ربما لم تتخيّل أنّ الحملة الفرنسية على مصر كانت لها أصداء وأسباب لمشاكل داخلية وخارجية في فرنسا، وربما أيضاً لن تتخيّل أنّ أسباب فشل هذه الحملة كانت كامنةً في الأسباب التي دفعتها للموافقة عليها، كما أنّ الحملة الفرنسية على مصر تخبِّئ تفصيلاً مهماً بشأن القائد العسكري الفذّ نابليون بونابرت، الذي تخلّى عن جيشه وتركه وراءه.
ستعرف كثيراً في هذا الموضوع من موقع Thought Co.
في عام 1798، وصلت الحروب الثورية لفرنسا ضد ممالك أوروبا إلى هدنةٍ مؤقتة، وكانت القوات الثورية بفرنسا وأعداؤها في سلام. وحدها بريطانيا كانت في حرب.
كان الفرنسيون ما يزالون ينظرون إلى تأمين مواقعهم، ويأملون هزيمة بريطانيا. ولكن على الرغم من تولِّي نابليون بونابرت، بطل معركة إيطاليا، مهمَّة التحضير لغزو بريطانيا، كان واضحاً للجميع أن مثل هذه المغامرة لن تنجح أبداً؛ فالبحرية البريطانية الملكية كانت قوية للغاية ولم تكن لتسمح بإنزال ناجح لقوات العدو على شواطئها.
حلمُ نابليون الذي تحوّل للحملة الفرنسية على مصر
طالما كانت لدى نابليون بونابرت أحلامٌ دفينة للقتال في الشرق الأوسط وآسيا، وصاغ خطَّة ردع تعتمد على مهاجمة مصر.
فغزو هذه المنطقة من شأنه تأمين المستعمرات الفرنسية شرق المتوسط، وكان نابليون يفكِّر في أنها قد تفتح الطريق أمامه للهجوم على بريطانيا في الهند.
كان أعضاء المجلس الثوري الفرنسي الخمسة الذين يحكمون فرنسا في ذلك الوقت مهتمين بالقدر نفسه برؤية نابليون وهو يجرب حظه في مصر، لأن هذا سيبعده عن منافستهم على السلطة بالقوات التابعة له، ويمنح قواته شيئاً يفعلونه خارج فرنسا.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك فرصة ليكرر المعجزات التي حققها في إيطاليا. وبناءً على ذلك أبحر نابليون برفقة أسطول وجيش من ميناء طولون في شهر مايو/أيار، وكان بحوزته أكثر من 250 ناقلة، و13 سفينة.
بعد أن سيطر على جزيرة مالطا وهو في طريقه، أرسى 40 ألف فرنسي على شواطئ مصر في الأول من يوليو/تموز، وتمكَّنوا من السيطرة على الإسكندرية وزحفوا إلى القاهرة. كانت مصر تنتمي قومياً إلى الدولة العثمانية، لكنها كانت في واقع الأمر وعملياً تحت سيطرة المماليك.
كانت قوات نابليون تضمّ ما هو أكثر من الجنود. فقد أحضر معه جيشاً من العلماء المدنيين، كانوا معنيِّين بإنشاء المعهد الفرنسي في القاهرة، لكي يتعلموا من الشرق ويبدأوا «تمدينه» أيضاً. وبالنسبة لبعض المؤرخين، فعلم المصريات بدأ بالفعل مع هذا الغزو.
ادعى نابليون أنه جاء إلى هناك للدفاع عن الإسلام وعن مصالح المصريين، لكن أحداً لم يصدقه وبدأت ثورات التمرد.
الحملة الفرنسية على مصر.. الفاشلة!
ربما لم تكن مصر تحت سيطرة البريطانيين، لكنّ المماليك لم يسعدوا برؤية نابليون أيضاً. زحف جيشٌ مصريّ لملاقاة الجيش الفرنسي، والتحما في معركة الأهرام في يوم 21 يوليو/تموز.
كان صراعاً بين عصورٍ عسكرية مختلفة، لكنه كان انتصاراً واضحاً لنابليون، واحتل القاهرة. نصَّب نابليون حكومةً جديدة أنهت الإقطاع والعبودية، وبدأ استيراد هياكل الحُكم الفرنسية.
