تكريم المرأة و تقدير أهميتها لم يكن و ليد صدفة .. و إنما كان هذا التكريم منذ بدء الخليقة .. و لقد شرفت جريدة البشايرفي إجراء حوار مع الدكتورة / عزة مكرم كبيرة مستشارين الأمم المتحدة للسكان من عام ٢٠٠٧ و حتى الآن .. و هى أيضا كبيرة مستشارى السياسات و البرامج فى الأمم المتحدة من ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٧، و مديرة برامج و محاضرة فى السياسة بمركز دراسات الصراعات العرقية .. أننا أمام سيدة من نوع خاص فخلال الإستطراد فى الحديث و حتى إكتماله وجدنا أننا أمام شخصية متميرة لسيدة أكاديمية تحتل منصب كبير فى هيئة الأمم المتحدة .. فهى نموذج يحتذى به للمرأة العربية المعاصرة نعتز به كعرب حيث تجمع بين العلم و الثقافة و الذكاء …
إن لقاءنا بالدكتورة / عزة كرم قد يضع حدا للحيرة وإختلاف وجهات النظر حول مدي قدرة المرأة العربية علي التميز والعطاء والإبداع في العمل العام وعلي المساحة التي تتيحها لها الدساتير والنظم لكي تنجز وتبدع .
ومن حسن الظن أن السنوات الأخيرة قد شهدت تغيرا ملموسا وإنطلاقة واعدة نحو إبراز دور المرأة وإتاحة الفرصة لها في المشاركة بإيجابية في العمل العام ، و قبل أن نخوص فى أعماق هذه الشخصية المرموقة لابد أن نوضح للقارئ من هى الدكتورة / عزة كرم و هذا هو نص الحوار :
س١ـ ترحب جريدة المستقبل بإجراء هذا الحوار مع الدكتورة / عزة كرم لأتاحة الفرصة للقارئ الأمريكى داخل و خارج أمريكا للتعرف على سيادتكم فهل لكى إن نتعرف على شخص الدكتورة / عزة كرم و المناصب التى تقلدتيها فى العمل الدبلوماسى ؟
ج١ـ أنا بدأت مسيرتى فى العمل الprofessional منذ بداية عملى فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة و كان لى دور فى هذا الوقت بسيط مع المنظمة المصرية لحقوق الإنسان و أيضا مع مجموعة (المرأة الجديدة ) التى كانت فى بداية نموها و حصلت على الدكتوراه من جامعة أمستردام و درست هناك ايضا فى جامعة أمستردام و تحديدا فى مجال التنمية و أيضا المرأة و حقوق الإنسان و سياسات الشرق الأوسط .. وإلتحقت بالعمل بأحد منظمات حقوق الإنسان الهولندية و التى كان دور فى أكثر من دولة أوربية منهم ألمانيا و فرنسا و بلجيكا و كان النشاط فى مجال حقوق الإنسان و التنمية الاقتصادية فى العالم العربى من منظور العلاقة القائمة بين أوروبا و العالم العربى ومن هناك بدأت الأنتهاء من الحصول على الدكتوراه والتحقت بمنظمة دولية فى السويد اسمها International Institude for Democracy وهذه منظمة تأسست بإجتماع عدد من الدول لتأسيسها و هذا فى أوائل التسعينات ،و كانت الدور الرئيسى التى تقوم به هذه المنظمة برامج التنمية و كان دورى فى هذه المؤسسة فى ذلك الوقت أننى أقوم بتأسيس برنامجين البرنامج الأول عن المرأة و السياسة و كيفية تحضير النساء فى العالم كله على الألتحاق بالمناصب السياسية التى من الممكن أن يكون لها دور تنموى و دور أجتماعى و تمكين المرأة فى الحصول على دور سياسى و بناء فى المجتمعات بصفة عامة .
