يوسف عمر يوسف : طالب جامعى
يُعتبر الشيخ محمد الغزالي واحدًا من أهمّ علماء مدرسة الإحياء والتجديد الإسلاميّ المُعاصر – التي نشأت وتبلورت على يد الإمام الشهيد حسن البنّا صاحب الأبوّة والريادة لظاهرة اليقظة الإسلاميّة – وأبرز مفكريها، إذّ أنّ مؤلفات الشيخ محمد الغزالي مجتمعة مثّلت منظومة فكرية متكاملة ذات رؤية شاملة واعيّة في مواجهة التحديات التي كانت تعيق محاولات الأمّة في النهوض والتقدم والانعتاق على اختلاف أنواعها.
أبرز محطات حياة الشيخ محمد الغزالي
الدراسة والتعليم: التحق الشيخ محمد الغزالي بالمعهد الديني التابع للأزهر الشريف طالبًا للعلم الإسلامي بالإسكندرية فحصل على الشهادة الابتدائية والثانويّة من نفس المعهد، ثمّ التحق عام 1937 بالتعليم العالي الأزهري – كلية أصول الدين – بالقاهرة وتلقى العلم على كوكبةٍ من كبار العلماء منهم: الإمام محمود شلتوت، ونال من هذه الكليّة الشهادة العالميّة ثمّ إجازة في الوعظ والإرشاد.
جسّدت سلسة المؤلفات التي صاغها الشيخ محمد الغزالي والتي بدأت عام 1947 بكتابه “الإسلام والأوضاع الاقتصادية” معالم مشروعه الفكري والذي يتميز بالاستجابة الإيجابيّة الفاعلة والمباشرة للتحديات التي واجهت الأمّة
التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين: في ذات العام الذي التحق فيه بكليّة أصول الدين التقى بالإمام الشهيد حسن البنّا وتأثر به وتتلمذ على يديه وأصبح عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين، وقد بدأت آنذاك أهمّ تحوّلاته الفكرية. تفتّح مواهبه الأدبيّة والفكريّة: على يد الإمام الشهيد حسّن البنّا وفي صحافة جماعة الإخوان المسلمين – التي كان أحد كتّابها – تفتحت مواهبة الأدبيّة والفكريّة، إذّ أنّه كان يكتب في مجلّة الإخوان المسلمين في باب ثابت تحت عنوان “خواطر حرّة”، حتّى أُطلق عليه لقب “أديب الدعوة”.
المِحن والمكاره: كأيّ عالمٍ ربانيّ حرّ مرابط على ثغور دعوته دون كلال أو ملال، اعتقل الشيخ محمد الغزالي في العهد الملكي بعد صدور قرار بحلّ جماعة الإخوان في ديسمبر عام 1948 فقضى في معتقل الطور قرابة العام، وأقل من عام إبان التحقيقات مع الشهيد سيّد قطب عام 1965.
استقلاله عن جماعة الإخوان المسلمين: بعد ظهور ثورة يوليو على المسرح السياسي والتي عجزت عن احتواء الإخوان، نجح جمال عبد الناصر في استغلال بعض المواقف للإيقاع بين أعضاء الجماعة وقيادتها الجديدة، فنشب الخلاف بين مجموعة من الأعضاء – من بينهم الشيخ محمد الغزالي – والمرشد الثاني للإخوان الأستاذ حسن الهضيبي، وعلى أثر هذا الخلاف استقل الشيخ محمد الغزالي عن جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي منحه حريّة المفكر واستقلاليّة المُجدد.
المشروع الفكري للشيخ محمد الغزالي
جسّدت سلسة المؤلفات التي صاغها الشيخ محمد الغزالي والتي بدأت عام 1947 بكتابه “الإسلام والأوضاع الاقتصادية” معالم مشروعه الفكري والذي يتميز بالاستجابة الإيجابيّة الفاعلة والمباشرة للتحديات التي واجهت الأمّة في طريقها نحو التقدم والخلاص، ومن أبرز هذه التحديات التي تعرّض لها الشيخ الغزالي في مؤلفاته:
القوى المعادية للإسلام: تصدى الشيخ الغزالي لجميع التيّارات المعادية للإسلام ووقف في وجه أخطارها وآثارها، ففي مواجهة الاستعمار كان كتابه “الاستعمار أحقاد وأطماع”، وفي مواجهة الصهيونيّة العالميّة كان كتابه “حصاد الغرور”، وفي مواجهة التنصير كان كتابه “صيحة تحذير من دعاة التنصير” وفي مواجهة الشيوعيّة كان كتابه “الإسلام في وجه الزحف الأحمر”.
الاستبداد المالي والظُلم الاجتماعي: في مواجهة هذا التحدي الذي شلّ قدرات الأمّة الإسلاميّة وعطّل مواهبها الماديّة والأدبيّة، صاغ الشيخ محمد الغزالي عددًا من المؤلفات، منها: “الإسلام والأوضاع الاقتصادية” و”الإسلام والمناهج الاشتراكية” و”الإسلام المُفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين”.
الاستبداد السياسي: في مواجهة هذا التحدي الذي جنى على الأمّة الإسلاميّة وحرمها من ثمرات الشورى، صاغ الشيخ محمد الغزالي عددًا من المؤلفات، منها: “الإسلام والاستبداد السياسي” و”حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة” و”الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية”.
