لم يكن لباكستان أن ترحب بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشكل أكثر حفاوة من مراسم الاستقبال التي طغت عليها مظاهر البذخ في إسلام أباد مطلع الأسبوع الحالي كي يتضح مدى تعويلها على الاستثمارات الأجنبية لدعم اقتصادها المتعثر والحيلولة دون نفاد احتياطياتها.
فقد رافقت الأمير طائرات مقاتلة في المجال الجوي الباكستاني وخصصت المحطات التلفزيونية ساعات للتغطية المباشرة للموكب ومراسم الزيارة التي وقع خلالها المسؤولون مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة والمعادن والزراعة تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار.
وفي ظل احتياطيات نقد أجنبي لا تكفي حاليا إلا لتغطية شهرين من الواردات واقتصاد يئن من ضعف النمو وارتفاع الديون، تشتد حاجة باكستان للاستثمار في الوقت الذي تسير فيه المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن إنقاذ مالي بخطى بطيئة.
وقلد الرئيس عارف علوي الأمير محمد ”نيشان باكستان“ وهو أرفع وسام باكستاني، بينما قدم له رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني هدية عبارة عن بندقية نصف آلية مطلية بالذهب.
وقال رئيس الوزراء عمران خان لضيفه ”مذكرات التفاهم تعكس تعزز العلاقة، لكنني أشعر أن تلك مجرد بداية“.
أما السعودية، التي تحتاج إلى أصدقاء بعد حالة الغضب العالمية التي أثارتها بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي في قنصلية المملكة في اسطنبول، فلا شك أن التكريم المفرط كان موضع ترحيب، غير أن بعض المسؤولين قالوا إن الاتفاقات مهمة من الناحية الاقتصادية.
وتنفي الرياض ضلوع الأمير في مقتل خاشقجي، الذي تسبب في توتر العلاقات مع الغرب.
وقال عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية ”هذا ليس عملا خيريا، إنه استثمار. ثمة منافع لكلا الطرفين“.
وفي إطار رؤية المملكة 2030، تتطلع السعودية إلى تنويع الاستثمارات بجانب احتياطياتها من النفط الخام وجعل البلاد ”قوة استثمارية عالمية“.
* ”فرصة هائلة“
كان أكبر اتفاق جرى توقيعه يوم الأحد بخصوص مصفاة قيمتها عشرة مليارات دولار ستشيدها أرامكو السعودية في ميناء جوادر، والتي سيستغرق بناؤها ما يصل إلى خمس سنوات. لكن الاتفاقات الأصغر، ومن بينها الاستحواذ على محطتين للغاز الطبيعي المسال ومشاريع للطاقة البديلة واستثمارات في الأغذية الزراعة، ستجني ثمارها بوتيرة أسرع.
وقال الأمير محمد يوم الاثنين “نؤمن بمستقبل باكستان، ونعتقد أن باكستان لديها فرصة هائلة“.
وما زالت تفاصيل الكثير من الاستثمارات غامضة، لكن الحزمة هي الأكبر منذ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني البالغة تكلفته 60 مليار دولار، والذي وُصف بأنه الركيزة الأساسية لمشروع البنية التحتية العالمي الصيني العملاق المعروف باسم ”الحزام والطريق“ حين جرى الإعلان عنه في 2014.
وقال زاهد حسين الكاتب والمحلل المعني بقضايا المنطقة ”الأمر المثير للاهتمام بخصوص هذه الجولة أن العلاقة تتخذ بُعدا آخر. فبعد علاقة استراتيجية بين جيشين، اكتسبت بُعد التعاون الاقتصادي“.
وأضاف ”ستظل الصين أيضا شريكا كبيرا ورئيسيا في باكستان… لكن السعوديين سيكملون ذلك“، معبرا عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك طرف رابح على حساب الطرف الآخر.
وتتزامن زيارة الأمير محمد مع تصاعد التوترات بين باكستان والهند عقب هجوم انتحاري وقع الأسبوع الماضي في كشمير أسفر عن مقتل 44 شرطيا هنديا، وأعلنت جماعة جيش محمد المتمركزة في باكستان مسؤوليتها عنه.
ولم تتم الإشارة إلى هذه المسألة علنا إلا بإيجاز، لكن المحطة التالية للأمير محمد في أول جولة آسيوية رسمية له هي نيودلهي، حيث يتطلع المسؤولون أيضا إلى استثمارات بمليارات الدولارات.
وكثفت إيران، المنافس اللدود للسعودية، أيضا الضغط على باكستان بسبب هجوم وقع قرب حدودهما المشتركة وأعلنت مجموعة متشددة أخرى وهي جيش العدل مسؤوليتها عنه.
وفي حين أن جيش باكستان القوي حليف وثيق للسعودية منذ أمد طويل، تخشى إسلام أباد أن تُستدرج إلى حرب اليمن، الذي يحارب فيه تحالف بقيادة السعودية جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران. ويقول المسؤولون الباكستانيون إن حزمة الاستثمار لا ترتبط بدعم التحالف.