علينا عندما نستقل سيارة “أوبر” أن نأخذ دقيقة واحدة لنتأمل العلاقة الملتبسة بين السائق والشركة المشغلة له. ما يلوح في الأفق مشهد مضطرب بدأت أنيابه بالبروز مع سعي الشركة الدؤوب إلى استخدام مئات السيارات ذاتية القيادة لتوفير خدمات النقل للزبائن. مع “أوبر” لا يبدو أن السائقين في حالة آمنة معيشياً.
يكتنف مستقبلهم ضباب البطالة. ولا يبدو أن الشركة تكترث لذلك، وكما يقول مسؤولو “أوبر” لوسائل اعلامية فإن تمكين السيارات ذاتية القيادة لن يحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن. بالنسبة لهم فإن حظوظ نجاح المهمة ما زال غير واضح، ولكنهم سيحاولون خرق جدار السائقين البشريين بهدف الإطاحة بهم، ويتوثبون لافتراس أي مشروع شبيه منافس تماماً كما فعلوا بشركة “كريم”.
طرأ في السنوات القليلة الماضية تغيّر جذري على مفهوم شبكة نقل السيارات العمومية على الطرقات. المستقبل يتحدث عن وسائل نقل عمومية قائمة على مزيج من السيارات الذكية وسيارات بسائق بشري يشتغل معظمهم لصالح أوبر. ويوحي المستقبل بارتفاع مضطرد لعدد السيارات الذكية مقابل إفصاح أوبر عن انزعاجها من عبء السائقين. ففي مؤتمر جرى العام الفائت في مدينة نيويورك قال المدير التنفيذي لأوبر دارا كوشروشاهي “إذا رفعت الأجور ورفعت الأسعار سينخفض الطلب”، لم تكرر الشركة كلامًا من هذا القبيل، لكن خطتها المتصالحة مع حماية البيئة تكشف أن نوعية السيارات التي يستخدمها السائقون بمثابة مدخل لتقليص دورهم تدريجياً.
تحت شعار حماية البيئة من المحروقات وضعت أوبر نصب عينيها ضرورة الاستغناء عن السيارات المسيرة على الوقود واستبدالها بسيارات صديقة للبيئة
في المرة الوحيدة التي استخدمت فيها سيارة أوبر من بيروت مكان إقامتي إلى المنصورية، سألت السائق عن حجم مكاسبه المالية طيلة شهرٍ واحد، قال أنه يكفيه لتأمين قوته اليومي ولكن أفضل بقليل من وضع السائقين العموميين الذين يعملون بشكل حر. أخذ السائق 9 آلاف ليرة أي 6 دولارات، وهو بالتأكيد مبلغ غير كافٍ ولا يغطي تكلفة سعر المحروقات المرتفع في لبنان مقارنة بالمسافة التي اجتزناها.
يواجه هؤلاء السائقون صعوبة مالية لتوفير نوعية سيارات معينة تفرضها عليهم أوبر، على سبيل المثال سيارة بصندوق خلفي ومحرك اوتوماتيكي ومواصفات تقنية حديثة. ولكن هذا لا يضير الشركة في شيء. لا بأس بمبلغ 10 دولارات يجنيها السائق من مهمة نقل زبون من منطقة إلى منطقة واجتياز الكثير من الكيلومترات. لم تتحدث الشركة عن خطة لتطوير مكاسب السائقين والتي تقول دراسات أنها تمثل الحد الأدنى للأجور المعترف به من قبل حكومات العالم ولكنها تضع خطتها لتطوير أرباحها فقط.
الاستغناء عن السائقين
تنوي الشركة استثمار 7.3 مليار دولار لتطوير سيارات ذاتية القيادة وصديقة للبيئة. هذا مبلغ تجازف به الشركة على ضوء خسارتها لـ3.7 مليارات في السنتين الماضيتين وصمودها على حافة هاوية انهيار مالي كاد يعصف بها بعدما تزعزعت أسهمها بفعل حادث مروري لسيارتها ذاتية القيادة أدى إلى مقتل إمرأة في ولاية اريزونا الأميركية.
لكن الشركة لم تيأس، فبعدما تجاوزت الخضة الصحافية التي تناولت الخطأ الأخلاقي الذي ارتكبته نتيجة استخدامها سيارات ذاتية القيادة غير آمنة، كررت نهاية شهر نيسان الفائت المحاولة من جديد في مدينة بيتسبورغ في ولاية بنسلفانيا وحظي الحدث بتغطية صحافية من الطراز الرفيع. وتحت شعار حماية البيئة من المحروقات وضعت أوبر نصب عينيها ضرورة الاستغناء عن السيارات المسيرة على الوقود واستبدالها بسيارات صديقة للبيئة، وهو ما تسعى الشركة إلى توفيره من خلال عقدها شراكات مع شركات مصنعة لهذا النوع من السيارات.
مقارنة بنوعية السيارات الذكية يبدو عدد كبير من سيارات السائقين أقل حداثة، وتعمل على الوقود. في الوقت نفسه يتسلح السائقون بإرتفاع سعر الوقود للمطالبة بأجور أفضل. أواخر شهر نيسان الفائت وفي مدينة بيتسبورغ، باشرت الشركة تجربة جديدة لسيارات ذاتية القيادة وصديقة للبيئة. قال القيميون أن التجربة تبعث على الأمل، وتأمل أن توقع المزيد من العقود المالية مع شركات مصنعة للسيارات الرقمية كي تغطي الخسائر المالية التي كان أحد أسبابها استخدام السائقين البشريين.
يعكس هذا التوجه نحو السيارات ذاتية القيادة وجهًا جديدًا من المفارقة التي تصل إلى حد الخداع في سلوك الشركة التي لا تهتم بالنهاية إلا بتحقيق أرباح أكثر لمالكي أسهمها وتعزيز مكانتها في البورصة، فهي بعد توجيه ضربة قاسية جدًا لسائقي سيارات الأجرة التقليدية في جميع أنحاء العالم، تستعد لتوجيه ضربة مماثلة إلى سائقيها من خلال المكننة، فيما تتوجه اعلاميًا بخطاب أخلاقي حول حرصها على البيئة من خلال السيارات ذاتية القيادة.