تعتبر منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية كياناً مثيراً للجدل، وغالباً ما يسيء صناع السياسة في الولايات المتحدة فهمه، وربما يتعرض للتشويه من منافسيه. ومع ذلك، فهي أيضاً جزء مهم من أي حديث جاد عن مستقبل إيران لدى الأمريكيين، مثل ذلك الذي يدور حالياً في العاصمة الأمريكية واشنطن، في ظل حملة «الضغط القصوى» لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الجمهورية الإسلامية بشكل جدي. فمن هم «مجاهدي خلق»؟
مشاركة الثورة مع الخميني والانفصال عنه
بداية، تعتبر المنظمة بالنسبة لمؤيديها، البديل الأكثر تنظيماً وانضباطاً للنظام الديني الحالي في طهران، وهي الوحيدة القادرة حقاً على تأسيس دولة ديمقراطية علمانية. وبالنسبة إلى منتقديها، فهي تمثل عنصراً ثانوياً يتبنى رؤية غير شعبية وغير قابلة للتطبيق لمستقبل إيران.
تقول مجلة The National Interest الأمريكية، إن المجموعة تتمتع بتاريخ سياسي صعب للغاية على نحوٍ خاص يعود إلى حقبة ما قبل الثورة الإيرانية. إذ تأسست المنظمة في منتصف ستينيات القرن الماضي لتكون حركة «عدالة اجتماعية»، وبدأت في أوائل السبعينيات حملة واسعة النطاق ضد ما اعتبرته حكماً فاسداً على نحوٍ متزايد للشاه محمد رضا بهلوي.
كانت أنشطتها، من نشر النقد السياسي إلى المؤامرات وتخريب الأهداف الحكومية، موازية لأنشطة القوى الإسلامية التي كانت وقتها ملتفة حول «آية الله الخميني». وقد أدى هذا التنظيم التكتيكي إلى لعب مجاهدي خلق دوراً كبيراً في دفع الاضطرابات السياسية التي أدت في النهاية إلى طرد الشاه من السلطة.
لكن التعايش انتهى سريعاً. فخلال سعيه لتوطيد سلطته بعد الثورة، انقلب الخميني على رفاقه السابقين، وشن حملة واسعة على أعضاء المجموعة ومؤيديها. ووصف المرشد الأعلى الإيراني الذي نُصِّب للتو هو وأتباعه منظمة مجاهدي خلق، التي لم توافق على القرارات الدينية المتشددة للحكم الإسلامي، بأنها جماعة إيديولوجية خارجة عن النظام و»كافرة»، وهُمِّشت في الجمهورية الإسلامية الناشئة.
سنوات القمع والمنفى
شهدت الفترة اللاحقة حملة قمع واسعة النطاق ارتكبها الموالون للخميني ضد منظمة مجاهدي خلق، كما تقول المجلة الأمريكية، وهي حملة عنف استمرت لسنوات وبلغت ذروتها في «مذبحة» عام 1988 التي نفذها النظام وراح ضحيتها نحو ثلاثين ألف سجين سياسي.
بغياب مسار سياسي واضح للتحرك قدماً، فر قادة المجموعة إلى باريس ثم إلى العراق، حيث رحب بهم نظام صدام حسين، وانخرطوا في حرب دموية دامت ثماني سنوات مع الجمهورية الإسلامية.
في المنفى مرت مجاهدي خلق بتطور سياسي من نوع ما، إذ شكلت منظمة شاملة تعرف باسم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. لكنها واصلت أيضاً أنشطتها المناهضة للنظام داخل إيران، حيث برزت كأقوى وأكبر خصم للنظام الديني ولآيات الله في إيران.
لاعب أساسي لدى واشنطن في التعامل مع إيران
في أواخر التسعينيات، أصبحت منظمة مجاهدي خلق لاعباً رئيسياً في السياسة الأمريكية تجاه إيران، عندما صنفتها إدارة كلينتون، مستندة إلى دور المجموعة في مقتل العديد من الأميركيين في السبعينيات، باعتبارها منظمةً إرهابيةً أجنبيةً بموجب القانون الأمريكي.
وقد عارضت منظمة مجاهدي خلق هذه التهمة، وأصرت على أن ضمها للقائمة السوداء كان مدفوعاً بجهود إدارة كلينتون لتقريب النظام الإيراني ورئيسه «المعتدل» الجديد، محمد خاتمي.
