كشف تقرير مفصل بصحيفة نيويورك تايمز عن الدور الذي لعبه المستشاران في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني وتركي آل الشيخ لرفع الأمير محمد بن سلمان إلى سدة الحكم، وعن المهام الموكلة إليهما لتكريس سلطته.
وتحت عنوان “خلف صعود أمير سعودي، هناك اثنان من الموالين المخلصين”، نشرت الصحيفة الأميركية تقريرا مطولا قالت في بدايته عندما عقد ولي العهد السعودي هذا الربيع مأدبة عشاء في الهواء الطلق لعدد من الزعماء العرب في أجواء عائلية، جلس بجانب الملوك والأمراء والرؤساء شخصان لا يتمتعان بالكثير من المؤهلات سوى ولائهما للأمير الشاب، وهما الشاعر الذي أصبح يدير الحملات الإعلامية “الشريرة” سعود القحطاني (40 عاما)، ورجل الأمن السابق الذي بات يدير دفة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ (37 عاما).
وأكد التقرير أن الرجلين لعبا أدوارا محورية في العديد من المغامرات الجريئة التي ميزت سباق محمد بن سلمان إلى السلطة، بدءا بالإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف، ثم احتجاز العشرات من الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وفرض الحصار على قطر، والأزمة الدبلوماسية مع كندا.
وتقول الباحثة في معهد دول الخليج العربي بواشنطن كريستين سميث ديوان “إنهما أقرب الناس إلى ولي العهد”، فهما الذراعان اللتان ينفذ بهما سياساته في الداخل والخارج، مضيفة أن جميع الذين يعارضون السياسة الخارجية للسعودية سيكونون سعداء برؤية هذين الشخصين وهما يفقدان صلاحياتهما.
وبعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول على يد فريق مقرب من ولي العهد، أعلنت السلطات اعتقالها لكامل أعضاء الفريق الثمانية عشر، لكنها اكتفت بإلقاء بعض اللوم على القحطاني، “قيصر الإعلام الاجتماعي” كما يسميه التقرير، فرغم فقدانه لقبه مستشارا بالديوان الملكي فإنه لم يفقد نفوذه على ما يسمى بالذباب الإلكتروني الذي يغرد لصالح محمد بن سلمان كما يبدو.
أما آل الشيخ فكان في نيويورك لتلقي العلاج الطبي أثناء اغتيال خاشقجي، وفقا لبعض المقربين منه.
ومنذ ذلك الحين تجنب الأضواء، ما يزيد من التكهنات بشأن تقليص صلاحياته وسط حالة الغموض التي تكتنف مصير محمد بن سلمان نفسه.
ويقول السفير الكندي السابق في الرياض دنيس هوراك، الذي طردته السعودية في أغسطس بسبب مطالبة كندا بالإفراج عن ناشطين حقوقيين محتجزين، إن المستشارين الشابين لا يحملان أي صفة دبلوماسية ولا يشغلان منصبا له علاقة بالشؤون الخارجية، ومع ذلك فإن الضيوف الأجانب غالبا ما يبحثون عنهما بسبب تأثيرهما على محمد بن سلمان.
القحطاني أقيل على خلفية مقتل خاشقجي
مؤهلات محدودة
وبما أن هذين الشخصين لم يتلقيا تعليما أو خبرة في الخارج، يبدو أن فهمهما للسياسة والثقافة الغربيتين متدن للغاية، فعندما أدار القحطاني حملة للترويج لمحمد بن سلمان إبان زيارته إلى بريطانيا، قرر أن يضع صورة الأمير على لوحات إعلانية وشاحنات تجوب لندن، مما أثار موجة سخرية بين سكان لندن الذين لم يعتادوا على مثل هذا النوع من الدعاية.
لكن ولي العهد يبدو أنه أكثر اهتماما بخبرة القحطاني في فهم أسرار العائلة المالكة، حيث تقول الصحيفة إنه استغل هذه الخبرة في التخطيط لصعوده وإلغاء منافسيه من الأمراء، كما أن خبرة القحطاني في القرصنة منذ عام 2009 مهدت له الطريق لاكتساب ثقة ولي العهد في إدارة برامج التجسس ضد المعارضين.
أما آل الشيخ، فتمكن من شق طريقه نحو الأمير عبر روح الدعابة والولاء الشديد، فكافأه محمد بن سلمان بميزانية لا حدود لها لجعل المملكة منافسا دوليا في التنس والملاكمة وكرة القدم وغيرها من الرياضات، كما بلغ طموح آل الشيخ استقدام أبطال المصارعة الحرة الأميركيين للعب على حلبات الرياض.
وتحدث تقرير نيويورك تايمز عن محاولة اختراق آل الشيخ بأمواله بلدا بحجم مصر عبر تمويل النادي الأهلي العريق، وعندما فشل في ابتلاع النادي أنشأ ناديا منافسا سماه “بيراميد”، وأطلق قناة رياضية خاصة، لكن الجماهير تصدت لأحلامه وهتفت بشتائم لاذعة ضده لتدفعه إلى الانسحاب.
آل الشيخ أنفق الملايين لاختراق الرياضة المصرية
أدوار متنوعة.
ومن أهم المهمات التي أوكلت إلى هذين الشخصين بحسب الصحيفة، احتجازهما لمحمد بن نايف في يونيو 2017، والضغط عليه طوال الليل تحت التهديد حتى وافق على التخلي عن حقه بالعرش، ثم إطلاق القحطاني حملة شائعات ضد محمد بن نايف تزعم أن إدمانه على الكوكايين كان وراء خلعه.
وأكد التقرير أيضا أن الرجلين لعبا دورا جوهريا في حملة الشتائم ضد قطر منذ إعلان الحصار عليها في الشهر نفسه، كما أرغم القحطاني شبكة أم بي سي على وقف بث المسلسلات التركية بسبب دعم تركيا لقطر، مما كلف الشبكة خسائر كبيرة، ثم أقنع ولي العهد بأن ينفق أكثر من 100 ألف دولار على إعلانات تلفزيونية أميركية ضد قطر.
وعندما احتجز ولي العهد العشرات من رجال الأعمال وأقربائه في فندق ريتز كارلتون بذريعة مكافحة الفساد، لعب الرجلان دور المحققين لإجبارهم على التخلي عن جزء من ثرواتهم.
ونقلت الصحيفة عن أصدقاء وأقارب بعض أولئك المعتقلين أنهم تعرفوا على أصوات القحطاني وآل الشيخ أثناء استجوابهم وهم معصوبو الأعين، أو لمحوهما في أروقة الفندق.
نيويورك تايمز