المشهد الأول.. البدايات
في إحدى ليالي مقديشو الباردة عام 1991 عاشت عائلة صومالية تجربتها الخاصة مع الذعر الذي كان يملأ شوارع المدينة، فقد أحاط منزلها 20 مسلحا، حاولوا اقتحام المنزل إلا أن أسواره الحصينة حالت دون ذلك، فاكتفوا بإطلاق الرصاص عليه من الخارج ورحلوا.
هذه الحادثة كانت بمثابة ناقوس الخطر لعائلة إلهان، الذي قررت بناءً عليه أن تشدّ الرحال خارج أرضها، فهذه الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد لن تبقي ولن تذر.
وجهتهم التالية كانت كينيا، حيث عاشت العائلة وطفلتهم الجميلة وسط نحو 30 ألف لاجئ. كانت الحياة هناك صعبة جدا، والظروف التي يعيش فيها اللاجئون في أسوأ أحوالها، عاشوا نحو أربع سنوات، ليأتي الفرج فيما بعد على يد كنيسة لوثرية دعمت طلب العائلة لدخول الولايات المتحدة، وهاجر جميع أفرادها عام 1995.
المشهد الثاني.. تمهيد
بحسب مركز بيو الأميركي للأبحاث، فإن تجربة المهاجرين متأصلة بعمق في نسيج الإسلام في أميركا، وينحدر معظم البالغين المسلمين في الولايات المتحدة (58%) من أجزاء أخرى من العالم، ويعود سبب وجودهم في أميركا إلى حد كبير إلى قانون الهجرة والجنسية لعام 1965 الذي خفض الحواجز أمام الهجرة من آسيا وأفريقيا ومناطق أخرى خارج أوروبا.
فسبعة من كل عشرة مهاجرين مسلمين هم مواطنون أميركيون، هذا معدل أعلى بين المهاجرين الأميركيين بشكل عام، وفقًا للمسح السكاني لمكتب الإحصاء لعام 2016.
ورغم المخاوف والتحديات التي يواجهونها، يقول 89% من المسلمين إنهم فخورون بأنهم أميركيون، ويقول ثمانية من كل عشرة إنهم راضون تماما عن الطريقة التي تسير بها الأمور في حياتهم بأميركا. كما قال 70% إن معظم الأشخاص الذين يودون المضي قدما في حياتهم، يمكنهم تحقيق أحلامهم في أميركا إذا كانوا على استعداد للعمل بجد.
المشهد الثالث.. بداية الحلم
“منذ اليوم الأول الذي وصلنا فيه إلى أميركا، استنتجت أنها ليست الأرض الذهبية التي وعدت بها. كانت أميركا في مخيلتي، قبل قدومي، أرضًا حيث الحرية والعدالة فيها للجميع، حيث النجاح مضمون بغض النظر عن المكان الذي ولدت فيه وكيف تبدو ولمن تصلي”.
بهذه الكلمات عبّرت إلهان عما عانته منذ بداية حياتها لاجئة بأميركا، وما تعرضت له من مواقف عنصرية في ضواحي فرجينيا، خاصة وأنها تعرضت لاعتداءات من البيئة التي حولها منذ صغرها.
ورغم صغر سنها فإن عقلها تفتح على عالم السياسة، مع اصطحاب جدها لها إلى التجمعات الانتخابية للحزب الديمقراطي حتى تترجم له ما يُقال، مما جعلها تنظر لهذا العالم بشغف كبير، ووصل وعيها السياسي إلى درجة كبيرة حيث إنها أخذت قرارا بارتداء الحجاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 “كإعلان مفتوح عن هويتها” كما وصفته.
المشهد الرابع.. تحقق الحلم
التحقت إلهان بجامعة ولاية داكوتا الشمالية لدراسة العلوم السياسية والدراسات الدولية، وبعد إنهائها الدراسة عام 2011، كانت إلهان جاهزة لدخول عالم السياسة، وعملت مديرة لحملة إعادة انتخاب “كاري دزييدزيتش” لمجلس الشيوخ بولاية مينيسوتا لعام 2012، ونجحت بالفعل فيه بوصول كاري إلى مجلس شيوخ الولاية.
ترشحت إلهان نفسها فيما بعد لمجلس النواب في ولاية مينيسوتا عام 2016 خاصة وأنها قد عملت على خلق قاعدة شعبية لها سواء في أوساط الحزب الديمقراطي أو على المستوى المجتمعي من خلال عملها في السياسة والأنشطة الاجتماعية الكثيرة التي كانت تقوم بها، وكانت الصدمة بفوزها على المرشح الجمهوري المُنافس في الوقت ذاته الذي كان ترامب يحلف اليمين رئيسا للولايات المتحدة ممثلا لليمين المتطرف.