لكنّ نابليون لم يستطع السيطرة على البحر، وبدأت معركة النيل في 1 أغسطس/آب. أرسلت بريطانيا القائد البحري المحنّك نيلسون، لإيقاف إنزال قوات نابليون، لكنه لم يستطع اللحاق به، بسبب توقفه للتزوُّد بالإمدادات، في النهاية عثر نيلسون على الأسطول الفرنسي، وسنحت له الفرصة للهجوم عليه وهو يرسو في خليج أبو قير.
استولى نيلسون على الإمدادات، وتمكَّن من الفوز بعنصر المفاجأة عن طريق الهجوم في المساء وبقلب الليل، وفي الصباح الباكر، ولم تتمكَّن سوى سفينتين من السفن في هذا الخط من الهرب، وغرقت البقية، وتوقف خط إمدادات نابليون تماماً.
دمر نيلسون في معركة النيل 11 سفينة فرنسية، أي سدس السفن التي كانت موجودة في الأسطول الفرنسي من هذا النوع، ومن بينها بعض السفن الكبيرة والجديدة.
كان الأمر سيستغرق سنواتٍ لتعويض هذه السفن، التي كانت محوراً مهماً في هذه الحملة. ضَعُفَ فجأة موقف نابليون، وانقلب عليه المتمردون الذين كان يشجعهم.
لم يستطع نابليون حتى العودة بجيشه إلى فرنسا، وقوّات العدو في حالة استعداد، زحف نابليون إلى سوريا برفقة جيشٍ صغير. كان الهدف من هذا هو فصل الدولة العثمانية عن تحالفها مع بريطانيا.
بعد السيطرة على يافا -حيث أعدم 3 آلاف سجين- حاصر عكا، لكنها صمدت رغم هزيمة الجيش الذي أرسله العثمانيون لفك الحصار.
دمّر الطاعون الفرنسيين واضطر نابليون للعودة إلى مصر.
وواجه نكسة وشيكة عندما تمكنت الدولة العثمانية باستخدام سفن بريطانية وروسية من إنزال 20 ألف شخص في أبو قير، لكنه تحرك سريعاً للهجوم قبل أن يرسو سلاح الفرسان والمدفعية والنخب العسكرية لتنظيمهم.
نابليون يغادر أخيراً.. متخلياً عن جيشه!
اتخذ نابليون في ذلك الوقت قراراً جعله ملعوناً في أعين كثير من النقاد. فبعدما أدرك أنّ الوضع السياسي في فرنسا على وشك التغيُّر، إما لصالحه وإما ضده، ولأنه اعتقد أنه هو وحده القادر على إنقاذ الموقف، وإنقاذ منصبه والسيطرة على مقاليد الحكم في الدولة كلها، تخلّى نابليون بونابرت عن جيشه، وعاد إلى فرنسا في سفينةٍ كان عليها التخفِّي من البريطانيين. وسرعان ما استولى على السلطة في فرنسا بانقلابٍ عسكريّ.
الحملة الفرنسية على مصر
ما بعد نابليون: هزيمة فرنسا وفشل الحملة الفرنسية على مصر
تُرك الجنرال كليبر ليدير الجيش الفرنسيّ، ووقَّع اتفاقية العريش مع العثمانيين. سمح له هذا بالعودة بالجيش الفرنسيّ إلى فرنسا، لكنّ البريطانيين رفضوا، لذا هاجم كليبر واستعاد القاهرة، ثم اغتيل بعد ذلك بأسابيع قليلة.
قرَّرت بريطانيا وقتها إرسال الجنود، وأنزلت قواتها تحت قيادة رالف أبركرمبي في أبو قير. والتقى الجيشان الفرنسي والبريطاني بعد ذلك بوقتٍ قصير في الإسكندرية، وفي حين قُتل القائد الإنجليزيّ، هُزِمَت القوات الفرنسية، وأُخرجت من القاهرة، وأُجبرت على الاستسلام. وكانت هناك قوةٌ بريطانية أخرى تستعد للهجوم والغزو في الهند عن طريق البحر الأحمر.
سمحت بعد ذلك القوات البريطانية بعودة القوات الفرنسية إلى فرنسا، وأُعيد الأسرى الفرنسيون بعد اتفاق في عام 1802. وانتهت أحلام نابليون في الشرق.
المصدر: وكالات