قال مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون، أمس الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب يُتوقع أن تعلن قريباً عن عقوبات اقتصادية بحق المسؤولين السعوديين المتورّطين في قتل خاشقجي.
ووفقاً لصحيفة The New York Times الأميركية قالت تلك المصادر إنَّ مسؤولين بارزين في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة ناقشوا فرض العقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي الدولي، الذي يمنح السلطة التنفيذية الأميركية سُلطة معاقبة المسؤولين الأجانب المتورّطين في انتهاكات لحقوق الإنسان. وقد يصدر الإعلان عن العقوبات في غضون أيامٍ.
يذكر أن استخدام قانون ماغنيتسكي لمعاقبة السعودية من شأنه أن يغلق الباب أمام الكونغرس لاتخاذ عقوبات أخرى ضد المملكة العربية السعودية.
والأسبوع الماضي، دعا كلٌّ من ماتيس ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كافة الأطراف المتورطة في حرب اليمن إلى وقف القتال والمشاركة في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. لكنَّ القادة السعوديين لم يتحركوا فوراً للحد من ضرباتهم الجوية، ما أغضب البعض داخل إدارة ترمب، وفقاً لمسؤولين سابقين.
الصحيفة نقلت عن بروس ريدل، الخبير في شؤون السعودية لدى معهد بروكينغز قوله: «صعَّد السعوديون ورفعوا حدة الحرب. إنَّه تقريعٌ علني من جانب السعوديين لوزيري الدفاع والخارجية الأميركيين. ولم تعلق الإدارة الأميركية على هذا الأمر. لكنَّ تقليص عمليات تزويد طائرات التحالف بالوقود جواً سيكون هو ردّها».
جدل عميق أثاره دعم واشنطن لحرب اليمن
أثار الدعم الأميركي لحرب اليمن التي تقودها السعودية جدلاً عميقاً، خاصةً في ظل تزايد عدد القتلى المدنيين -الكثير من الضحايا أطفال- والمجاعة الناجمة عن الحرب والمسيطرة على البلاد.
وواجهت الإدارة الأميركية انتقادات متنامية من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على خلفية الدعم العسكري الأميركي للحملة السعودية في اليمن.
ودعا كلٌّ من السيناتور تود يونغ، العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ عن ولاية إنديانا، والسيناتور جين شاهين، العضوة الديمقراطية بمجلس الشيوخ عن ولاية نيوهامبشاير، أمس الجمعة، إلى إنهاء عملية تزويد طائرات التحالف بالوقود جواً.
إجراءات أخرى للحد من الانتهاكات في اليمن
يدرس الجيش الأميركي إجراءات أخرى لمحاولة المساعدة في الحد من أخطاء الجيش السعودي واستخدامه المفرط للقوة في حرب اليمن، من بينها حثّ الرياض على تشديد قواعد الاشتباك وتحسين عملية تحديد واستهداف أهدافها العسكرية.
لكن المشكلة بالنسبة للجيش السعودي هي أنَّ القادة السعوديين، بعد إطلاق صواريخ من اليمن تضرب بالقرب من المدن السعودية، باتوا يطالبون بالانتقام فوراً. وقال مسؤولون أميركيون بارزون إنَّهم كانوا يأملون بإقناع الجيش السعودي بالتزام المزيد من الانضباط والحرص.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قدَّم بومبيو شهادة تفيد بأنَّ السعودية والتحالف الذي تقوده في حرب اليمن يتخذان إجراءات جوهرية للحد من إصابة المدنيين. ويحتاج الجيش الأميركي لهذه الشهادة حتى يتسنى له إعادة تزويد طائرات قوات التحالف بالوقود. إذ يتطلَّب قانونٌ صدر عن الكونغرس في أغسطس/آب الماضي تقديم الولايات المتحدة هذه الشهادة كل 180 يوماً.
ولاقت الشهادة التي قدمها بومبيو اعتراضات كبيرة من جانب عدة مكاتب داخل وزارة الخارجية، بما فيها مكتب شؤون الشرق الأدنى.
وفي خطابٍ له نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وضع ماتيس مهلة لوقف العنف، فقال: «بعد 30 يوماً من الآن، نريد أن نرى الجميع جالساً على طاولة السلام استناداً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، واستناداً إلى التراجع عن الحدود».
العقوبات وعلاقتها بمقتل جمال خاشقجي
تأتي العقوبات التي يُتوقَّع الإعلان عنها قريباً عقب عقوباتٍ أقل أعلن عنها بومبيو الشهر الماضي. إذ قال وزير الخارجية الأميركي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنَّ الولايات المتحدة تجمع معلوماتٍ بشأن ما حدث لخاشقجي ودور المسؤولين السعوديين في قتله.
