تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الثامنة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك، الاعتداءات التي صدمت العالم آنذاك وأرخت لتاريخ جديد وضعته الولايات المتحدة آنذاك تحت عنوان ”الحرب على الإرهاب”.
كان ذلك الحدث العالمي بداية لسلسلة من الحروب الجديدة التي خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان ومن ثم العراق، بالإضافة إلى هذا فإن ذلك اليوم نسج العديد من الحقائق المتلبسة بالأوهام أحيانا، حول الإسلام والغرب والشرق الأوسط والسلام وغيرها من المفاهيم والقيم الإنسانية التي خضعت لاختبار من جديد جراء ما جرى. وبعد كل هذه السنوات ما زال العالم يطارد أشباح الإرهاب والتشدد، ويحاول الإجابة على سؤال بسيط صعب كيف يمكن الوصول إلى سلام عالمي، بحيث يتعايش الجميع في ظل وفاق ووئام وتستبدل الصراعات والنزاعات المسلحة بالرغبة في العيش المشترك والمحبة بين البشر.
اليوم، وبعد مرور 18 عاماً على تلك الهجمات التي غيرت وجه العالم بأكمله، جعلت مبدأ السيادة الوطنية للدول، والذي هو من المبادئ الرئيسية في القانون الدولي المعاصر وفي النظام الدولي الحالي، مجرد نظرية لا مكان لها في التطبيق العملي الواقعي على الأرض خصوصا في دول الشرق الأوسط التي يشار إليها كمصدر للإرهاب.
اليوم أيضاً وفي ظل إحياء هذه الذكرى السنوية، وسعياً من الولايات المتحدة إلى مواصلة مسيرتها ـ الصارمة والمثيرة للجدل ـ في مكافحة الإرهاب سعى النواب في الولايات المتحدة لاستصدار قانون يعرف باسم (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب)، ويرمز له اختصاراً بـ( قانون جاستا)، والذي بموجبه في حالة أصبح قانوناً سارياً المفعول، عمل على تعديل قانون القضاء الأمريكي الاتحادي لتضييق نطاق الحصانة السيادية الأجنبية من خلال السماح لمحاكم الولايات المتحدة بالنظر في قضايا تتعلق بمطالبات ضد دول أجنبية جراء إصابات، أو موت، أو أضرار نتيجة لضرر ما ارتكبته هذه الدولة أو مسؤولوها، بما يشمل الأعمال الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع القانون يخول المحاكم الفيدرالية لملاحقة أي شخص ارتكب، أو ساعد، أو حرض، أو شرع في ارتكاب أي عمل من أعمال الإرهاب ضد أحد مواطني الولايات المتحدة.
علينا أن نسميَ الأشياء بلغتِنا نحن. فالحرب على الإرهاب هي حرب علينا لصالح الإرهاب، ونشر الدّيمقراطية من قبلِ الغيرِ هو نشر للفوضى. فإذا ما استقرأنا الواقع العربي بالعين الملاحظة، وأسقطناه على مجرياتِ الأحداث… وما يعصف بالعالم العربي بخاصة والإسلامي بعامة… فثمة تساؤلات لابد من طرحها؟!
أليسَ كلّ ما يحدث الآن في عالمنا العربي والإسلامي يصبُّ في مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب؟!
إن الخطوط العامة للحروب العدوانية الأمريكية تقليدية وغير تقليدية، رسمت في ”غرفة القرار الأمريكي” في عهد الرئيس جورج بوش الابن على أقل تقدير، وأن الأدوات الأمريكية المتعاقبة عملت منذ ذلك الحين على تنفيذ هذه الحروب عبر مراحل متتابعة. ولعل أكثر ما يلخص صورة المخطط الأميركي في ذلك الحين يتمثل في عبارة قالها الرئيس بوش آنذاك، وهي: إن ”الحرب على الإرهاب ستكون طويلة”، فالرئيس بوش حين نطق بهذه العبارة لم يكن يقصد على الإطلاق الحرب على الإرهاب الذي مثله تنظيم ”القاعدة” لأن غايته أصلاً لم تكن شنّ مثل هذه الحرب، وإنما كان يقصد المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، من خلال الادعاء بأنه إرهاب، ومن خلال الزعم بأن الدول التي تدعم هذه المقاومة هي دول تدعم الإرهاب.
فالحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق ”جورج بوش” والتي استمرت في عهد الرئيس ”باراك اوباما” جعلت حقوق الإنسان ضحية الإرهاب حيث سقط عشرات مئات الألوف من القتلى في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وقد اعتبرت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أن من أولويات الإدارة الأمريكية تدمير المنظمات الإرهابية ذات الامتدادات العالمية ومهاجمة قياداتها ومراكز التحكم والقيادة والمعلومات لديها وأن أمريكا ستبادر استباقياً للتصدي لأي تهديد ملموس يتعرض له أمنها كما حدث في احتلالها لأفغانستان والعراق وهذا يعطيها الحق للتدخل في أي مكان من العالم وفعل أي شيء بحجة حماية أمنها حتى ولو أدى ذلك لإقامة معتقل مثل غوانتانامو في كوبا وأبو غريب في العراق وتطبيق قوانين خاصة تتنافى مع كل الأعراف والمواثيق الدولية حتى ولو استدعى الأمر أيضاً سحق الكرامة البشرية كما حدث في سجن أبو غريب بالعراق، واتسع هذا الحق حتى تجاوز سلطة القانون الدولي والضرب به عرض الحائط.