س٢ـ سيادتكم حصلتم على الدكتوراه فى مجال العلاقات بين الدين و الدولة واثار تلك على التنمية و حقوق الأنسان، و أخذت بعض الدول العربية و الأسلامية كمثال. فهل لسيادتكم أن تتحدثى على العلاقة بين الدين و الدولة و حقوق الأنسان ر التنمية ؟
ج٢ـ رسالة الدكتوراه كانت تقوم على عدة محاور. أولا: ان هناك علاقة وطيدة بين الدين- كنمط حياة و أساس حضارى – و أى منهج سياسى فى أى بلد فى العالم. وفالرسالة ناقشت العلاقة بين الدين و الدولة و سجلت انة حتى عندما يرفض وجود أى صلة بين الدين و السياسة فالاصرار علي هذا الفصل في حد ثاتة، يعتبر دليل على وجود حوار أو صلة ما، و ان لم يكن رسمى او علنى. و لكن من الصعب أن يكون هناك وجود سياسى لا يتطرق و لو بشكل غير مباشر، إلى المجال الدينى أو الفهم الدينى – خاصة فى مجتمعاتنا العربية، لأننا بطبيعتنا مجتمعات متدينة.
ثانيا، تابعت الدراسة شكل اللعلاقات القاءمة بين الدين و الدولة و التغيرات التى تمر بها في ازمنة مختلفة. وناقشت الرسالة مثلا أثر الأستعمار على النظم والمشاركة السياسية، و دور رجال الدين و الحوار المتواصل منذ ذلك الوقت و حتى اخر القرن العشرين. و لعل أكبر رمز هو جماعة الأخوان المسلمين منذ ظهورها عام ١٩٢٨ و علقاتها المختلفة بالدولة والحركات السياسية الاخرى.
و المحور الثالث ناقش أثر العلاقات القاءمة بين “الدين المتسيس” و “السياسة المتدينة” على المنهج الخاص بحقوق الأنسان، و خاصة حقوق المرأة. فبينت الدراسة أنة كلما زاد تأثير الفكرالديني علي مساءل متعلقة بإدارة شؤن الدولة – أو زاد نفوذ من يتحدثون باسم الدين في الساحة السياسية – اشتد الصراع علي السلطة و زاد الاحتقان بين من ينادون بحقوق الانسان و من يديرون الدولة. و كثيرا ما تكون حقوق المرأة بالذات ضحية تلك الصراعات.
س٣ـ هل من إستثناءات فى تطبيق معايير حقوق الإنسان بمعنى هل من حالات تعتبر فيها المساومة علي حقوف الإنسان أو مخالفتها شرعية ؟
ج٣ـ المفهوم السائد أنه لا يوجد أى مجال يسمح لنا بعدم تطبيق حقوق الإنسان. و لا يمكن لأى نظام أو جهة حاكمة أن تتغاضى أو تغفل عن أى حق من حقوق من تحكمهم, بل فأي سلطة تتملك زمام الحكم – حتى فى اطار الاسرة الواحدة – مسؤلة عن تطبيق حق كل فرض و عضو فيها. و بالرغم من ذالك فهناك من يدعون وجود ظروف استثناءية – مثلا “الحفاظ على الأمن العام”. و الواقع أن تلك الادعاءات تسمح لمناخ عام تكثر فية الانتهاكاتت لعديد من الحقوق. و الجدير بالذكر هنا أنة فى تلك الظروف يتم انتهاك حقوق الانسان ليس فقط على يد النظم الحاكمة، و لكن أيضا
على يد بعض ممن يعارضون هذة النظم. و بالتالى يصبح المناخ العام ضار بكل الناس. ولا شرعية لمثل هذا الواقع . أستطيع أن أقول أن منهج حقوق الإنسان مبنى على أسس و قيم كل الديانات. فحقوق الأنسان لو طبقت تطبيق سليم، أكثر شئ يوفر الأمن و الآمان لأى مواطن و مجتمع و دولة.
س٤ـ ما هو تعريف دكتورة /عزة كرم لحقوق الإنسان ؟
ج٤ـ ليس لدى تعريف شخصى لحقوق الإنسان. فحقوق الإنسان منصوص عليها فى الاعلان العالمي لحقوق الانسان و أيضا فى ميثاق الامم المتحدة. و دور الأمم المتحدة حماية و تطبيق هذة الحقوق، و هى الجهة الوحيدة التى يتفق عليها ١٩٤ دولة. و ذلك أكبر دليل على شرعية منهجية حقوق الانسان.