لم تقف إلهان عند هذا الحد فقط، فقد نافست على معقد المقاطعة الخامسة بمينيسوتا في انتخابات مجلس النواب الأميركي العام الفائت عن الحزب الديمقراطي، ومرة أخرى يُسجل التاريخ اسمها بفوزها بالمقعد، لتصبح بذلك “أول محجبة تدخل الكونغرس الأميركي”.
عملت إلهان عمر على خلق قاعدة شعبية لها في أوساط الحزب الديمقراطي ومجتمعيا عبر عملها في السياسة والأنشطة الاجتماعية الكثيرة التي كانت تقوم بها (رويترز) |
المشهد الخامس.. المواجهة
لم تخف إلهان آراءها المعارضة للسياسة الإسرائيلية حتى بعد أن انتخبت نائبة في مجلس النواب الأميركي، حيث كانت دائمة الانتقاد للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وتنادي بدعم الحركات التي تدعو لمقاطعة إسرائيل، كان الخط الذي تنتهجه إلهان يثير حفيظة الكثير من ساسة اليمين، ومنهم رئيس مجلس الشيوخ كيفن مكارثي وهو من الأعضاء البارزين في الحزب الجمهوري.
|
فُسرت تغريدة إلهاء عمر على وجهين أحلاهما مر، فمن جهة رأى البعض أنها إهانة للساسة الأميركيين واتهام صريح لهم بأنهم يتقاضون الأموال من دولة أجنبية (إسرائيل) مقابل الدعم السياسي، ومن جهة أخرى فسرت التغريدة على أنها معاداة للسامية.
فتحت كلمة “آيباك” أبواب جهنم على إلهان، ولم تقتصر الانتقادات على السياسيين الجمهوريين وأولئك المحسوبين على اليمين الأميركي، بل تعدتها لتصل للحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه وتمثله، ودعتها القيادة الديمقراطية في مجلس النواب للاعتذار.
المشهد السادس.. رئيس ونائبه
رغم اعتذار إلهان فإن المواقف المعادية لإسرائيل لا يمكن أن تمحى من سجل الشخص في الولايات المتحدة، والاعتذار لا يمكن أن يعود بالزمن إلى الوراء عندما يتعلق الأمر بالحلف الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي لدرجة أن ترامب وصف الاعتذار قائلا “إن إلهان لم تعن أي كلمة من اعتذارها”، ووصف تصريحاتها حول الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها “قناعات تقبع في أعماق قلبها”.
الرئيس ترامب كان لإلهان بالمرصاد دائما، وتغريداته كان لاذعة دائما تجاهها لدرجة أنه طالب باستقالتها، وقال تعليقا على قولها إن أعضاءً في الكونغرس يدعمون إسرائيل لأنها تقدم تمويلات لحملاتهم عبر لوبياتها لاسيما آيباك “لا يوجد مكان لمعاداة السامية في كونغرس الولايات المتحدة الأميركية”، لافتًا إلى أن ما قالته “فظيع.. وأعتقد أن عليها الاستقالة إما من الكونغرس وإما من لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس النواب”.
|
ترامب لم يتوقف عند هذا الحد فحسب، فقد هاجمها مؤخرا على خلفية حديثها في مقر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) وأرفقه بفيديو تضمن جزءا من حديثها وهي تقول “أُسس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بعد هجمات 11 سبتمبر لأنَّهم أدركوا أن بعض الأشخاص فعلوا شيئا”، وتكررت عبارة “بعض الأشخاص فعلوا شيئا” مرات عدة فيما تُعرض صور من الهجمات. وكتب عليه عبارة “لن ننسى”.
|
وقد ردت إلهان سابقا على هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليها بحديث نبوي كتبته باللغتين العربية والإنجليزية، وغردت على صفحتها بموقع تويتر “رب اغفر لقَومي فإِنهم لا يعلمون”.
|
المشهد السابع.. إلى أين؟
في لقاء لها مع وكالة الأناضول، أوضحت إلهان أنها ستكافح طوال فترة ولايتها ضد إدارة الرئيس ترامب، وقالت إن تصريحاته تحمل الكراهية دائما ضد اللاجئين، وأن سكان ولاية مينيسوتا نفسها ردوا على ترامب بشكل واضح عبر انتخابهم إياها نائبة تمثلهم في الكونغرس.
وقالت إن دخولها الكونغرس يحمل معاني كبيرة بالنسبة لها، مشيرة إلى أنها جاءت من بلد حظر ترامب دخول مواطنيه إلى الأراضي الأميركية، وأنه لو كان هذا الحظر موجودا قبل 23 عاما لما حظيت الآن بفرصة تمثيل اللاجئين والشعب الأميركي.
وتطرقت إلى انزعاج اليمين المتطرف في الولايات المتحدة جراء دخولها الكونغرس كامرأة مسلمة، قائلة “في الوقت الذي سنواصل نحن فيه ممارسة عملنا، ستستمرون أنتم (اليمينيون المتطرفون) بالعيش مع هذه الآلام”.
فما هو المشهد القادم؟
المصدر: وكالات