وأعلن بومبيو حينها أنَّ الولايات المتحدة وضعت 21 سعودياً على القائمة السوداء للممنوعين من الحصول على تأشيرات دخول الولايات المتحدة أو ألغت التأشيرات التي حصلوا عليها بالفعل. وتضم قائمة الـ21 شخصاً الـ15 مواطناً سعودياً الذين حددت تركيا أسماءهم في ذلك الوقت بصفتهم متورطين في عملية قتل خاشقجي، بالإضافة إلى مسؤولين سعوديين أُقيلوا من مناصبهم في ذلك الشهر.
وقال بومبيو حينها: «لن تكون هذه العقوبات الكلمة الأخيرة للولايات المتحدة في هذه القضية».
وليس واضحاً إلى أي مدى قد تتداخل الجهات المستهدفة في العقوبات المقبلة مع القائمة السوداء لتأشيرات السفر المُدرج بها 21 سعودياً.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أرسل قادة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأعضاء في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ خطاباً لترمب يطالبون فيه بالتحقيق في مقتل خاشقجي، على أن تشمل هذه التحقيقات التأكُّد مما إذا كان «المسؤولون في أعلى المستويات داخل الحكومة السعودية» متورطين في عملية القتل أم لا.
وقال أعضاء الكونغرس الـ22 الذين وقَّعوا على الخطاب إنَّه ينبغي على إدارة ترمب استخدام قانون ماغنيتسكي الدولي لفرض عقوبات على المتورطين.
الاتفاق النووي السعودي وموقف واشنطن
وعلى الرغم من مساعي الإدارة الأميركية لإيجاد مخرج لمعاقبة السعودية وفي الوقت نفسه الحفاظ على متانة العلاقات معها، إلا أن الكونغرس سيكون له رأي آخر، متمثلاً في غرفة مجلس النواب التي سيطر عليها الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي الاسبوع المنصرم، حيث كشفت وسائل إعلام أميركية، السبت، حسبما ذكرت وكالة الأناضول، أن الكونغرس سيبحث قريباً مشروع قانون من شأنه عرقلة أي تعاون مع السعودية في مجال التقنيات النووية والتسليح.
وأوضح موقع قناة «فوكس» أن براد شيرمان، عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، بصدد عرض مشروع قانون خلال 10 أيام، يستهدف أيضاً وقف توريد الأسلحة إلى السعودية.
وتابع أن المشروع يتضمن إجبار البيت الأبيض على نيل موافقة الكونغرس قبل إجراء أي صفقة مع المملكة في مجال المواد والتقنيات النووية، بما فيها المستخدمة في البرامج السلمية، لتوليد الطاقة الكهربائية.
وأضافت «فوكس» أنه من المتوقع أن يصادق الديمقراطيون ونواب عن الجمهوري، على القانون، مع تزايد المطالبات بالضغط على الرياض لمراجعة سياساتها، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولفت الموقع أن تعاملات البلاد في المجال النووي السلمي تدخل في إطار وثيقة تسمى «اتفاقية 123″، التي تستند إلى الفقرة 123 من القانون الأميركي للطاقة الذرية، والتي لا تشترط إذن الكونغرس، إلا أن المسعى الجديد من شأنه تغيير ذلك.
ويتوقع أن يصوّت الكونغرس ضد أي اتفاق نووي بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والسعودية، وسيتعين على البيت الأبيض ضمان التزام الأخيرة باتفاقيات حظر تخصيب اليورانيوم وانتشار البلوتونيوم، والاتفاقيات الرقابية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن شأن هذه الخطوة دفع إدارة ترمب إلى إعداد تقرير حول تحقيقات المملكة بشأن مقتل خاشقجي ووضع حقوق الإنسان في البلاد، وممارسة ضغوط كبيرة على الرياض.
وقتل الصحافي السعودي في 2 أكتوبر الماضي، واعترفت بلاده لاحقاً بتورط أشخاص من دوائر الحكم في الجريمة، دون الكشف عن مصير الجثة أو تسليم المتهمين للمثول أمام القضاء التركي.
وطُرِحت إمكانية فرض عقوبات على سعوديين للنقاش في اجتماعٍ داخلي بوزارة الخزانة الأميركية يوم الخميس الماضي 8 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما سُئِل وزير الخزانة ستيفن منوشين عن الكيفية التي تعتزم بها الإدارة الأميركية الرد على عملية قتل خاشقجي. وقال موظف في وزارة الخزانة، كان حاضراً في الاجتماع، إنَّ منوشين أدان الأسلوب البشع لعملية القتل، وأشار إلى أنَّ بعض الخطوات ستُتخذ على الأرجح الأسبوع المقبل.
وأكدت متحدثة باسم وزارة الخزانة أنَّ الموضوع نُوقِش في اجتماعٍ داخلي، لكنَّها نفت رواية الموظف، قائلةً إنَّ الوزير لم يُقدِّم تعهدٍ كهذا.