دأبت المراكز الدولية المهتمة بتقييم الجامعات وتصنيفها دولياً على إصدار تقارير دورية مطلع كل عام جديد تتضمن تصنيفها بحسب قدراتها العلمية وإنجازاتها وسمعتها في الأوساط الجامعية من خلال إنجازات مدرسيها وباحثيها وطلبتها وتفاعلها مع مجتمعاتها، وتلبيتها لمتطلبات سوق العمل.
تحظى نتائج تقارير تصنيف الجامعات في العادة بتغطية إعلامية واسعة في مختلف بلدان العالم، وباهتمام خاص من لدن بعض حكوماتها. نستعرض بهذه الدراسة أحدث تقييم عالمي لأفضل الجامعات العالمية لعام 2019 حيث صدر مؤخراً تصنيف جريدة التايمز البريطانية الذي تضمن تصنيفا لأفضل ألف ومائتي جامعة في العالم. ويعتمد هذا التصنيف بشكل أساسي على خمسة معايير هي: التعليم، والبحث العلمي، والاستشهادات البحثية والدخل الذي تحققه الجامعات من الصناعة، والظهور على الساحة الدولية. وكما في العام الماضي، تصدرت الجامعات البريطانية والأميركية قوائم التصنيف، لكن بعضاً منها تراجع تصنيفه، في حين أظهرت الجداول تحسناً ملحوظاً في تصنيف الجامعات الآسيوية وخاصة الجامعات الصينية، في حين لا تزال جامعات أميركا اللاتينية وإفريقيا تكافح لتحسين موقعها.
التعليم العالي العربي:
بالنسبة للمشهد العربي، فقد تضمنت قوائم التصنيف لهذا العام أربع جامعات مغربية، ودخلت جامعة بغداد التصنيف العالمي للمرة الأولى رغم الظروف الصعبة التي مر بها العراق. كذلك تضمنت قوائم التصنيف لهذا العام تسع عشرة جامعات مصرية، وست جامعات جزائرية، إضافة إلى عدد آخر من الجامعات العربية، ولعل من المفيد استعراض مشهد التعليم العالي الدولي للتعرف على مواقع جامعاتنا عالمياً، ومتابعة تطور مواقع الجامعات العالمية على الساحة المحلية والدولية، والجهود التي تبذلها لتحسين مواقعها في ظل منافسة عالمية شديدة، وعسى أن يشكّل ذلك حافزاً لوضع إستراتيجيات وخطط عمل للنهوض بجامعاتنا العربية كي تأخذ الموقع الذي تستحقه ضمن هذا المشهد.
إفريقيا لها حصة كبيرة:
تصدرت جامعات جنوب إفريقية تصنيف الجامعات الإفريقية، وتصدّرت جامعة كيب تاون تسع جامعات جنوب إفريقية ظهرت ضمن التصنيف العالمي، واحتلت المرتبة 156 عالمياً، تليها جامعة ويتواترسراند المصنفة ضمن النطاق 201-250، وجامعة ستيلينبوش التي تقع في النطاق 301 ـ 350. والملفت للنظر أن مصر أصبح لديها 19 جامعة ضمن التصنيف العالمي للجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأميركية بالقاهرة، وجامعات تدخل التصنيف لأول مرة هما جامعة بنها وجامعة بني سويف، إضافة إلى جامعتي كفر الشيخ والمنصورة، وكلّها يقع في المجال 601 – 800 من التصنيف. أما جامعة القاهرة فقد جاءت في النطاق 801 ـ 1000، وكذلك جامعة الإسكندرية.
وكان للجزائر ستة مواقع في التصنيف، لكن أياً منها لم يقع ضمن أفضل 800 جامعة. أما المغرب فلديها أربع جامعات، في حين حصلت جامعات كل من نيجيريا وتونس على ثلاثة مواقع لكل منها، في حين كان لكل من غانا وكينيا وتنزانيا وأوغندا مؤسسة واحدة لكل منها.
