لم يعتبر تصريح السيناتور ليندسي غراهام قبل أيام، عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عابراً، فالرجل يتسم بالمثابرة حين يتعلق الأمر بتغيير النظام، بحسب ما ذكرته وكالة Bloombergالأميركية.
فقد دعم السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا الأميركية إزاحة الحكام من الدول الخصوم للولايات المتحدة، مثل العراق وليبيا، وهو الآن يريد قيادة جديدة لأحد الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة الأميركية، وهي السعودية.
وبعدما تلقّى غراهام ومجوعة صغيرة من أعضاء مجلس الشيوخ إحاطة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، بشأن عملية قتل جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرج في مؤتمر صحافي وقال إنَّ ولي العهد محمد بن سلمان «قوة هادمة».
وأضاف: «إن كانت الحكومة السعودية ستصبح في يدي هذا الرجل لفترة طويلة مقبلة، فإنّي أجد صعوبةً كبيرة في أن أتمكَّن من متابعة العمل معه؛ لأنَّي أعتقد أنَّه مجنون، أعتقد أنَّه خطير ووضع هذه العلاقة في خطر».
ما الذي يمكن أن يفعله السيناتور؟
وعادةً لا يُعتَد كثيراً بتعبير أعضاء مجلس الشيوخ عن آرائهم في السياسة الخارجية. فمعظم الصلاحيات الدستورية المتعلقة بالسياسة الخارجية ممنوحة للسلطة التنفيذية. ويتمتع أعضاء مجلس الشيوخ بصلاحيات إسداء النصح والموافقة على المعاهدات، والتعيينات الدبلوماسية، وجنرالات الجيش، لكنَّ إدارة شؤون الدولة هو أمرٌ متروك للرئيس ومستشاريه.
لكنَّ هناك مجالاً يمكن لسيناتور واحد إحداث فارق كبير فيه: مبيعات الأسلحة. وهذا بالضبط ما وعد به غراهام الثلاثاء.
فقال إنَّه لن يدعم أي مبيعات أسلحة للسعودية، ما دام الأمير محمد في الحكم. وأكد أيضاً أنَّه سيضغط على زملائه من كلا الحزبين –الجمهوري والديمقراطي- لدعم مشروع قانون سينص صراحةً على أنَّ محمد بن سلمان متواطئٌ في مقتل خاشقجي.
لكنَّ هذا أمرٌ جلل بحسب الوكالة الأميركية، فما يريده غراهام يُقوِّض تعهُّد الرئيس دونالد ترامب، الشهر الماضي، بألا يجعل مبيعات الأسلحة للسعودية أسيرة لقضية خاشقجي.
وعلاوة على ذلك، يفرض هذا ضغطاً على وزارة الخارجية الأميركية لمعاقبة الحاكم الفعلي للدولة السعودية. وهذا مختلفٌ كثيراً عن التقارب الكبير الذي ظهر بين غراهام وترامب في بداية هذا الخريف، في أثناء جلسات تأكيد تعيين القاضي بريت كافاناه.
هل سينجح غراهام والكونغرس؟
وتساءلت الوكالة الأميركية عن مدى قدرة غراهام، والكونغرس بوجه عام، على ممارسة ضغط كافٍ على السعودية لإقناع الملك سلمان الهَرمُ، والد محمد بن سلمان، أن يختار ولي عهد آخر قبل أن يموت.
والإجابة كانت أنه لم يسبق للتغييرات التي طرأت على أنظمة الحكم في العالم أن شهدت مثل هذا النهج.
فقد انخرطت الولايات المتحدة في إجراء تغييرات خفية وعلنية على الأنظمة الحاكمة في الدول الخصوم. كذلك أيدت الولايات المتحدة الانقلابات العسكرية لدى عملائها مثل فيتنام.
لكن الضغط على حليف لاختيار ملك جديد عن طريق تعليق مبيعات الأسلحة وصدور إدانات رسمية من الكونغرس يمثل أفقاً جديداً من النُّهُج.
تُعد تلك المهمة صعبةً للغاية من وجهة نظر الوكالة، حيث يرجع ذلك إلى الغموض الذي يَلُف العائلة الملكية السعودية.
ويقول باتريك كلوسون، مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنه من غير الواقعي بالمرة أن يكون للولايات المتحدة نفوذ كبير على السعودية. أما في الوقت الراهن، فينبغي أن تكون مهمة واشنطن هي دفع السعوديين لتغيير سلوكهم مستقبلاً، بدلاً من التشبث بما حدث في الماضي.
إلى جانب أنَّ الوقت الأنسب لممارسة مثل هذا النفوذ كان عام 2015، حينما كان محمد بن سلمان يُعِد نفسه لمنصب ولي العهد.
وثمّة مشكلة إضافية يواجهها نهج غراهام. إذا كان سيُجبِر وزارة الخارجية على فرض ما يُعرَف باسم عقوبات قانون ماغنيتسكي على محمد بن سلمان، فلماذا يقف عند هذا الحد؟ صحيحٌ أنَّ خاشقجي قُتل بطريقة وحشية، لكن هناك رؤساء دول آخرين يستحقون أن يلحق بهم هذا العار أكثر من محمد بن سلمان.
ولا بد من الإشارة إلى أنَّ السعودية هي أيضاً لها تأثيرها الخاص. ومع أنَّ غراهام محق في أنَّ السعوديين قد انضموا إلى الحرب الأميركية ضد الدولة الإسلامية (داعش) وإيران لأسبابهم الاستراتيجية الخاصة، وليس خدمةً للولايات المتحدة، فإنَّ السعودية لا تزال تؤثر في سعر النفط.
الثمن الذي على السعودية دفعه
وبصفتها أكبر مُصدّر للنفط في العالم، فإنها يمكن أن ترفع سعر البنزين على الأميركيين متى أرادت. فجدير بالذكر أنَّ استغلال السعودية لسلاحها النفطي رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر) أفضى إلى أزمة النفط الشهيرة في محطات الغاز في فترة السبعينيات.
وترى الوكالة الأميركية أن غراهام جديرٌ بالثناء؛ نظراً لمساعيه إلى تكبيد السعودية ثمناً أكبر مما كانت إدارة ترمب على استعداد لفرضه.
إضافة إلى أنه محق في أنَّ حلفاء أميركا يجب أن يعرفوا أنهم لا يسعهم تقويض القواعد الدولية مثلما فعل محمد بن سلمان. ويستحق غراهام أيضاً الثناء لاتباعه نهجاً أكثر عقلانية مع السعودية، خلافاً للقرار الذي سيتباحثه مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل، والذي من شأنه قطع دعم الولايات المتحدة برمته للحرب في اليمن.
وقال غراهام يوم الثلاثاء: «تُعَد السعودية حليفاً استراتيجياً، وهو تحالف يستحق الحفاظ عليه، لكن ليس مقابل أي ثمن».
وحدد السيناتور الثمن الذي يرغب فيه: «عزل ولي العهد محمد بن سلمان»، وهو الثمن الذي يظل مشكوكاً فيما إذا كانت السعودية على استعداد لدفعه.