رويتر:
في السنوات الأخيرة باتت هواية اقتناء ما كان مرعباً من قبلُ، مثل الثعابين والعقارب والعناكب السامة، متفشيةً في مصر، وهو ما أنعش التجارة والبزنس في هذا المجال الذي كان مقتصراً على التوريد إلى مراكز السموم والأبحاث العلمية.
شغفُ الشباب المصري والأجنبي بهذه «الوحوش المستأنسة» فتح باب الاستيراد والتصدير على مصرعيه أمام هذه التجارة، ولكنها في الوقت نفسه تعاني شدة الخطورة وبعض العراقيل.
«عربي بوست» اقتحم بزنس «الأنياب الحادة»، ليتعرف على أبرز مخاطره وأرباحه، وحتى ضحاياه.
تربية الأفاعي والعناكب في مصر تزدهر
محمد صلاح طُلبة أحد أبرز شباب عائلة طُلبة، صاحبة نصيب الأسد في «بزنس» الحيوانات المفترسة.
تحتضن العائلة الآلاف من العاملين؛ فهي العائلة الأكبر والأعرق في منطقة أبو رواش بمحافظة الجيزة، المورد الرئيس لتصدير الحيوانات المفترسة المصرية إلى خارج مصر، أو توريدها إلى تجار التجزئة في مناطق «سوق الجمعة» بالسيدة عائشة وغيرها.
قال محمد طلبة: «إنهم يعملون في هذه المهنة منذ عشرات السنوات، فقد توارثوها أباً عن جد».
بدءاً من صيد الزواحف إلى تربيتها ومن ثم تصديرها أو استيرادها، وصولاً إلى الحيوانات الخطيرة، نجحت العائلة في التصدير إلى معظم الدول الأجنبية كهونغ كونغ وهولندا وأمريكا واليابان وغيرها.
الخريف.. وبداية رحلة التصدير
تبدأ رحلة محمد في التصدير إلى الخارج في الفترة ما بين شهري أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2018، وهي فترة نشاط الزواحف قبل دخولها البيات الشتوي.
يحصل أولاً على الموافقات من الهيئة العامة للخدمات البيطرية والحياة البرية، عن طريق تقديم طلب برغبته في تصدير أنواع معينة يحددها بالطلب.
ومن ثم، يحصل على موافقات بعدم وجود أي مانع لدى وزارتي الزراعة والبيئة، وقبل ذلك يُشترط أن يكون لديه سجلُّ استيراد وتصدير.
وفي حالة الاستيراد، يستقبل محمد جواباً من الشخص الذي سيرسل إليه الزواحف بأنواعها، والموافقات من بلده، ليحصل هو على موافقات إدخالها من الجهات نفسها.
الدولة تمنع تصدير 14 نوعاً خوفاً من انقراضها
عند الاستيراد والتصدير يصطدم محمد ببعض المشكلات والعراقيل.
إذ انخفض عدد الطائرات التي تقلُّ هذه الحيوانات إلى الخارج، قبل ذلك كانت كل الطائرات تسمح بحمل الحيوانات من مطار القاهرة.
معضلة محمد أن الحكومة المصرية تحظر تصدير 14 نوعاً، هي الأكثر طلباً في الخارج؛ بدعوى إمكانية انقراضها رغم وجودها بكثرة في مصر.
ورغم أنها تباع في «سوق الجمعة» وغيره من الأسواق، وهو ما يجعل الأطفال واليافعين يشترونها بسهولة، وغالباً يهملون تربيتها فتموت منهم، كما ذكر طُلبة.
وذكر مثالاً لذلك بثعبان الدساس المصري بأنواعه المختلفة، والذي يباع للأطفال في الأسواق بـ70 جنيهاً.
ماتت تلك الثعابين بكثرة، لصعوبة تغذيتها، في حين يبلغ سعره في الخارج 80 دولاراً، أي ما يعادل قرابة 1400 جنيه مصري. ومع هذا، تمنع الحكومة تصديره رغم حاجتها للعملة الصعبة.
حيوانات أخرى أضافها محمد إلى جانب ثعبان الدساس، ممنوع تصديرها من مصر ومرغوبة في الخارج.
