بشكل مفاجئ وبقرار يدخل «حيز التنفيذ فوراً»، أعلنت الحكومة الهندية الإثنين 5 أغسطس/آب 2019، إلغاء الحكم الذاتي الدستوري في إقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، المتنازع عليه منذ زمن طويل، ويقع في منطقة متاخمة لباكستان والصين.
ستقلل هذه الخطوة من سلطات الحكم الذاتي التي كان يتمتع بها إقليم كشمير في السابق، وتثير مخاوف من نشوب صراع مسلح جديد في منطقة عانت بالفعل من العنف لعقود. وما فاقم هذه المخاوف إرسال الهند لقواتها إلى المنطقة قبل القرار وقطعها خدمة الإنترنت بعد الإعلان عنه.
إليك ما تحتاج إلى معرفته عن هذه المنطقة وما يمكن أن يؤدي إليه إنهاء وضعها الخاص:
أين يقع إقليم كشمير؟ ولماذا هو متنازع عليه؟
يقع إقليم كشمير في منطقة الهيمالايا في أقصى شمال شبه القارة الهندية. وحين نالت الهند وباكستان استقلالهما عن بريطانيا عام 1947 وانقسمتا إلى دولتين بعد صراع دامٍ، اختارت كشمير في البداية أن تظل مستقلة عن كلا البلدين.
ولكن بعد احتجاج الأغلبية المسلمة، سارع حاكم كشمير الهندوسي بالموافقة على التقرب من الهند وطلب ضم الإقليم لها. وأعقب ذلك النزاع الأول في سلسلة طويلة من النزاعات المسلحة التي اندلعت بين الهند وباكستان على المنطقة، وظلت سيادة كشمير محل نزاع من حينها.
وإقليم كشمير مقسم حالياً بين ثلاث دول: هي الهند وباكستان والصين. وتسيطر الهند على الجزء الأكبر منه- الذي يُعرف حتى الآن باسم ولاية جامو وكشمير- في حين تتمتع باكستان بسلطة قضائية على منطقتين تسميان غلغت بالتستان وآزاد كشمير. أما الصين فهي تسيطر على منطقة تدعى أكساي تشين في الجهة الشرقية، رغم أن الهند تطالب بهذه المنطقة أيضاً منذ فترة طويلة.
حروب عدة بين باكستان والهند
وهكذا، اندلعت عدة حروب بين الهند وباكستان حول كشمير. ومنذ عام 1972، أصبح «خط السيطرة» الذي يبلغ طوله قرابة 740 كم بمثابة حدود غير رسمية بين هذه البلدان في المنطقة.
ولا يزال وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ عام 2003. ومع ذلك، استمرت الاشتباكات على طول هذه الحدود؛ وقُتل 86 مدنياً جرّاء إطلاق النار الحدودي عام 2018 وحده.
تصاعدت حدة التوترات في فبراير/شباط الماضي، عندما أسفر هجوم إرهابي عنيف عن مقتل 38 من ضباط الشرطة في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية في كشمير وتبادلت القوتان اللتان تمتلكان الأسلحة النووية الضربات الجوية لأول مرة منذ عام 1971.
ووصفت منظمات حقوق الإنسان كشمير بأنها واحدة من أكثر مناطق العالم التي تعج بالمظاهر العسكرية، وأدانت منظمة العفو الدولية ممارسة الحكومة الهندية المتمثلة في استخدام قوات الأمن العام على نطاق هائل لاعتقال الأشخاص هناك دون محاكمة.
حين وافقت كشمير على الانضمام إلى الهند عام 1947، فعلت ذلك شريطة احتفاظها بقدر من الحكم الذاتي. وهذا الحق في الحكم الذاتي تحميه المادة 370 من الدستور الهندي، التي تمنح كشمير الحق في سن قوانينها الخاصة.
والتغييرات التي أعلنتها الحكومة الهندية يوم الإثنين تعني إبطال المادة 370، إلى جانب بند آخر يمنع غير المقيمين من شراء العقارات في ولاية جامو وكشمير. وقالت الحكومة أيضاً إنها ستعيد تشكيل الولاية إدارياً وتقسمها إلى ولايتين فيدراليتين. سيصبح للأولى -التي ستحتفظ باسمها «جامو وكشمير»- مجلس تشريعي، في حين أن الثانية، وهي منطقة جبلية نائية تسمى لداخ، ستخضع للحكومة المركزية مباشرة.
وهذه الخطوات مجتمعة، سوف تقلل بدرجة كبيرة من سلطات الحكم الذاتي الذي تتمتع به كشمير وستحد من سلطة حكومتها المحلية، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ما مبررات الهند لإلغاء هذا الوضع؟
تذَّرع وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، بالمخاوف الأمنية لتبرير إلغاء الوضع. وقال شاه، في بيان، إن الحكومة المركزية تلغي الوضع الخاص لكشمير «واضعة نصب عينيها الحالة الأمنية الداخلية السائدة التي يغذيها الإرهاب القادم عبر الحدود»، حسب تعبيره.