اليابان أول آسيا:
كان لجامعات اليابان النصيب الأكبر من الجامعات الآسيوية، وتجاوزت اليابان للمرة الأولى المملكة المتحدة كثاني أكثر دولة تمثيلاً في القائمة بعد سنوات من التراجع والركود، وتحسن ترتيب الجامعتين الرائدتين في اليابان تحسنا ملحوظا، فصعدت جامعة طوكيو أربعة مراكز لتحتل المركز 42 هذا العام متخطية بذلك عدداً من الجامعات المرموقة كجامعة الكندية، وجامعة ميونيخ التقنية في ألمانيا، وجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا. ويعود سبب ارتفاع جامعة طوكيو في جدول التصنيف إلى التحسن الكبير في مجالي التدريس والبحث العلمي، وإلى علاقتها الوثيقة مع القطاع الصناعي. وفي الوقت نفسه، قفزت جامعة كيوتو تسعة مراكز لتحتل هذا العام المرتبة 65 عالميا.
واحتلت الصين المرتبة الرابعة في قائمة أكثر الدول تمثيلاً على مستوى العالم، حيث ضمت القائمة 72 جامعة صينية. واحتفظت سبع جامعات صينية بموقعها في قائمة النخبة أي ضمن أفضل مئتي جامعة. وحلّت جامعة تسينغهوا بأدائها المتميز محل جامعة بكين كأفضل جامعة صينية وتبوأت المرتبة 22 عالمياً، في حين تراجعت جامعة بكين إلى المرتبة 31. ويعود سبب التقدّم الكبير الذي شهدته جامعة تسينغهوا هذا العام إلى تحسن كبير في بيئة التدريس وزيادة كبيرة في إنتاج البحوث العلمية بما يتجاوز إنتاج جامعات أميركية عريقة كجامعتي برينستون وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا .
مكاسب الجامعات الآسيوية:
ومع أن العديد من الجامعات الآسيوية حققت مكاسب مهمة هذا العام، إلا أن أغلبية الجامعات الهندية راوحت مكانها أو تراجعت، وهي تكافح في ظل تزايد المنافسة العالمية، إذ غابت الجامعات الهندية عن قائمة أفضل مئتي جامعة في العالم. وجاء المعهد الهندي للعلوم ضمن النطاق 251 ـ 300 في جداول التصنيف، وهذا أعلى تصنيف تحققه جامعة هندية ضمن قائمة هذه العام. أما سنغافورة وهي دولة لا تتجاوز مساحتها 721 كم2 فلديها جامعتان ضمن قائمة أفضل مائة جامعة في العالم، علماً أن جامعة سنغافورة الوطنية هبطت مرتبة واحدة لتصبح 23 عالمياً، على حين ارتفعت جامعة نانيانج التكنولوجية إلى المرتبة 51 عالمياً.
أوروبا:
صحيح أن جامعتي أكسفورد وكامبريدج تصدرتا جدول التصنيف العالمي لعام 2019 مرة أخرى، وأن 98 مؤسسة تعليمية بريطانية لها ترتيب في هذا الجدول، إلا أن المملكة المتحدة تراجعت إلى المرتبة الثالثة للدول صاحبة المؤسسات التعليمية الأكثر تمثيلاً، بعد أن تقدّمت عليها اليابان، لكنها حافظت على موقعها كثاني أكثر الدول تمثيلاً في قائمة أفضل 200 دولة على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة.
العلوم والآداب الفرنسية:
وفي فرنسا، كانت جامعة باريس للعلوم والآداب أول مؤسسة فرنسية تدخل في قائمة أفضل 50 جامعة في العالم منذ عام 2011. والجدير بالذكر أن هذه الجامعة تأسست عام 2010 نتيجة دمج 25 مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات البحثية الواقعة في منطقة باريس. وقد حققت جامعة السوربون ثاني أفضل تصنيف للجامعات الفرنسية، حيث حلت في المركز الثالث والسبعين. والسوربون الحالية جامعة تأسست عام 2018 ونتجت عن اندماج جامعتي بيير وماري كوري وجامعة باريس ـ السوربون مع عدد من الجامعات الأصغر حجماً. أمّا ألمانيا فلا تزال الدولة الثالثة الأكثر تمثيلاً في قائمة أفضل 200 جامعة في العالم، وتضم 23 جامعة، ولديها 47 جامعة في الترتيب العام، بقيادة جامعة لودفيغ ماكسيميليان (ميونيخ) التي حققت المرتبة 32 عالمياً. وأمّا سويسرا، فقد منيت بخيبة أمل كبيرة جراء تراجع المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ من المركز العاشر إلى المركز الحادي عشر عالمياً! في حين قفزت جامعة زيوريخ 46درجة لتصل إلى المركز 90 عالمياً. ولدى سويسرا عشر جامعات في قائمة تايمز لأفضل الجامعات العالمية، يقع سبع منها في قائمة النخبة، وهي قائمة تضم أفضل 200 جامعة عالمياً.