عدد هذه الأنواع 14، ومُنع تصديرها منذ سنة 1994، أبرزها الضب المصري والحرباية الصحراوية والزراعية والبومة والسلاحف وعدة أنواع أخرى.
تعويم الجنيه وسعر الدولار عقبتان في طريق الاستيراد
رحلة الاستيراد ليست أفضل حالاً من التصدير، فمع تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار أصبحت تكاليف نقل الزواحف من الخارج مبالَغ فيها.
أسهم في تنشيط الاستيراد انتشارُ هواية تربية الثعابين، خاصة الأَصَلات، بين الشباب المصري.
والأَصَلات هي «الثعابين العملاقة التي تعتمد على عصر الفرائس عند قتلها وليس السُّم».
فبحسب محمد طلبة، يستوردون أَصَلات «الهندي» و»الكراميل» و»الألبينو» وغيرها من الخارج، لبيعها للزبائن في مصر.
أسعار البيع داخل مصر وخارجها مغرية
يعقد طُلبة عادةً صفقات من أجل الاستيراد بمبادلة بعض الثعابين والزواحف المصرية مع أحد التجار الأجانب، الذي يريدها في مقابل الحصول على الأصلات.
من الدول التي يتعامل معها مثلاً، السودان وغانا وتايلاند وغيرها.
إلا أن تكلفة النقل تبقى عالية، إذ يبلغ سعر «الطَّلَبيَّة» الواحدة، المكونة من 100 «أَصَلة»، 50 ألف جنيه، وذلك لأن الحيوان القادم من الخارج يقبع 21 يوماً في الحجر الصحي.
أما التصدير، فيتمحور حول 36 نوعاً من الثعابين المصرية، 8 منها سامة تماماً، و28 ما بين متوسطة السم وغير سامة تماماً.
في هولندا مثلاً، يباع الثعبان المصري «الأرقم» بـ15 دولاراً، وهناك ما يباع بـ10 دولارات.
أما أقل شحنة، فيكشف طُلبة أنها تحتوي على 400 حيوان ما بين أفاعٍ وزواحف وعقارب وسحالٍ وأبراص وغيرها.
يبلغ مكسب الصفقة بالكامل نحو 2000 دولار، فالبرص يباع بدولار، ولكن ما يعوض هذا أنهم يصدرون لمعظم دول العالم.
ولكن تظل المشكلة لديه أن الحيوانات المسموح بتصديرها أقل طلباً لدى الأجانب من الممنوع تصديرها.
لكنه بزنس قاتل أحياناً.. وقد يذوق الصياد السُّم حرفياً
وأشار محمد طلبة إلى أن هذا «البزنس» صعب جداً على حديثي العهد، بل خطير.
فرغم تطور الأمصال، فإن اصطياد الأفاعي السامة، خاصة «الكوبرا» المطلوبة دوماً بالخارج وفي مراكز السموم، ليس بالأمر الهين، ولا يمكن الاستهانة بصيدها مهما بلغ الصياد من حرفية.
وقال: «رغم أن وظيفتي منذ الجدود صيد الأفاعي وتربيتها ومن ضمنها السام، فإني لا أخشى الأُسود وأخشى الثعابين السامة». وذكر أن صياداً فقد حياته الشهر قبل الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، وهو يمسك بثعبان الكوبرا.
أحمد.. متخصص بالإلكترونيات وعاشق للأفاعي
نموذج آخر توصلنا إليه في عالم تجارة «الأنياب الحادة»، وهو أحمد درويش.
فرغم أنها ليست مصدر دخله، فإن شغفه وولعه بهذه الهواية جعلاه من مستوردي الزواحف الخطرة، كالثعابين والأَصَلات والعناكب، عن طريق بعض الوسطاء.
درويش ممن يحملون على عاتقهم مسؤولية تثقيف محبي تربية الثعابين والعقارب وخلافه، يعمل في مجال الإلكترونيات.
لذلك أنشأ مواقع وصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، يشرح فيها الطرق الأفضل لتربية هذه الحيوانات.
سافر درويش عدة مرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول إفريقية، ككينيا، لحضور معارض لهذه الحيوانات، أو استيراد بعضها، أو لجمع معلومات أكثر عنها.
لماذا انتشرت تربية الأفاعي؟ فضولية و»حِشَرية»!
