«يَشهد الله أنني طالبت منذ تولَّيت العرش بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية»، بهذه الكلمات مدَّ العاهل المغربي محمد السادس يده لصانِعي القرار في الجزائر من أجل «تجاوز كل الخلافات التي تُعيق تطور البلدين».
ولم يتوقَّف الملك الذي كان يلقي خطاباً بمناسبة الذكرى الـ 43 للمسيرة الخضراء عند هذا الحد، بل تعدَّاه إلى طلب تنزيل هذه الخطوات عبر آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور الصريح، فيما لم يُبد المسؤولون الجزائريون أي رد فعل رسمي على دعوة الملك المغربي إلى حدود الساعة.
وفي انتظار انعقاد المائدة المستديرة الأولية بجنيف يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول المقبل، تفاعل الأمين العام للأمم المتحدة مع مبادرة محمد السادس، مؤكداً أنه «كان مُؤيداً على الدوام لحوار معزّز بين البلدين»، ومعرباً عن أمله في أن يكون لقاء جنيف «بداية لمسار يُفضي إلى حل لهذا النزاع الذي عمّر طويلاً»، وفق تعبيره.
استجابة الجزائر لحضور اللقاء المذكور إلى جانب كل من المغرب وجبهة «البوليساريو» وموريتانيا، دفعت عبدالفتاح الفاتحي، خبير استراتيجي في قضية الصحراء والشؤون المغاربية، إلى القول إن الخطاب الملكي اختصر طريق الحوار من أجل تطبيع العلاقات وفتح الحدود «دون اللُّجوء إلى وساطات دولية».
ربع قرن من الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر
1600 كيلومتر من الحدود البرية الممتدة بين المغرب والجزائر، تتخلَّلتها معابر حدودية من أشهرها «زوج بغال» الفاصل بين مدينتي وجدة المغربية ومغنية الجزائرية.
أغلقت الجزائر الحدود منذ عام 1994، رداً على قيام المملكة المغربية بفرض تأشيرة على الجزائريين من جانب واحد. القرار المغربي جاء عقب هجوم مسلح استهدف فندقاً بمدينة مراكش في مايو/أيار 1994 نفذه مسلحون من أصل جزائري، متهمة الجزائر بالوقوف وراء هذا العمل الإرهابي.
خمس سنوات بعد ذلك، طار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى العاصمة الرباط، لحضور جنازة العاهل الراحل الحسن الثاني، الأمر الذي جعل العديد من الجهات الخارجية والداخلية تتساءل حول إمكانية طيّ صفحة القطيعة.
فتح الحدود.. توقيت دقيق
ومنذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، والمغرب يوجه دعوات تلو أخرى لتحسين العلاقات مع جارته الشرقية وفتح الحدود في وجه المواطنين من الجانبين، وهو ما جعل الباحث الأكاديمي المغربي إدريس الكنبوري، يؤكد أن الدعوة التي وجهها محمد السادس للجزائر ليست جديدة. وتنبثق من منطِق الأُخوَّة وإصلاح ذات البَين.
وأوضح الكنبوري أن دعوة الملك لفتح الحدود وإرساء سبل الحوار بين البلدين تأتي ضمن ظرفية دقيقة بالجزائر، مضيفاً أن «فريقين من الجنرالات يتنازعان من أجل السلطة»، ما جعل المغرب يرمي بالكرة في ملعب الجزائر مستغلاً فرصة الانتخابات الرئاسية الجديدة.
بالنسبة للجزائر، وفق مناس مصباح، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، في حديثه لـ «عربي بوست»، فإن إدراك الملك المغربي لظروف المنطقة وما تتطلبه من إعادة النظر في عدد من السياسات كان وراء دعوته تلك، لافتاً إلى أن البلدين يتواجدان في منطقة تحفّها التهديدات الأمنية وعلى رأسها وضع ليبيا التي تعيش وضع «اللادولة».
مطالبات بفتح الحدود المغربية الجزائرية/ رويترز
الكل مستفيد
وفي الوقت الذي اعتبر فيه إدريس الكنبوري ، أن الجزائر هي المعنية والمستفيدة من فتح الحدود، خصوصاً أن المغرب مُنفتح على القارة الإفريقية، يسير مصباح مناس إلى الاعتقاد بأن المملكة ومناطقها الحدودية تضررت بشدة من إغلاق الحدود أكثر من الجزائر، معتبراً أن «فتح المعابر سيكون بمثابة عامل تنفيس اقتصادي على المدن والمناطق الحدودية المغربية التي تعاني من الرّكود»، وفق تعبيره.
من جانبه، يرى الخبير المغربي عبدالفتاح الفاتحي، أنه من غير الطبيعي أن يبقى إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر حالة الاستثناء في العالم، الأمر الذي يُفوِّت على البلدين إمكانيات التعاون السياسي والأمني لمواجهة تحديات الهجرة والإرهاب، ما يهدر الكثير من الزمن السياسي على بناء اتحاد المغرب الكبير والكثير من الإمكانيات السياسية والاقتصادية الهائلة.
الجزائر.. حوار مشروط
وإن كان العاهل المغربي قد أبدى استعداد المملكة للانكباب على دراسة القضايا المطروحة بين البلدين وفق أجندة مفتوحة دون شروط أو استثناءات، فإن الباحث الأكاديمي الجزائري يرى أن مبادرة الملك وبالرغم من كونها إيجابية، وفق تقييمه، «تبقى مشروطة بمجموعة من التعديلات في سياسات المملكة»، بحسب قوله لـ «عربي بوست».
وعلى رأس هذه الشروط، كفّ المغرب عن الزج بالجزائر في قضية الصحراء، وزيادة على تسوية حرب تهريب المخدرات المشتعلة في الحدود والذي لا يزال عالقاً بين البلدين، وفضلاً عن إيقاف الحملة الإعلامية التشهيرية التي يشنها المغرب ضد الجزائر.
هل تُفتح الحدود بين الجارتين؟
بالرغم من أن المصالحة مشروطة، لم يستبعد المحلل السياسي الجزائري إمكانية فتح الحدود بين البلدين، لافتاً إلى أن البلدين يملكان روابط تاريخية وأحلاماً مشتركة، مرجحاً أن تبقى الجزائر منفتحة على هذا الطرح، رغم الجهات التي تريد للعلاقات بين البلدين أن تبقى متأزمة خدمة لمصالحها الخاصة، يقول مناس لـ «عربي بوست».
من جانبه، يرى الفاتحي، الخبير المغربي في قضية الصحراء، أن الظروف جد سالكة لفتح الحدود وتنشيط العلاقات البينية وخلق فرص نمو المناطق الحدودية.
وأبرز المتحدث أن خطاب الملك انتصر لمبررات التوجه من جديد إلى الجزائر من أجل التطبيع بين البلدين بسبب روابط الجوار والعرق والدين واللغة ووحدة المصير.