ما هو الشيء المشترك بين الطيور والنحل، وبين الديدان والذئاب، وبين ذبابة الفاكهة والأسماك؟ الإجابة: الحاسة المغناطيسية التي تساعد كل هذه الكائنات في التنقل. والآن يبدو أن الإنسان يملك حاسة مغناطيسية تماماً كالحشرات.
فقد توصل جوزيف كيرشفينك، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية وزملاؤه، إلى أنَّ تغيير اتجاه مجال مغنطيسي قريب يتسبب في تغيرٍ مؤقت في نشاط الدماغ البشري.
ورصد الباحثون باستخدام جهاز تخطيط نشاط الدماغ (EEG) تغيراتٍ في أنشطة دماغ المشاركين، أثناء توليد مجال مغناطيسي باستخدام ملفات كهرومغناطيسية، وهم جالسون بسكون في غرفة مظلمة.
يقول كيرشفينك إن التجربة حاكت التغيرات المغناطيسية التي نتعرض لها أثناء تحركنا في العالم الحقيقي.
كيف يعمل الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض؟
يختلف اتجاه وشدة المجال المغناطيسي للأرض باختلاف الموقع الجغرافي.
على سبيل المثال، في القطب الشمالي المغناطيسي، أحد قطبي الأرض اللذين تبلغ قوة المجال المغناطيسي فيهما أقصاها، يشير اتجاه المجال المغناطيسي إلى الأسفل بشكلٍ رأسي نحو الأرض.
أما في النصف الشمالي للكرة الأرضية، فتتغير هذه الزاوية الرأسية، لكن يبقى المجال المغناطيسي مشيراً إلى الأسفل، ما يعني أنَّك إذا حملت بوصلة بشكلٍ أفقي، ينجذب الطرف المشير إلى الشمال إلى الأسفل قليلاً.
لذلك، تُجهَّز بعض البوصلات المتاحة في النصف الشمالي ليعادل الطرف المشير إلى الجنوب هذا الميل.
كيف يؤثر هذا الحقل على دماغ الإنسان؟
عندما عرَّض الفريق المشاركين لمجالٍ مغناطيسي متجه إلى الأسفل، لاحظوا تغييراتٍ في أنماط نشاط الدماغ إذا حركوا المجال أفقياً في اتجاه عكس عقارب الساعة.
إلى جانب ذلك، قاس الفريق موجات ألفا -التي تُظهر إذا كنا مستيقظين لكن مسترخين بعينين مغمضتين- قبل وبعد تغيرٍ في المجال المغناطيسي بمقدار 100 مللي ثانية، ووجدوا هبوطاً في مدى ترددات موجات بعض الأشخاص بعد هذه التغيُّر.
لكن لم يُظهر أي مشارك تغييراتٍ في النشاط الدماغي في حالة تحرك المجال المغناطيسي في اتجاه عقارب الساعة، وهي نتيجة لم يتمكن الباحثون من تفسيرها.
كذلك لم يُحدث تدوير مجال مغناطيسي يشير إلى الأعلى أي تغيير.
الإنسان يملك حاسة مغناطيسية
ويعتقد الفريق أنَّ ذلك يرجع إلى أنَّ أدمغة المشاركين متزامنة مع المجال المغناطيسي للنصف الشمالي من الأرض، حيث أُجريت الدراسة.
ويقول إسحاق هيلبرن، أحد أعضاء فريق البحث لمجلة New Scientist: «قد تكون إحدى الطرق المثيرة لاختبار هذه الفرضية هي إعادة تنفيذ تجربتنا في النصف الجنوبي من الأرض».
لفترة طويلة، كانت قدرة البشر على رصد المجالات المغناطيسية موضع جدل كبير، لكنَّ بعض الباحثين يشعرون بتفاؤلٍ حذر تجاه هذا البحث الجديد.
السلاحف مثلاً تغير رحلاتها حسب المجال المغناطيسي
ويقول ناثان بوتمان من شركة LGL، وهي شركة أبحاث بيئية مقرها مدينة بريان بولاية تكساس، إنَّ منهجية الفريق تشبه دراسات الحس المغناطيسي لدى الحيوانات.
ويضيف بوتمان، الذي يدرس العديد من الحيوانات البحرية من بينها السلاحف، إنَّ أقوى الأدلة على وجود حاسة مغناطيسية هي عندما تُغير الحيوانات اتجاه رحلتها استجابةً لتغييرٍ في المجال المغناطيسي.
ويقول إنَّ احتمالية أن يمتلك البشر حاسةً مغناطيسية مثيرة للغاية، لكنَّ النتائج ستحتاج إلى تكرار.
ويضيف: «قد يجادل أحد المتشككين بأنَّ موجات الدماغ قد تتغير لأسباب عديدة، وقد لا تكون لذلك أي علاقة باتجاهات المجال المغناطيسي».
وقد تكون هذه الحاسة خدمت البشر الأوائل في الصيد
ويقول «كان شي» من جامعة بكين بالصين، إنَّه من المحتمل أن يكون جهاز تخطيط موجات الدماغ قد رصد تشويشاً من البيئة المحيطة، على الرغم من أنَّ الدراسة حاولت القضاء على أي مشوشات.
ويضيف: «من الصعب ترجمة إشارات تخطيط موجات الدماغ بشكلٍ دقيق، وهو ما يُصعِّب استكشاف الآلية الجزيئية الكامنة بصورةٍ أدق».
ويقول هيلبرن إنَّه إذا كانت تلك النتائج صحيحة، فقد تعني أنَّ الحاسة المغناطيسية أدت دوراً في حياة أسلافنا من البدو الصيادين وجامعي الثمار.
كيف تستطيع الحيوانات أن تعرف الشمال من الجنوب؟
حير هذا الأمر العلماء لعقود، إلى أن تم اكتشاف السبب في 2015. إذ توصل «كان شي» وقتها إلى اكتشاف بروتين في خلايا هذه الحشرات، وحتى الطيور، هو المسؤول عن هذا الحس المغناطيسي.
وعثر شي وفريقه على جين معين داخل خلايا الحيوانات سمَّاه MagR. عندما عزله عن بقية أجزاء الخلية ووضعه بجانب مغناطيس، كان التنافر قوياً لدرجة أن الجينات تطايرت والتصقت بأدوات العلماء، التي تحتوي بدورها على حديد جاذب.
وقال شي وقتها لمجلة NewScientist: «أحد التفسيرات هو أنه عندما يغير الحيوان اتجاهه، تتأرجح البروتينات لتتجه نحو الشمال «تماماً مثل إبرة البوصلة».
ويوضح أن حركة البروتينات هذه قد ترسل إشارة إلى الجهاز العصبي، ليفرق فطرياً الحيوان بين الشمال والجنوب.