تدرس أبرز مؤسسة بحثية تمولها الحكومة السعودية، التأثيرات المحتملة على أسواق النفط في حال تفككت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهو جهد بحثي مهم جدير بالملاحظة لدولة هيمنت على تكتل الدول النفطية على مدى ما يقرب من 60 عاماً.
وبحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية، يتزامن هذا الجهد مع ضغوط جديدة على الحكومة السعودية من الولايات المتحدة، إذ اتهم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، منظمة أوبك برفع أسعار النفط، فضلاً عن ضغوط من المستثمرين الذين نأوا بأنفسهم عن المملكة بعد جريمة القتل الوحشي التي تعرض لها الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان مقيماً بالولايات المتحدة.
وفي حين قال رئيس المؤسسة البحثية، آدم سيمينسكي، إنَّ الدراسة البحثية لم تأتِ كرد فعل لتصريحات ترمب، قال مستشار كبير مُطَّلع على الأمر إنَّها وفرت فرصة لأخذ انتقادات واشنطن بعين الاعتبار. ويمكن أن تُقدِّم تلك الدراسة البحثية دفاعاً عن منظمة أوبك وعن دور السعودية فيها، اعتماداً على ما ستخلص إليه من نتائج.
وبحسب أشخاص مُطّلعين على تلك المسألة، فهذا المشروع البحثي لا يعكس نقاشاً نشطاً داخل الحكومة السعودية بشأن احتمالية الرحيل عن منظمة أوبك في وقتٍ قريب.
السعودية تفكر جدياً في هذا الأمر
وقال هؤلاء الأشخاص إنَّ مسؤولين سعوديين كباراً ينظرون إلى هذه الدراسة باعتبارها تحقيقاً ذا أولوية قصوى على مستوى السياسة الاقتصادية. وقال سيمينسكي إنَّه أمر بإجراء الدراسة، وإنَّ مثل هذا التحليل ليس أمراً استثنائياً، بل إنَّه يبحث في موضوعات يدرسها باحثو المؤسسة عادةً بعمق.
وذكر هؤلاء الأشخاص المُطّلعون أنَّ هذه الدراسة تُعتبر جزءاً من عملية إعادة تفكير أوسع نطاقاً بين كبار المسؤولين الحكوميين في السعودية بشأن أوبك. وقال مستشار سعودي كبير إنَّ المسؤولين يجابهون افتراض أنَّ الطلب على النفط سيبلغ ذروته يوماً ما، وهو اعتقاد متداول بشكل متزايد في قطاع النفط، بحسب الصحيفة الأميركية.
وأضاف المستشار الكبير أنَّه في هذا السياق، يُنظر إلى تلك الدراسة بين كبار المسؤولين باعتبارها تدريباً على الرهان على الطريقة التي ستتفاعل بها الأسواق في حالة انخفاض الطلب إلى حدٍّ تفقد فيه منظمة أوبك هيمنتها وتَتَفكَّك.
وأصرَّت السعودية ونظراؤها من الأعضاء في أوبك، طيلة عقود، على أنَّ المنظمة مؤسسة اقتصادية عالمية مهمة، أي منتدى يمكن من خلاله أن يوزع كبار المنتجين إنتاج النفط، للحفاظ على ثبات الأسعار دون حدوث انخفاض أو ارتفاع كبيرين.
وكان منتقدون قد اتهموا أوبك بالتلاعب في أسعار النفط على حساب الاقتصادات ذات الاستهلاك الكبير للنفط مثل الولايات المتحدة، وكان ترمب صريحاً في إدانته. وقد دفعت مجموعة من المشرعين الأميركيين بتشريع من شأنه تصنيف أوبك ككيان غير قانوني.
مشروع «نوبك»
وتلاشى مشروع القانون المقترح، الذي سُمّى قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط أو «نوبك»، على مدار الإدارات الأميركية المتتابعة. وقال مؤيدو مشروع القانون إنَّهم يعتقدون أنَّه ربما يكون من المناسب الآن إعادة طرح هذا المشروع في عهد ترمب، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال المستشار الكبير: «المملكة تعلم أنَّ الطلب على النفط لن يستمر إلى الأبد… لذا تحتاج إلى التفكير في مرحلة ما بعد أوبك»، مضيفاً: «ولديك أيضاً مشروع نوبك قيد الدراسة» في واشنطن.
على الرغم من أنهَّ لا يدور نقاش في الحكومة السعودية حالياً حول حل منظمة أوبك قريباً، بدأ عدد من كبار المسؤولين الحكوميين مؤخراً، طرح تساؤلات عن الأساس المنطقي لبقاء المنظمة على المدى البعيد؛ نظراً إلى النفوذ الذي يمكن أن تمارسه السعودية وروسيا وحدهما على الأسواق، وفقاً لمستشار سعودي كبير آخر.
تزايدت تلك التساؤلات بعد أن عملت روسيا، بصورةٍ وثيقة، مع السعودية في السنوات الأخيرة، إذ نجحت روسيا ومجموعة من الدول المنتجة للنفط المتحالفة معها في التوصل إلى اتفاق قبل عامين، للانضمام الى منظمة أوبك؛ في جهد لكبح إنتاج النفط وسط أسعار منخفضة للغاية. ونجح نفوذ تلك المجموعة المتحدة على الإنتاج العالمي في رفع أسعار النفط للغاية، لدرجة أنَّ المجموعة وافقت في الآونة الأخيرة على فتح صنابير الإنتاج مرة أخرى، لتهدئة الأسعار. ومن المقرر أن يجتمع الجانبان مرة أخرى بنهاية هذا الأسبوع في أبوظبي، بحسب The Wall Street Journal.
