يحتفل حلف الناتو في هذه الأيام بمرور 70 عاماً على تأسيسه، وسط متغيرات كبرى وخلافات حادة بين الولايات المتحدة وتركيا، تضع مستقبل الحلف نفسه محل تساؤلات جوهرية، حول مستقبله والمهمة التي تأسس من أجلها.
مع تصاعد التوتر بين واشنطن وتركيا، العضوتين في حلف الناتو، خيَّر مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2019، تركيا بين شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400، والبقاء في حلف شمال الأطلسي.
وقال بنس في تصريحات خلال حدث خاص بحلف الأطلسي في واشنطن: «على تركيا أن تختار: هل تريد أن تظل شريكاً مُهماً في أنجح تحالف عسكري بالتاريخ أم أنها تريد أن تهدد هذه الشراكة باتخاذ مثل هذه القرارات المتهورة التي تُقوِّض تحالفنا؟».
يأتي تحذير بنس القويُّ في ظل استمرار الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا، بسبب خطط أنقرة لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية، التي تعتقد واشنطن أنها ستهدد أمن مقاتلاتها من طراز إف-35 التي تُصنِّعها شركة لوكهيد مارتن.
فما هو حلف الناتو؟
الناتو هو الاسم المختصر لمنظمة حلف شمال الأطلنطي، وهو حلف عسكري تأسَّس في الرابع من أبريل/نيسان 1949، بعضوية 12 دولة، هي: بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة والدنمارك والنرويج والبرتغال وهولندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وآيسلندا؛ وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.
قبل تأسيس الحلف رسمياً بأكثر من 3 سنوات وبعد أقل من عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي خطاب شهير له، أعلن رئيس وزراء بريطانيا الأشهر ونستون تشرشل، في كليو ويستمنستر بولاية ميسوري الأمريكية، بصوته الجهوري: «لقد هبطت ستارة حديدية على القارة من ستيتين على بحر البلطيق وحتى تريستي على البحر الأدرياتيكي».
هذا الخطاب في الخامس من مارس/آذار 1946، كان إعلاناً لبداية الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي.
ودعا تشرشل في أثناء الخطاب نفسه، إلى تأسيس قوة عسكرية، بهدف «حماية سلام القارة الأوروبية ضمن هيكل الأمم المتحدة».
ومن جانبه، اعتبر الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين خطاب تشرشل «دَقّاً لطبول الحرب»، معتبراً الدعوة إلى تحالف أوروبي-أمريكي رمزاً للإمبريالية الأنجلو-سكسونية.
وهكذا كان المسرح العالمي يتشكل بسرعة، ليحدث الانقسام بين عالَمَين: الرأسمالي والشيوعي، رغم أن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا كانوا يحاربون معاً ضد ألمانيا النازية بقيادة هتلر، قبل أقل من عام.
ومِن رحِم هذه الأحداث الساخنة التي بدأت من خلالها الحرب الباردة، جاء إلى الدنيا حلف الناتو بأعضائه الـ12.
الحلف ينمو ويتمدد
كانت النية من وراء تأسيس الحلف هي العمل على استقرار القارة الأوروبية، ووضع ضمانات لعدم تكرار الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان المتوقع وقتها من جانب واشنطن أن المعاهدة التي تأسس عليها الحلف ستحقق الغرض منها خلال عشر سنوات، ولكن مع استمرار الحرب الباردة استمر الحلف.
وفي هذا السياق، نص البند الخامس من ميثاق تأسيس حلف الناتو، على أن أي اعتداء عسكري على عضو في الحلف يمثل اعتداء على الأعضاء جميعاً، وتهبُّ الدول الموقعة على الميثاق لمساعدة الدولة التي تتعرض للاعتداء، بكل السبل، ولو تطلب الأمر التدخل عسكرياً.
وفي سياق الحرب الباردة وتأسيس حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي في مقابل حلف الناتو، توالى انضمام أعضاء آخرين إلى الناتو، وكانت أولهم تركيا واليونان عام 1952، ليصبح عدد الأعضاء 14. وانضمت ألمانيا الغربية إلى عضوية الحلف عام 1955، ثم انضمت إسبانيا في عام 1982.
ومع تحطيم سور برلين عام 1990 وإعادة توحيد ألمانيا، انضمت ألمانيا الشرقية إلى الحلف. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو، بدأ الناتو يفتح مجالات التعاون مع جيرانه في أوروبا الشرقية، وشهد عام 1997 انضمام بولندا (مقر حلف وارسو) والمجر وجمهورية التشيك إلى الناتو.
