأت مع روسيا، لكن لا يمكن للكونغرس الإطاحة به من منصبه دون تأييد من غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
لم تصدمه نتائج انتخابات التجديد النصفي
ورغم استفادة الديمقراطيين من حالة الاستياء من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للفوز بالسيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، مما يعطيهم الفرصة لعرقلة جدول أعماله، فإن الملياردير النيويوركي لم يُظهر أي قدر ولو ضئيلاً من التواضع عند إعلان النتائج، بل بقي وفياً لسلوكه، واصفاً الانتخابات بأنها «نجاح هائل».
وفي وقت بات كل اهتمام ترمب مصبوباً على تاريخ واحد، هو الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين يتقدم لولاية ثانية، كتب في تغريدة موجّهة إلى مؤيديه «شكراً للجميع!».
والواقع أن نتائج هذه الانتخابات قد تمنحه جرعة دعم إضافية، تدفعه إلى المضي أبعد في نهجه، وإعادة ترتيب فريقه، وإسكات الأصوات النادرة المعارضة لمواقفه، سواء في أوساطه أو في صفوف الحزب الجمهوري.
فقد أثبت الانتصار اللافت للجمهوريين في تكساس، حيث أعيد انتخاب تيد كروز في مجلس الشيوخ، وفلوريدا حيث انتخب رون دي سانتيس الذي يجاهر بتبنّيه مواقف ترمب حاكماً للولاية، أثبت أن «أسلوب ترمب» مازال فعالاً في الحملات الانتخابية، وقد خاض الرئيس شخصياً الحملة في هاتين الولايتين.
وتلك الأسابيع التي قضاها يجوب أميركا ملقياً خطابات عالية النبرة على حشود من المؤيدين، جدّدت طاقة الرئيس.
«4 سنوات أخرى!»
وكان أنصاره المحتشدون في قاعات تغصّ بالقبعات الحمراء، المطبوعة بشعاره «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» يهتفون «أربع سنوات أخرى».
وسيكون بوسعه الاستناد إلى الغالبية الجمهورية الموسعة في مجلس الشيوخ، للاستمرار في تعيين قضاة محافظين.
وأخيراً، فإن نتائج انتخابات الثلاثاء، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تضعه أمام خَصم بات جلياً، هي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي.
ولن تكون النائبة عن سان فرانسيسكو، البالغة من العمر 78 عاماً في أفضل موقع لمقاومة هجماته، في ظلّ الضغوط التي تمارَس داخل حزبها من أجل التجديد.
غير أن البعض في واشنطن يطلق تكهنات بأن الرئيس السبعيني سيُعدل نهجه إزاء هذا الوضع السياسي الجديد.
وهو نفسه ألمح قبل ساعات من الانتخابات لإمكانية تلطيف نبرته، والحد من أسلوبه الاستفزازي والساخر والعدواني.
فقال رداً على سؤال عشية الاقتراع إن كان يأسف على شيء منذ وصوله إلى الرئاسة «بودي لو كانت نبرتي أكثر لطافة. أشعر ألّا خيار لي إلى حد ما، لكن قد يكون لي خيار في الواقع».
واتّصل مساء الثلاثاء ببيلوسي عملاً بالتقاليد، غير أن هذه اليد الممدودة قد لا تدوم طويلاً.
وفي مطلق الأحوال، سارعت مستشارته كيليان كونواي إلى وضع النقاط على الحروف، فأكدت أن ترمب مدرك أنه سيتحتّم عليه العمل مع الديمقراطيين في الكونغرس، قبل أن تلقي اللوم على الديمقراطيين الذين اتّهمتهم بـ «إبداء إقبال ضئيل على العمل مع الرئيس».
مَن يواجه الرئيس في استحقاق 2020؟
ويبقى السؤال الأكبر مطروحاً، حول المرشح الذي سيبرز من الصفوف الديمقراطية لتحدّي الرئيس في 2020.
تقول الناخبة الديمقراطية كيت جنكينز (66 عاماً)، المقيمة في سانت لويس بولاية ميزوري، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنها لا تحب ترمب إطلاقاً، لكنها تتخوف من قدرة المسؤولين في حزبها على تعيين المرشح المناسب في مواجهته.
وقالت قبل أيام قليلة من الانتخابات: «أعتقد أننا بحاجة إلى ضخّ دماء جديدة، سئِمت هؤلاء الهرمين الذين يتولّون قيادة الحزب الديمقراطي، أعتقد أنه يجدر بهم التنحي لإفساح المجال».
وإن كان السناتور عن فرمونت برني ساندرز (77 عاماً) ونائب الرئيس السابق جو بايدن (75 عاماً) والنائبة عن ماساتشوستس إليزابيث وارن (69 عاماً) غير مؤهلين برأيها لحمل راية الحزب في الانتخابات الرئاسية، فمن هو المرشح المناسب؟
تقول: «لا بد لي من الإقرار بأنني حائرة بعض الشيء. بصراحة لا أعرف، لكننا بحاجة إلى أفكار جديدة».
دونالد ترمب نفسه لا يخفي أنه سيكون أكثر ارتياحاً في مواجهة شخصية معروفة.
وقال في نهاية سبتمبر/أيلول 2018، ما بين المزاح والجد، خلال تجمع انتخابي في فرجينيا الغربية: «الأمر الوحيد الذي يقلقني هو وصول مجهول لم يسمع به أحد من قبل».