ما يحصل اليوم من مناورة يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليجمع بين المصالح الاقتصادية الأمريكية وقيمها المُدَّعاة حول قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، يذكر بحسب The Daily Beast ما حصل بين الملك عبد العزيز وروزفلت.
يمكنك أن تراجع اتفاقات فرانكلين روزفلت مع الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة في 1932.
، رضخت الولايات المتحدة لواقع الجغرافيا السياسية، وحاول روزفلت أن يجعل الملكية السعودية تخضع لأجندته، لكنَّه فشل في النهاية.
بدأت القصة بعد 6 أعوام من تأسيس المملكة
أي، بعد أن اكتشف موظفو شركة Standard Oil البترول هناك.
بدأت كبرى شركات البترول الأميركية الاستثمار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي كان روزفلت خلالها حريصاً على ألَّا يُعادي القادة العرب، إذ كان يمر خط إمداد رئيسي إلى حلفاء السوفييت عبر الأراضي العربية في الخليج العربي.
بعد مؤتمر يالطا عام 1945 بحضور الثلاثة الكبار، وهم: روزفلت وتشرشل وستالين، سافر روزفلت إلى مصر لمقابلة الملك عبدالعزيز آل سعود.
وكان من أهم الأهداف التي آمل أن يحققها أن يُقنع العاهل السعودي بالموافقة على عقد تسويةٍ مع اليهود الذين سعوا إلى تأسيس وطنٍ لهم في فلسطين.
وهو ما وعدهم به البريطانيون أثناء الحرب العالمية الأولى في وعد بلفور، ووعدتهم به عصبة الأمم، والكونغرس الأميركي في 1922، وازداد الدعم للقضية الصهيونية بعد الهولوكوست.
آمل روزفلت أن الملك قد يتعاون، لكنَّ المؤشرات أوضحت أنَّه قد يعترض. فكما أوضح سفير الولايات المتحدة لدى المملكة، ويليام إدي، للرئيس روزفلت، قال العاهل السعودي: «لو فضلت الولايات المتحدة الوقوف بجانب اليهود المغضوب عليهم في القرآن باعتبارهم أعداء للمسلمين حتى يوم القيامة، سوف يشير ذلك إلى أنَّ أميركا تتبرأ من صداقتها معنا».
الملك عبد العزيز وروزفلت
وفكر أنَّه لو حظي بفرصة الجلوس مع الملك عبدالعزيز آل سعود وباستغلاله لسحر شخصيته وبراعتها، قد يتمكن كما أخبر حكومته من أن «يصل إلى تسويةٍ للقضية الفلسطينية». وتعجَّب مستشار البيت الأبيض، الاقتصادي هيربرت فيس، من أنَّ روزفلت «تعلق بوهم أنَّه ربما هو، وهو فقط، سيستطيع أن يصل إلى تسويةٍ -إن لم تكن مصالحة- بين العرب واليهود».
كان روزفلت منهكاً ومريضاً للغاية ومجهداً بشدة (تُوفي بعدها بشهرين فقط)، ومع ذلك، بعد انتهاء المؤتمر قرر أن يغتنم الفرصة ويسافر إلى مصر، حيث وافق الملك عبدالعزيز آل سعود على أن يقابله على متن السفينة الحربية الأميركية كوينسي.
شرح الرئيس هدفه إلى وزير الخارجية إدوارد ستيتنيوس بأنَّه قد يُحضر للملك خريطةً تبين «منطقة الشرق الأدنى كلها وعلاقة فلسطين بالمنطقة».
وآمل أن يُقنع الملك بالموافقة على حصول اليهود على جزء من فلسطين مع الحفاظ على مصالح الفلسطينيين.
وحضَّروا السفينة الحربية كما ولو كانت منزل الملك السعودي
أمر روزفلت أثناء التحضير لمقابلة الملك عبدالعزيز بأن تُهيَّأ السفينة الحربية ليشعر الملك كما لو كان في وطنه.
فرش طاقم السفينة العشرات من السجاد السميك، ونصبوا خيمة ملكية كبيرة أمام المدفع الأمامي حتى يتمكن الملك من النوم بداخلها.
وبعد ذلك، أنشأوا حظيرة للأغنام، وكانت الحيوانات جاهزة للذبح، ليتمكن الملك وحاشيته من الحصول على طعامهم المعتاد. وأحضر الملك طعامه الخاص، والطهاة ومواقد الفحم.
وكان من المصاحبين للملك غير أفراد عائلته المباشرين وبعض الأقارب، الإمام الذي كان يؤم صلواتهم، ومسؤول تقديم القهوة، وحامل حافظة الأموال الملكية، بالإضافة إلى 10 من حرسه الشخصي من حاملي السيوف والخناجر.
حاول إقناعه بعينيه اللامعتين وابتسامته الطيبة
كان روزفلت في «أفضل حال»، وكتب مترجمه ويليام إيدي: «باعتباره مُضيفاً لطيفاً يجيد الحوار، لطالما حظي باهتمام مَنْ يتحدث إليهم كأصدقاء وإقناعهم بسبب عينيه اللامعتين وابتسامته الطيبة».
علم روزفلت أنَّه يجب أن يكون حريصاً، ولذلك، بدأ مقابلته مع الملك بإعلامه أنَّه لن يُساعد اليهود على حساب العرب أبداً. لاحقاً، ومع ذلك، أخبر الملك بأنَّ لديه مشكلة جادة «يرغب في نصيحة الملك وعونه فيها»، ألا وهي «إنقاذ وتوطين بقايا يهود أوروبا».