روسيا تزيد حضورها:
زادت جمهورية روسيا الاتحادية من حضورها في قائمة هذا العام ـ مع وجود 35 جامعة ومؤسسة تعليم عال روسية ضمن الجداول، أي بزيادة 8 جامعات عن العام الماضي. واحتفظت جامعة لومونوسوف موسكو الحكومية، وهي الجامعة الرائدة في روسيا، بمكانتها البارزة ضمن أفضل مائتي جامعة في العالم، لكنها تراجعت خمسة مراكز عن ترتيب العام الماضي لتحتل المركز 199 عالمياً. واحتفظ معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا بموقعه ضمن أفضل 300 جامعة عالمية وكثاني أفضل مؤسسة في البلاد. كما انضمت المدرسة العليا للاقتصاد إلى نطاق301 ـ 350 وكذلك استمرت الجامعة الوطنية للبحوث النووية في الارتفاع، لتصل إلى النطاق 351 ـ 400 بعد أن أدخلت تحسينات على محاور التعليم والتعلم، والبحوث العلمية، والتعاون الدولي.
أميركا اللاتينية:
استطاعت البرازيل أن تحقق أعلى حضور لها على الإطلاق، على الرغم من المنافسة الدولية المتنامية، إذ نجد 36 جامعة برازيلية في ترتيب هذا العام أي بزيادة مقدارها 32 جامعة عن تصنيف العام السابق، وعلى رأسها جامعة ساو باولو التي احتلت موقعاً لها ضمن النطاق 251 ـ 300. وللمكسيك 17 جامعة في الترتيب العالمي، أي بزيادة مقدارها 6 جامعات عن تصنيف العام السابق، ومع ذلك فإنها تواجه تحديات خطيرة بما في ذلك استنزاف المواهب ومحدودية التمويل العام. أمّا التشيلي فلديها 16 جامعة بزيادة ثلاث جامعات ؛ وهناك سبع جامعات كولومبية، وخمس جامعات أرجنتينية، والبيرو لديها جامعتان.
إيران حاضرة والعراق يدخل التصنيف العالمي:
إيران هي الدولة الأكثر تمثيلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية من حيث عدد الجامعات في تصنيف تايمز للتعليم العالي لعام 2019، فقد تضمنت قائمة التصنيف 29 جامعة إيرانية، على حين كان عدد الجامعات الإيرانية 18 جامعة في تصنيف العام الماضي. وعلى الرغم من أن مؤسستها التعليمية الرائدة، جامعة بوبول نوشيرفاني للتكنولوجيا، انزلقت من المرتبة 350 إلى المرتبة 400 عالميا في هذا العام، إلا أنها ما زالت تتصدر الجدول العالمي من حيث تأثير الاستشهادات البحثية وهذا يشير إلى أن هذه الجامعة، على الرغم من أنها ليست مؤسسة بحثية عالمية كبرى، قد أنتجت العديد من الأوراق البحثية التي يُستشهد بها بكثرة في البحوث العلمية هذا العام.
وأما العراق فقد دخل هذا العام جدول التصنيف لأول مرة منذ 15 عاماً، فقد صنفت جامعة بغداد ضمن أفضل ألف جامعة في العالم وجاءت في النطاق 801-1000، وكانت أهم نقاط القوة لديها تأثير الاستشهادات والتعاون البحثي الدولي.
الولايات المتحدة أكثر تمثيلاً:
وتبقى الولايات المتحدة الدولة الأكثر تمثيلاً في جدول تايمز لتصنيف الجامعات لعام 2019 حيث مُثلت بـ172 جامعة، مع أن أغلبية جامعاتها (130 جامعة) بقيت مكانها أو تراجعت في جدول الترتيب. صحيح أن ستين جامعة أميركية تقع ضمن مجموعة أفضل 200 جامعة في العالم، إلا أن عددها كان في العام الماضي 62 جامعة.