س٥ـ من بين شوائب نظام الأمم المتحدة إفتقارها للموارد المالية فالمفوضية السامية لحقوق الإنسان تقوم بشكل أساسى على التبرعات الخارجية هلل من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على الدور التى تقوم به الأمم المتحدة فى هذا المجال و ما هو الحل من وجهة نظر سيادتكم ؟
ج٥ـ المبدأ الأساسى للأمم المتحدة أن كل دولة/عضوة تؤمن لها العديد من الموارد، ليس الموارد المالية والمادية فحسب، و لكن أيضا – و هذا الأهم فى رأى – الموارد االبشرية. و أنا هنا أتحدث عن ١٩٤ دولة يعطون لهذه الهيئة الفريدة من نوعها – فكيف تفتقر…؟
س٦ـ ما هو الدور التى تقوم به الأمم المتحدة فى مجال التنمية بصفة عامة ؟
دور كبير جدا. ففي رأى تعتبر الأمم المتحدة من أكبر المستثمرين فى العالم فى مجال التنمية البشرية المتكاملة. و يتضمن ذلك مثلا الصحة و التعليم والبيأة و الموارد الصناعية، و الاقتصاد والمشاركة السياسية و القوانين، ووو … باختصار كل ما يمس حياة أى بنى آدم.
س٧ـ الأصولية الأسلامية تعيش حالة من حالات المد و لكن حدث فشل تكبدته الأصولية الأسلامية اليوم هذا الفشل هائل و تراجيدى فالدولة الأسلامية قد تحققت بعد طول إنتظار ولا المد الأخوانى نجح فى تجسيد و ترجمة أقل ما تحمله هذه الأيدلوجية الأسلامية على أرض الواقع يا ترى ما هى أسباب فشل مشروع الإسلام السياسى من وجهة نظركم
ج٧ـ أنا فى رأي أن مشروع الأسلام السياسى لم يفشل بعد. و لكن مشاريع (فهى فى الواقع عديدة) الأسلام السياسى تواجه صعوبات و تحديات النمو.
أنا أشبة الاسلام السياسي كأنة أحيانا الشاب الذى يسعى أن يكون رجلا، و فى بعض الأوقات كالرجل المقدم على الشيخوخة، وفى ظروف أخرى ما زال الاسلام السياسى طفللا. و فى كل مرحلة من مراحل هذا النمو صعوبات و دروس مختلفة. فما زال هناك العديد من المؤمنين بمشروع الإسلام السياسى. ففى رأي الإيمان بهذا المشروع – أو بأى مشروع سياسى يدعى شرعية دينية – هودليل على فشل، أو ضعف، المشاريع السياسية بصفة عامة فى زمننا هذا. ففى الماضى كانت هناك مناهج سياسية و أكثر من أيديولوجية – كالشيوعية و الليبرالية – تغذى النقاش و تسعى لتشكيل مؤسسي. فلم يعد لهذة الاراء والأيديولوجيات ريادة، بل تعتبر فاشلة. و من ثم فجوة احتلها من ينادون “بالسياسة المتدينة”.
و مثل هذا المنهج السياسى ليس محصور فى الدول العربية و الإسلامية فقط بل يمتد لدول كثيرة أخرى. فقد زاد دور الدين والمحاور الدينية بصفة عامة، و لذلك أعتقد أنة ينبغى علينا الحرص قبل الادعاء بفشل أى منظومة سياسية مبنية على أسس تدعى شرعية دينية.
س٨ـ تشير ملاحظة الواقع السياسى فى أنحاء العالم الآن إلى أن الحركات العرقية تمثل بحق ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية فى العذيذ من البلدان و ترتبط هذه الظاهرة من حيث وجودها بالدول التى تتسم بتنوع عرقى مثل السودان و العراق و سريلانكا على سبيل المثال و العراق أيضا حتى فى بعض الدول المتقدمة ككندا و إنجلترا ما هى وجهة نظر سيادتكم فى هذا الموضوع ؟
ج٨ـ كما أشرت من قبل، فاننا نعيش فى عالم أصبح للدين فية دور أكبر فى الحياة السياسية فى العديد من دول العالم. وثمة تشابة ما بين المحور الدينى و المحور العرقى، فكلاهما مبني على التفرقة أو التميز بيننا. فيصبح ما يميزنا على بعض (دين أو عرق) هو أساس الانتماء و الهوية. أنا فى اعتقادى أن هذا يعتبر عرض من أعراض افتقار الفكر السياسى المبنى على احترام و دعم حقوق الانسان، و من ثم يرفض التفرقة التى تقوم على اهانة اى شخص – او اى مجتمع.