لكن هذا التصنيف والوصمة المرتبطة به أثبتا أنهما طويلا الأمد؛ فقد استغرق الأمر أكثر من عقد من الزمان حتى ألغت وزارة الخارجية الأمريكية التصنيف، لأنها لم تتمكن من تقديم إثبات لمحكمة اتحادية على أنه ينبغي الاستمرار في تصنيف الجماعة على أنها متطرفة.
طوال تلك الفترة، ومن بعدها، عملت منظمة مجاهدي خلق بإصرار لتغيير المفاهيم الشائعة حول طبيعتها وأنشطتها. لقد كانت حملتها الدعائية ناجحة على نطاق واسع، فقد حصلت على تأييد من الأعضاء البارزين من كلا الحزبين في الولايات المتحدة، وفي كلا غرفتي الكونغرس الأمريكي.
ومن الواضح أن المؤثرين داخل إدارة ترامب، مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، ورودي جولياني محامي الرئيس الشخصي، قد أيدوا علناً مجاهدي خلق، مما ساهم في التصور الشائع بأنها تمثل الآن البديل المفضل لفريق ترامب إذا سقط النظام الحالي في طهران.
كيف يراها الأمريكيون وماذا تمثل لهم؟
رجوي مع جون بلوتون مستشار الأمن القومي لدى الرئيس ترامب، أرشيفية/ رويترز
من وجهة النظر الأمريكية، فإن منظمة مجاهدي خلق كانت ملائمة لتلك المهمة لسبب آخر أيضاً: «دورها المحوري في فضح أنشطة إيران الشريرة حول العالم». في أوائل الألفية الثانية، منحت المجموعة للعالم أول لمحة حقيقية عن الجهود النووية للنظام التي كانت سريةً إلى حد كبير، مما أدى إلى بذل جهد دام قرابة عقدين من الزمن من أمريكا وحلفائها لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية.
ومنذ ذلك الحين واصلت منظمة مجاهدي خلق تزويد المجتمع الدولي برؤى ثاقبة للأعمال الداخلية للجمهورية الإسلامية، من الإمبراطورية المالية المترامية للحرس الثوري الإيراني إلى قدرات النظام الإلكترونية المتنامية.
وبينما يدور جدال حول مصدر الكشف عن هذه المعلومات، فإن قيمة المعلومات ودقتها ليست كذلك. يعترف المسؤولون الأمريكيون عامة بأن منظمة مجاهدي خلق «قدمت مساهمة كبيرة في فهمنا للتهديد المعاصر الذي تشكله الجمهورية الإسلامية».
ما بين السلمية واستخدام القوة للتغيير
ترى منظمة مجاهدي خلق أن القضاء على هذا التهديد يتطلب تغيير النظام الحاكم في طهران. وعلى الرغم من أن العديد من نشطاء المعارضة يدعون إلى «العصيان المدني» لتحقيق هذا الهدف، فإن مجاهدي خلق مقتنعون بأن النظام الإيراني ببساطة «وحشي للغاية ومترسخ بشدة» وقد استثمر كثيراً في إحكام قبضته على السلطة، بحيث لا يمكن إطاحته بالسُبل السلمية وحدها.
قد يكون البديل هو المقاومة المسلحة، وتتمتع منظمة مجاهدي خلق هنا بميزة واضحة إذا أصبح مثل هذا العمل ضرورياً، سواء بسبب بنيتها على النمط العسكري سابقاً وانضباط كوادرها أو بسبب نجاحاتها الماضية ضد النظام.
لكن ماذا بعد؟ كيف، بالضبط، يمكن لمجاهدي خلق و»المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» إدارة إيران، هل يجب أن يتغير نظام الحكم بالفعل؟
ما برنامج المنظمة بعد إسقاط النظام الإيراني الحالي؟
يُعتبر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية نفسه «حكومةً في المنفى»، ولديه خطة مفصلة للحكم المؤقت في «فترة انتقالية» مدتها نصف عام بعد سقوط النظام الإيراني الحالي، تؤدي إلى أن تكون إيران ديمقراطية وعلمانية.
