أهم أهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالياً هي إعادة انتخابه لفترة ثانية، شأنه في ذلك شأن أي رئيس أمريكي آخر في السنة الأخيرة من فترته الأولى، لكنّ ترامب الصاخب وغير المتوقع ربما يكون أوقع نفسَه في مواجهة أقوى لوبي أمريكي، وهو اللوبي اليهودي، بعد أن تمادى بوصفه لمن يصوّت لصالح الديمقراطيين بأنه إما جاهل أو خائن، فما هي القصة؟
تصريح صادم
ترامب كان قد علَّق أمس الثلاثاء، 20 أغسطس/آب 2019، في تصريحات للصحفيين في المكتب البيضاوي على النائبتين الديمقراطيتين إلهان عمر ورشيدة طليب، اللتين رفضت إسرائيل السماح لهما بزيارتها تحت إلحاح من ترامب، قائلاً: «أين ذهب الحزب الديمقراطي؟ أين ذهبوا في الدفاع عن هاتين المرأتين على حساب دولة إسرائيل. أعتقد أنَّ أي شخص يهودي يصوّت لديمقراطي يظهر إما جهله التام أو خيانة كبرى» .
غضب عارم
الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة ثارت بشدة، وغضبت من تصريحات ترامب، حيث قالت جماعة جيه.ستريت، وهي جماعة ضغط يهودية أمريكية ليبرالية في بيان «من الخطر والعار أن يهاجم الرئيس ترامب الأغلبية الكبيرة من الطائفة اليهودية الأمريكية ويصفها بالغباء والخيانة» .
وأضافت «لكن ليس مفاجئاً أن تنتقل هجمات الرئيس العنصرية المخادعة عن النساء التقدميات الملونات في الكونغرس الآن إلى تشويه يستهدف اليهود» .
اللجنة الأمريكية اليهودية أيضاً عبَّرت عن غضبها الشديد من تصريحات ترامب، وقال ديفيد هاريس الرئيس التنفيذي للجنة «تعليقات الرئيس مثيرة للانقسام بشكل صادم، ولا تليق بمن يشغل أعلى منصب منتخب» في البلاد.
وأضاف: «اليهود الأمريكيون مثل كل الأمريكيين، تتنوع آراؤهم وأولوياتهم السياسية، وتقديره لمدى علمهم أو ولائهم بناء على أفضلياتهم الحزبية غير ملائم أو مستحب، وخطير بكل ما تعنيه الكلمة» .
صمت رسمي إسرائيلي
الغضب العارم من جماعات الضغط اليهودية في واشنطن قابله صمت مطبق من جانب حليف ترامب القوي في تل أبيب، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعسكره، حيث امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن الإدلاء بدلوها في الأمر، ورفض مكتب نتنياهو التعليق على تصريحات ترامب، بحسب رويترز.
ورداً على سؤال عمّا قاله الرئيس الأمريكي، قال وزير الطاقة يوفال ستاينيتز لراديو ريشيت بت «يجب ألا نتدخل في الخلافات السياسية في الولايات المتحدة. فنحن لنا علاقات طيبة مع الديمقراطيين والجمهوريين، ولا بد أن نستمرّ على هذا المنوال» .
هل أطلق ترامب النار على قدمه؟
دعم ترامب المطلق لإسرائيل يبدو مرتبطاً إلى حدٍّ كبير بوجود نتنياهو في مقعد رئاسة الوزراء، والسؤال الآن ماذا لو فقد نتنياهو منصبه، وربما حريته أيضاً في الانتخابات المقررة في تل أبيب الشهر المقبل؟ عندها سيجد ترامب نفسَه في ورطة كبيرة؛ لأن هداياه لنتنياهو على حساب حقوق الفلسطينيين والقرارات الدولية ستفقد كثيراً من تأثيرها، خصوصاً أنَّ ذلك سيعني على الأرجح الوفاة الرسمية لصفقة القرن المشؤومة.
لكن التأثير الأخطر سيطال ترامب نفسه داخلياً في عام الانتخابات، حيث المعلوم أنَّ جماعات الضغط اليهودية تتمتع بالنفوذ الأكبر سياسياً وإعلامياً، وفقدان ترامب لدعمها ربما يكون ضربةً قاصمة له في الانتخابات المقبلة.
السؤال الآن يتعلق بكيفية تطور الموقف في الأيام والشهور المقبلة، خصوصاً أن الديمقراطيين لن يفوتوا الفرصة، فهل ينضمّ اللوبي اليهودي للمعسكر الذي هاجمه ترامب، سواء من اليساريين أو النساء أو السود أو المهاجرين عموما؟ لو حدث ذلك فسيكون ترامب كمن أطلق النار على قدمه بالخطأ، وربما تأتي هزيمته من حيث لا يتوقع أحد، حيث كان اللوبي اليهودي أبرز داعميه في انتخابات 2016.