معلومات صادمة نشرتها صحيفة The Guardian البريطانية، عمَّا يحدث في مراكز احتجاز مخصصة للمهاجرين غير الشرعيين، أقامتها الحكومة الأمريكية على حدودها الجنوبية، واصفة ما يحدث بأنه أمر «بغيض من الناحية الأخلاقية».
مراكز الذل والعار
وكشفت صحيفة الغارديان، عن ممارسات مهينة ومخالفة لحقوق الإنسان، تمارس بحق المهاجرين، وذلك من خلال وضعهم داخل أقفاص ضيقة، لا يستطيع فيها اللاجئ الحركة، مما يُجبره على الوقوف فيها لمدة أشهر أحياناً.
وقالت الصحيفة إن اللاجئين الكبار يرتدون نفس الملابس لمدة أسابيع، في حين أن الأطفال لا تتوفر لديهم مرافق للاغتسال، وينامون على أرض إسمنتية عارية.
أمّا الأطفال فيفتقدون لأبسط أدواتهم، فيتم تقديم الطعام لهم من خلال زجاجات غير نظيفة، بسبب عدم إمكانية تنظيفها، أما الرُّضع في عمر الأربعة أشهر فيتم فصل بعضهم عن آبائهم، ولا يعودون إليهم مُطلقاً.
وكانت عضوة الكونغرس الديمقراطية أليكساندريا أوتشاسيو كورتيز قد أثارت جدلاً كبيراً عندما ندَّدت بتلك المراكز، واصفةً إيّاها بما يُعرف بـ «معسكرات التركيز»، المرتبط اسمها بالنازية، ووصفت بأنها معسكرات الموت.
وُجِّهت عدة انتقادات لعضوة الكونغرس، واعتبروا وصفها بأنه إهانة لذكرى الذين قُتلوا في معسكرات الموت النازية، فيما ردَّ العديد من المؤرخين على هذا النقد بالإشارة إلى أن معسكرات التركيز كانت تسبق النازية.
ما هي إذاً حقيقة كلِّ من معسكرات التركيز ومراكز احتجاز المهاجرين؟
ترجع أصول معسكر التركيز إلى محاولة القوى الأوروبية قمعَ نضالات السعي إلى الحرية في مستعمراتها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ ففي عام 1896، انتهجت إسبانيا -التي كانت تواجه حركة الاستقلال في كوبا- سياسة التركيز، التي بموجبها نُقِلَ مئات الآلاف من المدنيين قسراً إلى معسكرات مُحاطة بالأسلاك الشائكة. وكان المغزى من هذا الأمر هو إضعاف المتمردين بجعل المدنيين يعانون.
بريطانيا اتَّبعت نفس الأسلوب، فنقلت أثناء حرب البوير في جنوب إفريقيا، أكثر من 200 ألف مدني، إلى ما أَطلق عليه ديفيد لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك «معسكرات التركيز».
توفّي واحد من بين 10 من أفراد جماعة البوير هناك. وفي المستعمرة المجاورة بجنوب غرب إفريقيا، التي صارت الآن دولة ناميبيا، اتبعت ألمانيا نظام ترحيل أكثر وحشية أبادت من خلاله عِرق الهيريرو تقريباً.
خلال الحرب العالمية الأولى، برز شكل جديد من أشكال الاعتقال الجماعي، وهو معسكرات احتجاز «الأجانب الأعداء»، وهؤلاء هم المدنيون الذين لم يرتكبوا أي جريمة، ولكن أصولهم تعود إلى دولة العدو.
ودشَّنت الحكومة الأمريكية أسوأ هذه المُخيّمات سمعة لتدريب الأمريكيين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية.
إعادة إحياء معسكرات التركيز
في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ظهرت نسخ أكثر وحشية من معسكرات التركيز، لكنها لا تستهدف نقل المقاتلين الأجانب أو الأجانب الأعداء إليها، بل هي مخصصة لمواطني الأمة لمعاقبتهم، و إبادتهم في نهاية المطاف.
أما اليوم، فيُعدُّ الاحتجاز الجماعي الذي تفرضه الصين على أكثر من مليون مسلم من الإيغور أحدث مثال على سياسة الترحيل هذه.
قد تكون معسكرات الموت النازية أشدَّ وأعنف وأقسى من معسكرات احتجاز اللاجئين، إلا أن ما يتم ممارسته بحقِّ المهاجرين يدفعنا للمقاربة بينهما، فسجن الآلاف من المدنيين دون محاكمة لفترات غير محددة، وفي ظروف غير إنسانية، كافٍ لتشبيهها بمعسكرات التركيز.
آلية جديدة بعيدة عن القانون
وترى الصحيفة البريطانية أن مراكز احتجاز المهاجرين هي آلية قسرية وعسكرية جديدة، تحاول من خلالها الدول -لا سيّما الدول الغنية والقوية- فرض سيطرتها على حركة الناس.
فالاتحاد الأوروبي أيضاً، قام بإنفاق مبالغ ضخمة من المال على البلدان في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط، وذلك مقابل قيام الدول والميليشيات والعصابات الإجرامية بحبس عشرات الآلاف من المهاجرين المحتملين، أو الذين يُعتقد أنهم سيكونون مهاجرين، قبل وصولهم إلى شاطئ البحر المتوسط.
وكانت الحدود الحدود الجنوبية لأوروبا، وشمال إفريقيا، التي تمثِّل حدود أوروبا الجنوبية بالنسبة للاتحاد الأوروبي مسرحاً لمثل هذه الممارسات.
الخلاصة: هذه المعسكرات الحدودية الأمريكية هي أماكن مزرية ومُهينة، والسجون التي يمولها الاتحاد الأوروبي أماكن للرعب الحقيقي، حيث ينتشر فيها الاعتداء الجنسي والتعذيب، وتُدرك الحكومات الأوروبية تلك الظروف، ومع ذلك، فإنَّ هذه السجون تبقى بعيدة بما يكفي لتنصّل البلدان الأوروبية من أي مسؤولية يحملونها حيال تلك الظروف.
لا يزال الأمريكيون ينكرون وجودَ مثل هذا السجن، أمّا الأوروبيون فإنهم يديرون ظهورهم، بحجة أنه الثمن الذي يستحق دفعه مقابل «حماية» أوروبا.