استياء في أوبك بسبب التنسيق السعودي – الروسي
وعلى الرغم من تأثيره على الأسواق العالمية، أثار هذا التنسيق الوثيق بين روسيا والسعودية استياء بعض أعضاء أوبك، الذين اشتكوا من تهميش صنّاع القرار في الرياض وموسكو إياهم.
لم يردَّ متحدثون باسم الحكومة السعودية ووزارة الطاقة على طلبات للتعليق من الصحيفة الأميركية.
وتصف المؤسسة البحثية، وهي مركز أبحاث الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، الذي يتخذ من الرياض مقراً له، نفسها بأنَّها مؤسسة بحثية مستقلة. ويُقدّم باحثو المركز استشارات لهيئات سعودية نافذة، مثل شركة أرامكو السعودية للنفط ووزارة الطاقة السعودية.
قال سيمينسكي إنَّ الدراسة كانت تستند إلى أبحاث سابقة درست دور القدرة الاحتياطية لمنظمة أوبك في استقرار أسواق النفط. وخلصت الأبحاث السابقة إلى أنَّ غياب مثل هذا الغطاء «سيؤدي إلى بيئة أكثر تقلباً في الأسعار وسيؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي».
يأتي هذا المشروع البحثي في وقت يتحرك فيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المسيطر على إدارة شؤون المملكة بشكلٍ واسع، في عدة اتجاهات لإعادة تشكيل اقتصاد السعودية ومجتمعها ودورها الأوسع في العالم. دفع الأمير محمد إلى إجراء طرح أولي عام لنسبة من أسهم شركة أرامكو النفطية السعودية المملوكة للدولة، وهو مسعى توقَّف منذ ذلك الحين، وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكانت خطط الطرح الأولي العام لشركة أرامكو تُعد ركيزة أساسية فيما سمَّاه ولي العهد خطة أكبر لتحديث الاقتصاد السعودي. فقد دفع محمد بن سلمان باتجاه ضخ استثمارات كبيرة في مجالي التكنولوجيا والتمويل العالميَّين، في حين حاولت المملكة جاهدةً جذب المستثمرين الأجانب للاستثمار داخل السعودية.
غير أنَّ تلك الخطط تعقدت بعد إعلان تركيا مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وقيل في وقتٍ لاحق إنّ مسؤولِين سعوديِّين «على أعلى مستوى» دبَّروا تلك الجريمة. وزعمت السعودية أنَّ خاشقجي قُتل على يد عناصر مارقة دون علم ولي العهد.
ماذا يوجد في هذه الدراسة؟
ووفقاً للمحة عامة على الدراسة اطلعت عليها صحيفة Wall Street Journal الأميركية، تهدف تلك الدراسة المتعلقة بمنظمة أوبك إلى «تقييم العواقب القصيرة والمتوسطة الأمد لحل أوبك». وتهدف الدراسة أيضاً إلى تحديد الصورة التي سيبدو عليها سوق النفط العالمي والإيرادات السعودية في حالة اختفاء التنسيق بين الدول المنتجة للنفط».
وتورد الدراسة سيناريوهين للبحث فيهما في حال حُلّت منظمة أوبك: في الأول، يتنافس جميع كبار منتجي النفط، وضمنهم السعودية، ويقاتل بعضهم بعضاً من أجل الحصة السوقية. أما في السيناريو الثاني، تحاول السعودية، بدلاً من ذلك، الاستفادة من إنتاجها النفطي الضخم بمفردها، للمساعدة في موازنة العرض والطلب العالميين؛ في محاولة للحفاظ على أسعار النفط ثابتة، على غرار الدور الذي يقول الأعضاء إنَّ أوبك تؤديه اليوم.
ويجتمع مستشاران حكوميان بارزان، يتمتع كلاهما بدورٍ محوري في تشكيل سياسة النفط بالمملكة، بالباحثين الذين يجرون الدراسة، أسبوعياً، وفقاً لجدول زمني موضوع. وقال سيمينسكي إنَّ الاتصالات متواصلة مع وزارة الطاقة السعودية للحصول على البيانات اللازمة للدراسة.
تأتي هذه الدراسة في وقت تشهد فيه منظمة أوبك توترات حادة وانقسامات. فقد امتدت العلاقات بين المنافستين الإقليميتين منذ أمد بعيد، السعودية وإيران، اللتين تُعدَّان من أهم أعضاء المنظمة، إلى مداولات السياسة النفطية بمقر أوبك الرئيسي في فيينا.
تُعتبر السعودية حتى الآن أهم عضو بمنظمة أوبك، في ضوء أنَّها تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يومياً من إجمالي إنتاج المجموعة البالغ 33 مليون برميل يومياً. ولطالما تولى وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في السعودية رئاسة منظمة أوبك.
مالت المملكة إلى التقليل علناً من أهمية دورها في قيادة المنظمة، مؤكدة ما تقوله هي وزملاؤها الأعضاء من أنَّ عملية صنع القرار داخل أوبك تعتمد على توافق الآراء. وقد أعطى ذلك للأعضاء الأفراد، وضمنهم السعودية، درجة من الحماية من النقاد.
وأشعلت العقوبات الأميركية التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية مناقشات حديثة داخل أوبك، إذ اتَّهم الوفد الإيراني الرياض بتنفيذ تعليمات الولايات المتحدة داخل المنظمة. وأعرب مسؤولون سعوديون عن سخطهم، في بعض الأحيان، مما يصفونه بتعنُّت إيران خلال ما يُفترض أنَّه مناقشات غير سياسية، بل تتعلق فقط بسوق النفط.