ساروا عبر الصحراء في رحلة مرهقة على أمل عبور البحر المتوسط إلى حياة أفضل في أوروبا غير أن المطاف انتهى بهم في مراكز احتجاز قذرة وأصبحوا الآن وسط آتون حرب.
فقد وجد ألوف من المهاجرين واللاجئين الأفارقة والسوريين أنفسهم محاصرين في طرابلس في الوقت الذي تدنو فيه الاشتباكات من المدينة.
وتريد الأمم المتحدة نقل هؤلاء المهاجرين واللاجئين على وجه السرعة إلى حيث الأمان غير أنها لم تتمكن من نقل سوى 150 منهم هذا الأسبوع إلى منشأة تخضع للحماية توجد بها أماكن إقامة ملائمة ومواد غذائية ومساحة للأطفال.
وبلغ الوضع من اليأس حدا دفع مدير أحد مراكز الاحتجاز للقول إنه فتح الأبواب على مصراعيها مع اقتراب الاشتباكات.
وقال بابار بالوش المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين عن المهاجرين ”بإمكانهم سماع الاشتباكات. وكثيرون منهم مرعوبون فعلا“.
ويقول شهود عيان وتقارير حقوقية إن المهاجرين يتكدسون في مخازن وحظائر لم تعد مستخدمة وفي سجون تحرسهم فيها فصائل مسلحة لا خبرة لديها بالتعامل مع اللاجئين.
وتستضيف ليبيا أكثر من 700 ألف شخص فروا من أوطانهم وعبروا الصحراء في كثير من الأحيان سعيا لتحقيق حلم العبور إلى حياة أفضل في أوروبا.
ويقبع حوالي سبعة آلاف منهم في مراكز احتجاز أغلبها في طرابلس كانت الأوضاع فيها مريعة حتى قبل أن تصل إلى أسماعهم أصوات النيران والقذائف مع اقتراب قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) قبل أسبوع.
ويقول زوار وجماعات حقوقية ومسؤولون في الأمم المتحدة إن المحتجزين ينامون متلاصقين وفي بعض الأحيان تحت أسقف من الصلب في الحر القائظ دون طعام ملائم أو ماء أو رعاية طبية ملائمة في انتظار زيارة من منظمات دولية أو فرصة الحصول على عمل.
وقالت المصادر إنهم نادرا ما يسمح لهم بالخروج إلى الهواء الطلق وفي بعض الأحيان يحصلون على وجبة واحدة في اليوم تتكون من المعكرونة أو الخبز.
وتم القبض على كثيرين منهم لدى وصولهم إما عبر الصحراء أو أرغمتهم الدوريات على العودة بزوارقهم المهترئة في البحر المتوسط.
* ”أشكال مروعة من الحرمان“
كررت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تحذيراتها من محنة المهاجرين ونقلت أكثر من 150 لاجئا من الصومال واثيوبيا واريتريا وسوريا من مركز عين زارة في جنوب طرابلس يوم الثلاثاء إلى منشأة تابعة لها في ”منطقة آمنة“ قريبة.
وقال ماثيو بروك نائب رئيس بعثة المفوضية في ليبيا ”كثيرون من اللاجئين والمهاجرين في ليبيا يتحملون أشكالا مروعة من الحرمان. وهم الآن في خطر جسيم إضافي“.
وفي عين زارة قال مدير المركز لرويترز طالبا عدم نشر اسمه إنه فتح الأبواب يوم الأربعاء لإخراج 150 آخرين من المهاجرين الخائفين إلى الشوارع مع اقتراب أصوات إطلاق النار.
وأضاف ”سمحت لهم بالخروج من أجل سلامتهم“.
ومن مراكز الاحتجاز الأخرى القريبة من الخطوط الأمامية مراكز قصر بن غشير والغريان وأبو سليم في الوقت الذي تتقدم فيه قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر للسيطرة على ضواحي طرابلس الجنوبية.
وتبين أرقام الأمم المتحدة أن عدد المهاجرين في ليبيا يقدر بنحو 660 ألفا وإن 58 ألفا آخرين لهم وضع اللاجئين أو تقدموا بطلبات للجوء باعتبارهم هاربين من بلادهم بسبب العنف أو الاضطهاد.
وقد أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان عن مخاوفه من أن تستخدم الأطراف المتحاربة المهاجرين كدروع بشرية أو تجندهم بالقوة. ويستند المكتب لتقارير غير مؤكدة تقول إن البعض أُرغموا العام الماضي على القتال في تاجوراء الواقعة شرقي ليبيا وتسيطر عليها فصائل مسلحة مؤيدة للإسلاميين.
وتتهم قوات حفتر الحكومة التي تتولى السلطة في طرابلس باستخدام مهاجرين ومجرمين كدروع بشرية ومقاتلين رغم عدم تقديم دليل على ذلك أو تفاصيل.
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري لرويترز في بنغازي ”بعد انتهاء المعارك سنعرض ذلك على العالم“.
ولم يرد متحدثون باسم فايز السراج رئيس وزراء الحكومة في طرابلس أو القوات المتحالفة معها والتي تسيطر على مراكز الاحتجاز على طلبات متكررة من رويترز للتعليق على وضع المهاجرين.
وفي اجتماعات سابقة مع مسؤولي الأمم المتحدة أصر المتحدثون أنهم يوفرون ظروفا ملائمة للمهاجرين.
وقال تقرير للأمم المتحدة في ديسمبر كانون الأول الماضي إن المهاجرين واللاجئين في ليبيا يعانون من ”مجموعة مروعة من الانتهاكات“ على أيدي مسؤولين في الدولة وفصائل مسلحة ومهربي البشر.
وأضاف التقرير إن من هذه الانتهاكات ”القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب الجماعي والاسترقاق والسخرة والابتزاز“.
وجاء في دراسة أجرتها الشهر الماضي لجنة النساء اللاجئات، وهي جمعية خيرية أمريكية، إن اللاجئات والمهاجرات اللاتي تحاولن الوصول إلى إيطاليا عبر ليبيا تصبحن ضحايا لعنف جنسي رهيب.
وقال التقرير الذي نشر بعنوان ”أكثر من مليون صنف من الألم“ إن الانتهاكات شائعة على المسارات المؤدية لشمال أفريقيا عند المنافذ الحدودية ونقاط التفتيش وخلال مداهمات عشوائية تنفذها فصائل مسلحة وكذلك عند اختطاف المهاجرات أو احتجازهن رهائن مقابل فدية.