وسأله: «ما اقتراح الملك في هذا الشأن؟».
جاء رد فعل الملك عدائياً، ورد بأنه من وجهة نظره «على اليهود أن يعودوا ليعيشوا في الأراضي التي طُردوا منها».
وإن لم يكن لديهم أوطان يعودون إليها اقترح أن تُوفَّر لليهود «مساحة للعيش في دول المحور التي اضطهدتهم»، وليس في أراضٍ عربية. وأضاف أن الحقيقة أن العرب واليهود «لن يتعاونوا أبداً، لا في فلسطين ولا في أي دولة أخرى».
وأخبر روزفلت: «العرب يفضلون الموت على أن يتخلوا عن أراضيهم لليهود».
تعلمت الكثير من الملك السعودي في 5 دقائق
عاد روزفلت إلى أميركا، وكان على رأس جدول أعماله الإعلان عن نتائج مؤتمر يالطا من خلال خطاب أمام مجلسي الكونغرس.
سُلم نصّ الخطاب إلى الصحافة مُقدماً، وتفاجأت الصحافة والدولة وهم ينصتون إلى الراديو بسماعهم جملةً إضافية أضافها الرئيس.
أصدر الرئيس تعليقاً أثار غضب معظم الأميركيين، الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبيتهم يفضلون إقامة الدولة اليهودية.
قال روزفلت إنَّه أثناء مقابلته مع عبدالعزيز آل سعود: «تعلمتُ كثيراً عن القضية العربية، قضية المسلمين واليهود، بالتحدث مع الملك السعودي لمدة 5 دقائق أكثر مما تعلمت من تبادل عشرات الخطابات».
يبدو وبكل وضوح أنَّ رد فعل الملك عبدالعزيز حول فكرة التواجد اليهودي في فلسطين قد هزَّته.
وفي خطابٍ إلى روزفلت بعد المقابلة، كتب الملك أن فقط «العرب هم من يمتلكون حق التواجد في فلسطين». مؤكداً ما قاله له على متن السفينة الحربية كوينسي. وكانت حجته أنَّ العرب تواجدوا في فلسطين منذ عام 3000 قبل الميلاد، وكان اليهود «مجرد غرباء»، وأي ادعاءات تاريخية يتبناها اليهود في نظر الملك «سفسطة».
ومرةً أخرى، ومحذراً من تأسيس الدولة اليهودية، كتب الملك أن حدثاً كهذا قد يُعد «ضربةً قاتلة للعرب». وأنَّه من الواجب على حلفاء الحرب أن «يمنعوا تقدم اليهود».
وجاء رد روزفلت موجزاً، ورفض أن يغالطه، وأكد للملك أنَّه تعامل مع خطابه «باهتمامٍ بالغ»، وذكَّره بأنَّ مقابلتهما على سطح السفينة الحربية أعطته «انطباعاً جلياً» عن رؤاه.
وأخبره الرئيس لاحقاً بأنَّه «لن يقوم بأي إجراءات قد تكون معاديةً للعرب»، وقال إنَّ هذا ما يعرفه الملك بالفعل عن السياسة الأميركية.
وبعد ذلك، قال الحاخام والقائد الصهيوني ستيفن وايز: «لقد فشلت. وفشلي الوحيد كان مع الملك السعودي عبدالعزيز». وكشف الحاخام أن الدافع الوحيد لمقابلته كان «من أجل قضيتكم، لقد حاولتُ أن أطرح القضية اليهودية عدة مرات. في كل مرة أذكر فيها اليهود كان ينقبض» ويقول شيئاً من قبيل «أنا مُسنّ لدرجة لا تجعلني أستوعب الأفكار الجديدة». وحين أخبر الملك عن ري اليهود للصحراء وزرع الأشجار كان يجيب الملك بأنَّ «شعبي لا يحب الأشجار، هم سكان الصحراء. ولدينا مياه كافية من دون الري».
شعر روزفلت بالهزيمة، معترفاً إلى وايز بأنه «لم أفشل تماماً هكذا من قبل في التأثير على عقل رجل كما حدث في تلك الحالة». ومع ذلك كان لديه طريق آخر للتعامل مع الأزمة، وأخبر وايز بأنه يفكر في خطة لعرض القضية في أول اجتماع لمجلس الأمم المتحدة. لكنَّ وفاته تركت الأمر طيّ النسيان. وفي 1948، بعد ثلاثة أعوام من وفاته، حلت الأمم المتحدة الأزمة بالتصويت للإقرار بتقسيم فلسطين إلى أرض عربية ويهودية.
لكن النفط لم يعد مهماً اليوم!
وكما العديد من الرؤساء اللاحقين، قبل روزفلت الاحتياج للنفط السعودي والصداقة الاستراتيجية، وتفهَّم أنَّها ذات أهمية بالغة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الملكية السعودية. النفط لم يعد مهماً اليوم كما كان حينها.
لكنَّ ترمب وصهره جاريد كوشنر علَّقا آمالهما على السعوديين ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان ليكونوا حجر أساس حلَّ أزمات الشرق الأوسط المستعصية، سواءٌ كانت إيران أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتذكر تقارير أن كوشنر وهو المقرَّب من محمد بن سلمان نصحه بأن يواجه العاصفة بشجاعة، بينما قال ترمب، وبطريقة مألوفة أمام أوضاعٍ مماثلة، إنَّه يعرفه بالكاد.