وشهد عام 2004 انضمام سبع جمهوريات اشتراكية سابقة إلى حلف الناتو، وهي: بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وتبعتها كل من كرواتيا وألبانيا عام 2009. وآخر دولة انضمت إلى عضوية حلف الناتو كانت مونتنيغرو عام 2017.
وهكذا ظل الحلف قائماً، بل ينمو ويضم أعضاء جدداً مع تجدُّد الهدف من وراء تأسيسه، فالحلف الذي أُنشئ ليكون ضمانة للأمن في أوروبا ضد الحروب، ازدهر وتحول إلى تحالف سياسي يضم 29 عضواً، ليقف في وجه أي اعتداء روسي حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
لكن مع وصول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، واعتباره أن حلف الناتو «عفى عليه الزمن»، إضافة إلى خفض القوى الأوروبية الكبرى في الحلف كألمانيا ميزانيتها العسكرية، لتصبح أقل من المستهدَف بالنسبة للحلف، وكذلك الخلافات بين الدول الأعضاء في قضايا متنوعة وأحدثها على سبيل المثال، الخلاف بين واشنطن وأنقرة بشأن شراء تركيا منظومة الدفاع الروسي إس-400، يصبح مصير الحلف نفسه محل تساؤل.
ففي حين نشر موقع الحلف الرسمي على تويتر رسالة تهنئة وفيديو، احتفالاً بالذكرى السبعين لتأسيسه، إلا أن ذلك لا يعني غياب التحديات حول مستقبل الناتو.
«تأسس الناتو على أيدي 12 دولة حليفة عام 1949، واليوم نحن 29 حليفاً، انضمُّوا إلينا للاحتفال بالذكرى الـ70 لتأسيس حلفنا.. نحن الناتو».
أما ترامب، فقد اقترح بشكل واضح ومتكرر، أن تنسحب واشنطن من الحلف، وهي وفقاً لتقرير في «نيويورك تايمز»، خطوة من شأنها أن تهز المجتمع العالمي، وتدل على انتصار كبير لروسيا. فقد كان إضعاف الناتو هدفاً طويلاً لبوتين، وسيكون انسحاب أمريكا من الناتو مثالياً للزعيم الروسي.
فقد اشتكى ترامب من أن الحكومات الأوروبية لا تنفق ما يكفي على التكاليف المشتركة للدفاع، تاركةً الولايات المتحدة تتحمَّل عبئاً كبيراً. وأعرب عن إحباطه من أن الزعماء الأوروبيين لم يتعهدوا في الحال بإنفاق المزيد. ولكن شرح المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون له أن مستويات الإنفاق حددتها البرلمانات في البلدان منفردة.
تركيا مهمة للناتو ولكن..
تُعتبر تركيا عضوة مهمةً في حلف الناتو لأسباب متعددة، أبرزها أن أنقرة تشارك بثاني أكبر عدد من القوات في الحلف بعد واشنطن، كما أنها من أكبر ممولي عمليات الحلف العسكرية، وتوجد بها قاعدة أنجرليك الجوية، التي شُيدت عام 1955 بمساعدة أمريكية، وتعتبر القاعدة الأكبر في أوروبا والشرق الأوسط للحلف ولأمريكا، بحسب تقرير نشرته وكالة سبوتنيك في سياق تغطية الخلاف التركي-الأميريكي حول الـ «إس-400».
إضافة إلى ذلك، فالموقع الجغرافي لتركيا أعطاها أهمية استراتيجية كبرى للحلف، كما تستضيف القيادةَ البريةَ للناتو بأوروبا ومقرها في إزمير، وتوجد بها أنظمة الرادار الرئيسية للحلف في كورسيك. ليس هذا فحسب، بل توفر أنقرة للحلف مساعدات بحرية دائمة في بحر إيجة والبحر الأسود، كما أنها تسيطر على المضايق الحيوية بين البلطيق والبحر المتوسط، سواء مضيق البوسفور أو الدردنيل.
«تركيا مهمة جداً للحلف، بسبب موقعها الجغرافي وإمكاناتها العسكرية، فالبحر الأسود هو نقطة انطلاق روسيا إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط، وهناك 3 خطوط للدفاع هي: البوسفور والدردنيل وكريت والجزر اليونانية، ولتلك الأسباب طلب الحلف من تركيا الانضمام إليه من الأساس»، بحسب الجنرال بِين هودجيس، القائد السابق للجيش الأمريكي بأوروبا، في مقال نشرته «التايمز».
لكن رغم أهمية وجود حلف الناتو عسكرياً وسياسياً بإجماع الخبراء وأهمية تركيا كلاعب رئيسي فيه، يظل المستقبل مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ظل وجود ترامب بالبيت الأبيض، حيث لا أحد يمكنه توقع أي سيناريو محتمل مع شخص مثله في المكتب البيضاوي.