س٩ هل ترون سيادتكم أن الصراعات العرقية بين دول العالم الثالث ترجع للبيئة أو لالثقافة بين تلك الشعوب أم أنك تعتقدين أن هذا يرجع لزرع الإستعمار الخارجى للفتنة و الصراع العرقى فى تربة هذه البلدان ؟
ج ٩ـ أارى أن المناهج الدينية و العرقية لها سيادة حتى فى دول العالم “المتقدم” – فحتى فى الولايات المتحدة نجد حركات دينية لها دور أكبر عن أى وقت سابق، ولا أستطيع أن أقول أن هذا محصور فقط فى الدول النامية. و بالتالى من الصعب أن نقر ببساطة أن جزء من العلم له دور فى زرع الفتنة أو الصراعات العرقية فى مكان آخر – دون التنبية لمسؤلية اى و كل دولة فيما يحدث. فيجب علينا أن نأخذ بالاعتبار الصراع المتزايد على الموارد الطبيعية الذى يؤثر و بشكل مباشر على العلاقات بين الدول و الحكوماتm- و فى داخل كل دولة بين الحكومات و شعوبةها. و أنا أعتقد أن هذة الظروف تؤكد أهمية دور الأمم المتحدة فى ايجاد منهج أقتصادى أجتماعى و حضارى يجمع ما بين مصالح الشعوب المختلفة على أسس حقوق الانسان.
س١٠ـ تأثير ثورات بما يسمى الربيع العربى على حقوق الإنسان و التنمية لشعوب تلك الدول تأثيره إيجابى أو سلبى ؟
ج١٠ ـ الإثنين. التأثير إيجابى: فهناك شئ هام و جميل جدا يحدث الآن فى العالم العربى و قد تم في نطاق منهجى وهو الآتى: لم يعد هناك من يتقبل الواقع كما هو عليهبالسمط الذى رأيناة من قبل. لم يعد هناك قابلية لدى الشعوب الآن “للأمر الواقع”، بل هناك تساؤل. و هناك اعتراض. و الأكثر من هذا و ذاك، هناك رغبة فى التضحية… و للنمو و النضج.. بدأنا نبحث عما هو أفضل و أحسن و بدأ منهج حقوق الإنسان يصبح له شعبية أكثر. و بالطبع فكل من هذة الايجابيات أيضا لها الوجة السلبى. فكل ما نتساءل أحيانا نجد أجابات غير كاملة أو واضحة أو تراجيدية كالسجون و الأعتقالات و جثث الحباءب. و يبدو أننا كثيرا ما نفتقد فن التعايش فى ظل عدم توافق… و لما بدأت الشعوب التساءل، بدأنا أيضا اكتشاف أنة حتى فى داخل الاسرة الواحدة، ممكن تتعدد الآراء. و في ظل افتقاد القدرة على الاختلاف مع الود و احترام الرأى الآخر، نجد أنفسنا فى نار جهنم.
وختاما .. إن الجريدة كان لها شرف إجراء هذه المقابلة الهامة مع هذه الشخصية المرموقة .. حيث أنها جاءت في الوقت المناسب لأن العالم كله أصبح مهتما بإبراز دور المرأة وإهتمت حكومات ودول العالم بالتنافس في إبراز قدرتها وتميزها في العمل العام وفي المحافل الدولية .. وإستطاعت المرأة العربية بشكل ملموس وكبير أن تقبل التحديات وتقدم نتائج تدعو للفخر والإعتزاز .. وإن كان
الرجل شريكا في صنع القرار فبالتأكيد كان و