تحديات الحضارة الغربيّة: خاض الشيخ محمد الغزالي عددًا من المعارك في مواجهة التحديات الغربيّة التي كانت تحاول طمس التمييز الحضاري الإسلامي، ونسخ هويته، ومسخ روحه، فكتب عددًا من المؤلفات، منها: “من هنا نعلم” و”حقيقة القوميّة العربيّة” و”ظلام من الغرب”.
مثّلت المادة التي وزعها الشيخ الغزالي على هذه المنابر مجتمعة مدرسة إسلاميّة في فهم الإسلام من ينابيعه النقيّة من الشوائب
الذات الإسلاميّة: بعد أنّ تشوّهت منظومة الفرد الفكريّة إثر الرواسب الموروثة من عصور الانحطاط وموجات التغريب والتشويه الغربية، صدرت للشيخ الغزالي العديد من المؤلفات في مجال التنوير والتبصير بحقائق الإسلام وكشف التدين المغشوش ومطاردة الأفهام السقيمة للإسلام، وتضمنت هذه المؤلفات إعادة صياغة للذات الإسلاميّة، منها: “خلق المسلم” و”عقيدة المسلم” و”جدد حياتك” و”في موكب الدعوة” و”هذا ديننا” و”تأملات في الدين والحياة” و”ركائز الإيمان بين العقل والقلب” و”ليس من الإسلام”.
الجمود والتقليد: في مواجهة هذا التحدي الذي قلل من شأن العقل الإسلامي وقلل من امكانيّة التعامل مع المستجدات المطروحة في هذا العصر، قدّم الشيخ محمد الغزالي منهجًا إسلاميًّا في كيفية التعامل مع النصوص وميّز بين مصادر الإسلام المعصومة والفكر الإسلاميّ الغير معصوم ورفض إغلاق باب الاجتهاد بدعوى أنّ الأولين لم يدعوا مجالًا للاجتهاد والتجديد في عددٍ من مؤلفاته، منها: “السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” و”دستور الوحدة الثقافيّة بين المسلمين”.
اختلاف وسائل الدعوة عند الشيخ الغزالي
علاوة على أنّ الشيخ الغزالي قد أثرى المكتبة الإسلاميّة بمؤلفاته التي بلغت نحو ستين كتابًا على امتداد خمسين عامًا، فقد أبدع الشيخ الغزالي في كافّة ميادين الدعوة، وقد آتاه الله عدّة أدوات للدعوة منها: منبر الخطابة، ومنبر الصحافة، ومنبر الإذاعة والتلفزة، وقد مثّلت المادة التي وزعها الشيخ الغزالي على هذه المنابر مجتمعة مدرسة إسلاميّة في فهم الإسلام من ينابيعه النقيّة من الشوائب.
بين إخلاص الغزالي ونفاق علماء اليوم
يتعطر القلم أثناء كتابته عن الشيخ الغزالي، إذّ أنّه مثّل بمواقفه نموذجًا مشرّفًا في العالم الربانيّ الحرّ الذي ما نالت من عزيمته سنوات الاعتقال والتنكيل، وظلّ يصدح بالحقّ وإن كان مرًّا ولا يخشى فيه لومة لائم، ففي العام 1974 عارض الدولة في العديد من سياساتها عبر خطبه، فضاقت الدولة بمعارضته، وانتهى الأمر بمنع الشيخ من الخطابة بمسجد عمرو بن العاص، وتجريده من منصبه الذي كان يشغله كمدير عام للدعوة، وبعد أنّ سافر الشيخ الغزالي للسعوديّة رُقّي عام 1981 إلى منصب وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة، وعلى إثر اختلافه مع سياسة الدولة في الصلح مع اسرائيل قدّم استقالته.
حفاوة وتقدير
كتب عنه العلّامة القرضاوي فقال: “نحن أمام عالم مفكر حر، عاش عمره كله للإسلام، لا يشرك به شيئًا آخر، ونذر له فكره وقلبه، ولسانه وقلمه، وجهاده واجتهاده، وخاض معارك حياته كلها تحت راية الإسلام، رافضًا كل راية جاهلية، بأي اسم ظهرت، وتحت أي عنوان تزينت للناس متخذًا شعاره: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَاٰلَمِينَ..). لم يتخذ غير الله وليًّا، ولم يبتغ غير الله حكمًا، ولم يبغ غير الله ربًّا، وهو رب كل شيء”.
وكتب عنه الدكتور محمد عمارة فقال: “لم يكن الشيخ الغزالي مجرد عقل مجتهد ومجدد.. ولا مجرد داعية حامل هموم الأمة، ومرابط بفروسية على ثغور الإسلام على امتداد خمسين عامًا ترك لنا فيها قرابة ستين كتابا، وذلك غير المقالات والخطب والمحاضرات والحوارات، التي ستبقى ديوانا للجهاد الفكري في سبيل النهضة والاستنارة والتقدم والتجديد، و”جامعة الفكر الإسلامي” تتربى فيها الأجيال. لم يكن الشيخ الغزالي كل هذا فقط، وإنما كان -مع ذلك- قلبا نورانيا عاش في سناه عارفوه، الذين أسعدهم الله بالاقتراب منه، والأنس بهذا النور الذي كان يفيض من هذا القلب الكبير.