يفسر درويش انتشار ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة بين الشباب، بأن الناس لم تكن ملمّة بالمعلومات الكافية عن هذه الحيوانات.
ولكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ونشر بعض الشباب صوره مع الثعابين، ثار فضول الناس، متسائلين: «كيف لم يقتله الثعبان؟!»، لتخلق بداخلهم رغبة في تفسير الأمر وتجربته.
بدأت أعداد المربّين تتزايد بانتشار صورهم مع الثعابين على الإنترنت.
ثم بدأت تتوافر المعلومات أكثر عن هذه الكائنات وكيفية تربيتها والتعامل معها، فكان الحاجز بينها وبين تربيتها هو الجهل فقط، على حد قوله.
يوضح درويش أيضاً أسباب جاذبية الثعابين في الخارج عن الأنواع المصرية، معللاً ذلك بسبب تنوع الطفرات فيها، أي تأخذ ألواناً جميلة.
والسبب الثاني، بداية تربية الثعابين والزواحف في الدول الأخرى داخل المنازل منذ فترة، لتحصل مرحلة «تفريخ» هذه الحيوانات في الأُسر.
أصبحت تربَّى الأجيال الجديدة وتبيض في الأسر بسهولة، فظهرت أجيال مستأنسة في المنزل، لذلك انتشرت حيواناتهم واكتسبت شهرة واسعة.
أما في مصر، فدخلت الهواية متأخرةً، ولا يعتاد إلا القليل جداً «تفريخها».
لذلك، لا تتكيف كثير من الحيوانات المصرية مع الأُسر وتربيتها في المنازل، بجانب أنها لا يسوَّق لها في الخارج، وهو ما يجعلها مجهولة لحد كبير، رغم أنها مميزة كثعبان «الأرقم» و»الدساس» و»آكل البيض».
أضف إلى ذلك ولع الشباب المصري بـ «الأصلات الضخمة»، وهي ليست مصرية، بحثاً عن التميز والإبهار، وهو ما فتح باب الاستيراد لتلبية هذا الغرض.
يتم الاستيراد في الغالب من تايلاند ودول غرب إفريقيا، حيث تنخفض فيها أسعار الثعابين بكثير عن أمريكا وأوروبا.
سعر الأفاعي العملاقة متفاوت.. وهي أقل شراسة أحياناً
وكشف درويش أن «الأَصَلة» في إفريقيا «صيد بري» ثمنها نحو 9 دولارات، تباع في مصر بـ1500 جنيه تقريباً.
وفي أمريكا، يبلغ سعرها 100 دولار، وإذا كانت عادية فإن سعرها يبدأ من 25 دولاراً. وهي أفضل من الصيد البري، لأنها وُلدت في المنزل واعتادت العيش فيه، فتكون أقل شراسة.
وأوضح درويش أن هناك دولاً تضع قيوداً شديدة على تصدير زواحفها، ولا تسمح بخروجها، مثل الصين، التي تشدد العقوبات على محاولات تهريب زواحفها، وربما يصل الأمر للإعدام!
أما العناكب الضخمة فرهان خطير، لكنه مطلوب
أما العناكب التي يستوردها أحمد درويش من الخارج، فاسمها بالإنجليزي «ترانش»، وهي أنواع كثيرة من العناكب، حجمها يصل لحجم الكف أو أكبر.
توجد في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والشمالية، ويختلف كل نوع من حيث الشخصية والسرعة والشراسة والعدوانية.
العناكب كلها سامة، ولكنَّ درجة السمية تختلف من نوع إلى آخر.
وتبدأ لدغات العناكب بتأثير قرصة نحلة إلى دبور إلى لدغة مؤلمة جداً تقتل الأطفال أو من هم أكبر من 60 سنة، أو الأشخاص ضعيفي المناعة.
وأوضح أنه يفضل استيراد الأنواع المكسيكية، لكبر حجمها ولأن سُمَّها ضعيف، مشيراً إلى أن آخر مجموعة جلبها بيعت فوراً.
ولفت درويش إلى أن كثيراً من الصيادين يموتون في سبيل الصيد.
وأشار إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية، مات عدد كبير من الشباب الذين يتعاملون مع ثعابين الكوبرا، وهو ما يجعل هذه التجارة من الأخطر في مصر.