جاءت جامعة ستانفورد في المرتبة الثالثة من حيث الأداء بعد جامعتي أكسفورد وكامبريدج البريطانيتين، لكن معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، صاحب المركز الثالث في العام الماضي، والذي جاء على رأس قوائم التصنيف بين عامي 2012 و2016، فقد المزيد من النقاط هذا العام، وانخفض مرتبتين إضافيتين ليحتل المركز الخامس. وحققت جامعة هارفارد المرتبة السادسة في التصنيف العام، والمرتبة الثالثة في معيار البحث العلمي (بناء على معايير الحجم والدخل والسمعة)، وأتت خلف جامعة أكسفورد التي تتصدر هذا المعيار، وكذلك خلف جامعة كامبريدج.
ويرى إيلي بوثويل، محرر التصنيفات العالمية في ملحق التعليم العالي بجريدة التايمز، أن مكانة جامعات الولايات المتحدة يمكن وصفها بأنها في حالة «ركود»، أو في حالة «انخفاض تدريجي متواضع»، حيث يمكن أن تؤدي التخفيضات في تمويل التعليم العالي، والتشدد في سياسات الهجرة، والمنافسة العالمية المتزايدة إلى تآكل هذه المكانة أكثر.
كندا ونصيب وافر:
أما كندا، فلديها 27 مؤسسة تعليم عالٍ في قائمة 2019. وجاءت جامعة تورونتو مرة أخرى على رأس الجامعات الكندية. وصنفت جامعة مونتريال ضمن أفضل مئة جامعة عالميا لأول مرة منذ عام 2013، حيث ارتفعت 18 مرتبة لتبلع المركز 90، وانضمت ثلاث جامعات كندية أخرى لأفضل 200 جامعة هذا العام، وهي جامعة أوتاوا في المركز 176، والجامعة الغربية في المركز 190 وجامعة كالجاري في المركز 199. ويقول بوثويل إن كندا لديها فرصة فريدة في مشهد التعليم العالي العالمي، إذ أصبحت أكثر انفتاحاً على العالم مقارنة ببريطانيا والولايات المتحدة اللتين أصبحتا أكثر انغلاقا. ومن المرجح أن تؤدي المبادرات الحكومية الرامية إلى زيادة عدد الطلاب الأجانب وتقديم دعم إضافي لهم إلى تحسين قطاع التعليم العالي القوي بالفعل.
أستراليا:
هناك أدلة تشير إلى ركود الجامعات في أستراليا، حيث فقد العديد من الجامعات الأسترالية مكانته وسمعته، في مواجهة تخفيضات في التمويل والمنافسة العالمية المتزايدة. ومع ذلك فما زال هناك 35 مؤسسة تعليم عال أسترالية في تصنيف تايمز العالمي للجامعات، وتسع منها جاءت ضمن أفضل مئتي جامعة، وعلى رأسها جامعة ملبورن التي بقيت في المركز 32 عالميا. لكن تجد أستراليا صعوبة في الحفاظ على الجامعات ومراكز البحث ذات المستوى العالمي من خلال تخفيضات في التمويل. فلا بد للجامعات من استثمارات قوية كي تتفوق، فتجذب أفضل المواهب العالمية وتحافظ عليها.
التنافس في التعليم العالي:
يلاحظ من مشهد التعليم العالي العالمي مدى التنافس الكبير القائم بين مؤسسات التعليم العالي في العالم في سعيها لتحسين مكانتها ومرتبتها العلمية على مستوى العالم. وكي تحقق ذلك فهي تبذل الجهد وتضع الإستراتيجيات وخطط العمل للتطور في جميع المجالات، أي في بيئتها التعليمية، والبحث العلمي، والشراكات العلمية مع الصناعة وأرباب العمل، والظهور على المستوى العالمي، كذلك فهي تتنافس على استقطاب أفضل المواهب والكفاءات العلمية للعمل لديها أو للدراسة فيها وتضع في سبيل تحقيق ذلك أفضل المغريات.