ستترأس مريم رجوي، القائدة السياسية الحالية والوجه العام للمنظمة، هذا الترتيب كرئيس منتخب له. أثارت هذه الصيغة غضب عناصر المعارضة الإيرانية الآخرين، الذين يرون أن منظمة «مجاهدي خلق» تنوي ببساطة تثبيت نفسها منفردة محل آيات الله في إيران.
قدمت المجموعة شيئاً مختلفاً كلياً. عام 2002، دعا المجلس الوطني علناً إلى تشكيل جبهة تضامن وطنية ضد النظام الإيراني، وأعلن أنه «مستعد للتعاون مع القوى السياسية الأخرى» شريطة أن تسعى إلى شكل جمهوري للحكومة وتلتزم برفض ثيوقراطية إيران الحالية. يرتكز برنامجها المعاصر، الذي طرحته رجوي لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن، ونشره ممثلوها على نطاق واسع منذ ذلك الحين، على عشرة مفاهيم أساسية:
أولاً: انتخابات قائمة على مبدأ الاقتراع العام.
ثانياً: نظام سياسي تعددي يضمن حرية التجمع وحرية التعبير واحترام الحريات الفردية.
ثالثاً: إلغاء عقوبة الإعدام.
رابعاً: الفصل بين الدين والدولة، وحظر التمييز الديني.
خامساً: المساواة الكاملة بين الجنسين لصالح المرأة الإيرانية.
سادساً: تحديث النظام القضائي الإيراني، وإقصاء الشريعة، وإنجاز إصلاحات تضمن نظاماً للحماية القانونية الحديثة.
سابعاً: الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من المواثيق الدولية التي تنص على حماية السكان، والالتزام بالمساواة بين جميع الجنسيات (ولا سيما الحكم الذاتي لكردستان إيران).
ثامناً: ضمان الملكية الخاصة والاستثمار والعمالة ودعم اقتصاد السوق.
تاسعاً: سياسة خارجية تقوم على مبدأ «التعايش السلمي» مع الدول الأخرى.
عاشراً: رفض المشروع النووي وحيازة أسلحة الدمار الشامل ككل.
ما الذي تفتقر له منظمة «مجاهدي خلق»؟
من الناحية النظرية، ينبغي أن تجعل هذه الأفكار المنظمة والمجلس أكثر تماشياً مع الخطاب السائد لعناصر المعارضة الإيرانية الأخرى. ومع ذلك، فهذه الفصائل مازالت غير راضية عن المنظمة بشدة، مستندة إلى طبيعتها المنعزلة والإقصائية، وتزعم أنها، من بين أمور أخرى، تفتقر بشكل أساسي إلى الدعم في «الشارع الإيراني».
من جهتها، ترفض منظمة مجاهدي خلق هذا الرأي، مشيرة إلى أن سجلها الطويل من «المقاومة» لن يكون ممكناً بكل بساطة دون دعم محلي واسع النطاق.
تقول المجلة الأمريكية ناشونال إنترست، إن إعلان وزارة الاستخبارات الإيرانية في ربيع هذا العام اعتقال عدة مئات من نشطاء منظمة مجاهدي خلق، والاعترافات المتكررة من كبار المسؤولين الإيرانيين بدور منظمة مجاهدي خلق في انتفاضات العام ونصف العام الماضي، يضفيان بعض المصداقية على هذا الادعاء.
علاوة على ذلك، فقد جاءت هذه «المقاومة» بثمن مرتفع على نحوٍ استثنائي. وفقاً لمسؤولي المنظمة، يُقدر بأن حوالي 120 ألفاً من أعضاء المجموعة ومؤيديها قد ماتوا على يد النظام الإيراني منذ عام 1979.
لكن مجاهدي خلق لا تبحث عن تقارب واسع مع الشتات الإيراني. تميل المجموعة إلى النظر إلى عناصر المعارضة الأخرى على أنهم منتقدون للنظام أكثر من اعتبارهم بدائل ممكنة له.
ببساطة، تعتقد منظمة مجاهدي خلق أنه بعد أربعين عاماً من المقاومة النشطة، فإن لديها «مهارة في اللعبة» أكثر من أي شخصية أو فصيل آخر في الكفاح ضد الجمهورية الإسلامية. وأعضاؤها ومؤيدوها مقتنعون أيضاً بأنهم الوحيدون الذين لديهم التنظيم والرؤية والانضباط للمثابرة في الكفاح ضد آيات الله في إيران.