وقال مسؤولون حكوميون آخرون تحدثوا إلى صحيفة The Washington Post شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين «الكفاءة التشريعية» لولاية تخلفت عن مواكبة التطور في بقية البلاد. وتطرقوا في حديثهم إلى الجماعات الانفصالية في المنطقة التي قاتلت السلطات الهندية لسنوات.
لكن بعض الاستعدادات الحكومية قبل الإعلان وشت بأن نيودلهي تخطط للإلغاء منذ فترة. إذ أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن الحكومة الهندية نشرت 35 ألف جندي إضافي في كشمير الأسبوع الماضي، وأن الحكومة أوقفت فجأة حج الهندوس إلى كشمير وأجلت السياح من هناك. وقال مسؤولون بالجيش، يوم الجمعة 2 أغسطس/آب، إن لديهم معلومات استخباراتية تفيد بأن مسلحين مقيمين في باكستان يخططون لشن هجوم على الحجاج الهندوس أثناء سفرهم إلى المنطقة.
يأتي إلغاء الوضع الخاص لكشمير بعد أن حقق حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أداءً جيداً في الانتخابات الأخيرة في شهر مايو/أيار. وأعرب البعض عن خشيته من أن تقليص الحكم الذاتي لكشمير يمكن أن يؤدي إلى تحول ديموغرافي في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وإشعال التوترات بين الهندوس والمسلمين في أرجاء البلاد.
ماذا كان رد الفعل؟
انتقد ساسة المعارضة في الهند هذه الخطوة باعتبارها هجوماً على الديمقراطية الهندية، ووصفها محللون بأنها غير مسبوقة.
وفي الوقت نفسه، وصف زعماء الحركة السياسية في كشمير إلغاء الوضع الخاص لكشمير بأنه «غير قانوني وغير دستوري» . وحذرت محبوبة مفتي، وهي رئيسة سابقة لحكومة ولاية جامو وكشمير، من أن هذه الخطوة ستوفر للهند «قوة احتلال» في المنطقة، ووصفت هذا بأنه «أسوأ يوم مر على الديمقراطية الهندية» .
ومن جانبها، أدانت الحكومة الباكستانية القرار باعتباره انتهاكاً لقرار الأمم المتحدة بشأن مسألة سيادة كشمير. ووصفت وزارة الخارجية الباكستانية إقليم كشمير في بيان بأنه «أرض متنازع عليها معترف بها دولياً»، وقالت إنها ستدعم حق سكانه «في تقرير مصيرهم» .
وأضافت الوزارة أنها «ستلجأ إلى جميع الخيارات الممكنة لمواجهة الخطوات غير القانونية» التي اتخذتها الهند. وأشارت الحكومة الباكستانية إلى أنها تأمل في إشراك الحكومة الأمريكية بصفة مُحكِّم في النزاع، حسبما ذكرت وكالة Reuters.
ما الموقف الأمريكي من هذه الأزمة؟
وكان رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، قد ناقش بالفعل إمكانية توسط الرئيس ترامب بين الهند وباكستان في محادثات حول كشمير عندما زار خان البيت الأبيض الشهر الماضي. لكن الهند رفضت هذا العرض مجدداً الأسبوع الماضي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورغتوس، في بيان يوم الإثنين، إن الولايات المتحدة «تتابع عن كثب» الوضع في كشمير، رغم إشارتها إلى أن الحكومة الهندية وصفت هذه الإجراءات بأنها «مسألة داخلية بحتة» .
وقالت: «نشعر بالقلق إزاء تقارير الاعتقالات، ونحث على احترام الحقوق الفردية وفتح باب الحوار مع من يعيشون في المناطق المتضررة. وندعو جميع الأطراف للحفاظ على السلام والاستقرار على طول خط السيطرة» .
وقال سوهريث بارثاساراثي، الخبير في القانون الدستوري، إنه يمكن الطعن في القرار الذي صدر يوم الإثنين أمام المحكمة باعتباره انتهاكاً للدستور الهندي، إذ إنه أسقط فعلياً بنداً دستورياً «بسبب نزوة للسلطة تنفيذية» .
هل يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى صراع كبير؟
بالنظر إلى تاريخ المنطقة، فالإجابة نعم، على الأرجح. إذ أرسلت الهند 8000 جندي إضافي إلى المنطقة بعد الإعلان مباشرة، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام محلية. وفرضت الحكومة أيضاً حظراً للتجول وقطعت خطوط الاتصالات والإنترنت في المنطقة فيما بدا أنها إجراءات استباقية لمنع الاحتجاجات وقطع الاتصال بالعالم الخارجي. ونتيجة لذلك، أصبح من الصعب قياس رد فعل الكشميريين.
لكن في باكستان المجاورة، اندلعت الاحتجاجات بالفعل في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لوكالة Reuters. وهتف المتظاهرون في عاصمة الجزء الذي تسيطر عليه باكستان في كشمير- على بعد 45 كم فقط من الحدود غير الرسمية- قائلين: «تسقط الهند» وتعهدوا بمواجهة القرار.
المصدر: وكالات