ما إن انتهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب من توقيع قراره -المرفوض عربيا وإسلاميا ودوليا- الاعتراف بالجولان أرضا إسرائيلية؛ حتى أهدى القلم الذي وقع به الاعتراف إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ في خطوة بالغة الدلالة والرمزية.
ولئن كان القلم الذي وقع به الرئيس ترامب قرار الاعتراف بتبعية الجولان لإسرائيل تعود ملكيته للبيت الأبيض، وبالتالي للشعب الأميركي؛ فإن أرض الجولان تعود تبعيتها بمنطق التاريخ والجغرافيا والمواثيق والقرارات الدولية إلى سوريا، ولكن نتنياهو سيعود الليلة إلى تل أبيب بالاثنين معا: قلم الأميركيين وأرض السوريين.
وتعد الجولان -وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة- أرضا سورية احتلتها إسرائيل بالقوة العسكرية في الخامس من يونيو/حزيران 1967.
هدايا ترامب الأربع
واستبق الرئيس ترامب توقيع قرار الجولان بعقد مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في البيت الأبيض، أكد فيه دعمه الكامل والشامل لإسرائيل.
اعتراف ترامب الجولان أرضا إسرائيلية، جاء بعد شهور من نقل سفارته للقدس (رويترز) |
ومضى ترامب سريعا في خطبة مطولة من الثناء على إسرائيل، وعلى عمق العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، مستعرضا حديثا طويلا من الإنجازات الكبيرة التي خدم بها إسرائيل خلال السنتين الماضيتين له في الحكم.
ومن أبرز هذه الإنجازات التي تحدث عنها الرجل قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال؛ في خطوة طالما سعى إليها الإسرائيليون خلال عقود ماضية.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد؛ ففي حقيبة ترامب كثير من الخدمات لإسرائيل، خاصة في إعادة الصراع مع إيران إلى الواجهة، وإلغاء الاتفاق النووي مع واشنطن؛ مما يعجل بالعقوبات والصراع ضد طهران.
واختار ترامب أن يكون القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية هو الركن الثالث من الخدمات التي أسداها لإسرائيل، وذلك بتخليصها من قوة عسكرية قرب حدودها.
وأخيرا أصبحت هضبة الجولان رابع الهدايا الكبرى التي يسديها ترامب لدولة الاحتلال، مستغلا بذلك انهيار سوريا، وتشتت شعبها وقوتها، وحالة التشرذم والضعف غير المسبوق للمجموعة العربية، وتسابقها لإرضاء إسرائيل وخطب ودها.
رد للجميل
من جانبه، ثمّن نتنياهو كثيرا خطوة ترامب، وقال إن الرئيس الأميركي “نفذ كل تعهداته، سواء بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أو بفرض عقوبات صارمة على طهران، أو بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والآن بسيادة إسرائيل على الجولان”.
وأضاف رئيس وزراء إسرائيل –الذي اختصر زيارته لأميركا بسبب إطلاق صاروخ على شمال تل أبيب- إن الإعلان الأميركي “الجريء” بشأن الجولان يأتي في وقت تحاول فيه إيران إقامة قواعد بسوريا لاستهداف إسرائيل.
وأشار إلى أن تل أبيب سيطرت على هضبة الجولان لضمان أمنها وصد أي هجمات من سوريا، وقال إن هذه الهضبة المرتفعة “أثبتت سنة 1973 أنها قادرة على امتصاص الهجوم الذي شن يومها ضدنا”.
هدية انتخابية
ورغم أن منح الجولان لإسرائيل يأتي في سياقه العام ضمن سياسة التقرب من إسرائيل التي انتهجها ترامب منذ وصوله إلى السلطة؛ فإنه يأتي أيضا -بشكل خاص- كهدية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تخنقه فضائح الفساد ويواجه انتخابات حاسمة قد تنهي مستقبله السياسي مطلع الشهر القادم.
ولكن الصادم فيها أنها تأتي مخالفة ليس فقط للقوانين والمواثيق الدولية، ولكن للقواعد التقليدية للسياسة الأميركية المستقرة طيلة العقود الماضية في التعاطي مع الاحتلال الإسرائيلي للجولان.
وربما يهدف ترامب من ذلك إلى تحقيق جملة أهداف؛ من بينها تعزيز حضور حليفه نتنياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي، والتقرب من الدوائر اليهودية في الولايات المتحدة التي تمنح أصواتها غالبا للديمقراطيين.
وكان ترامب أعلن قبل أيام أنه بعد 52 عاما، فإن الوقت قد حان كي تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
ورغم الرفض الدولي المتصاعد لتلك التصريحات، فإن ترامب اختار الاستمرار في ذلك المسار، وعينه على الاستحقاقين الانتخابيين: في إسرائيل؛ تعزيزا لحضور حليفه، وفي الولايات المتحدة بعد نحو عامين في وجه خصومه الديمقراطيين.
وتبقى رمزية الهديتين (القلم والأرض) غير خافية؛ فالجولان ظلت لعقود عنوانا للصراع بين سوريا -ومن ورائها العرب والمسلمون- والاحتلال الإسرائيلي، و”بجرة قلم” أحالها ترامب إلى جزء من “دولة أورشليم”؛ عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
المصدر : وكالات