وما يحصل في منطقة الشرق الأوسط هو أكبر دليل على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم وإحكام سلطتها على منابع الثروات الموجودة في المنطقة وإعادة رسم الخرائط الجغرافية. فتاريخ أمريكا ملطخ بدماء الأبرياء في معظم بقاع العالم من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، إلى هيروشيما وناكازاكي إلى أفغانستان والعراق وليبيا واليمن.
والسؤال الذي يطرحه كثيرون: ما هي أهم تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 على الأمن القومي العربي؟
في مقدمة ذلك: تعزيز الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية، حيث اعتبر أن منفذي الهجمات عناصر عربية وإسلامية، وأن من حقها ملاحقة هذه العناصر والقبض عليهم واحتجازهم من دون أن يكون لسلطات بلادهم حق الاعتراض على ذلك، وهذا يشكل أول تجاوز على حقوق سيادة الدول العربية.
تلا ذلك تدخل أمريكي في المناهج التعليمية والخطاب الإعلامي بأنواعه باتجاه ضرورة إجراء تعديلات في هذه المناهج والرسائل الإعلامية يركز على التقليل من التطرق إلى ثقافة المقاومة، وتقليل العداء للغرب والولايات المتحدة بخاصة. كذلك، ونظراً لأهمية المنطقة العربية بالنسبة للولايات المتحدة، عملت الإدارة الأميركية باتجاه تعزيز هذه الهيمنة عليها عبر تدخلاتها تحت ذريعة دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ثم أدخلت هذه المنطقة ضمن المجال الحيوي لعمل حلف الناتو، كما عملت على تحقيق وجودها العسكري المباشر في منطقة الخليج العربي.
وضمن هذا السياق، اتخذت واشنطن عدة إجراءات على حساب الأمن القومي العربي مثل: وضع منظمات الكفاح المسلح العربية، في قائمة ما تسميه منظمات إرهابية، واللجوء إلى استخدام أسلوب المعونات الاقتصادية والعسكرية لبعض الدول العربية لربطها بسياستها، واتباع استراتيجية التفكيك للبلاد العربية، كالحالة اللبنانية، وتقسيم السودان، وتشجيع الأقليات في العراق والجزائر، واتباع استراتيجيات العزل والاحتواء والتأديب ضد بعض الدول العربية التي تتمرد على السياسة الأمريكية كما جرى في العراق وليبيا والسودان وسورية، والسعي المتواصل لقبول ”إسرائيل” في المنطقة العربية عبر تحقيق تسوية لمصلحة ”إسرائيل” /تسوية المنتصر/.
ومحاولة تذويب النظام العربي في نظم بديلة بعيدة عن العروبة، عن طريق مشروعات إقليمية /شرق أوسطية ومتوسطية وتجمعات أفريقية…، وتعريض الأمن المائي العربي للخطر، كتحريك تركيا ضد سورية والعراق، وتحريك أثيوبيا ضد السودان ومصر، وتفعيل آلية التجزئة في المنطقة العربية بإثارة الصراعات والنعرات الطائفية والعرقية.
ومن تداعيات أحداث 11 أيلول، تمكين المشروع الإسرائيلي، عبر استخدام مفردات ”إسرائيل” في دمغ نضال الشعب الفلسطيني بالإرهاب، وإطلاق يد آلة الحرب الإسرائيلية في قمع الفلسطينيين وفرض الحصار عليهم هنا وهناك والغريب أن واشنطن تعد هذه الإجراءات العدوانية الإسرائيلية أنها ”دفاع عن النفس” هذا كله ناهيك عن الدعم المالي والعسكري والسياسي لـ”إسرائيل” بشكل هائل.
أما التداعيات الاقتصادية لأحداث 11 أيلول على الأمن القومي العربي فتجسدت في إضعاف المقدرة التشغيلية للاقتصاديات العربية، ما أدى إلى اتساع حجم البطالة لتطول كل الدول العربية تقريباً، وإضعاف القدرة على الإنفاق على القطاع التنموي، وإضعاف القدرة العربية على مجاراة ”إسرائيل” عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً.
في الواقع النظام العالمي الجديد يفترض اندماج الدول العربية والإسلامية في هذا النظام الذي حددته عولمة للمبادلات وللعلاقات الإقليمية وبما أن أحد شروط هذه العولمة يفترض حداً أدنى من الحرية الاقتصادية، يترتب على ذلك بالضرورة نوع من تحرر المجتمعات، ولابد من القول إن كل هذه الانظمة الحليفة للولايات المتحدة ذات طابع تسلطي وحتى بعضها يعتبر ديكتاتورياً وهي مكروهة من شعوبها، اندماج هذا الواقع الإسلامي في نظام عالمي جديد يفترض إذاً تغييراً عميقاً على هذه الأنظمة وهذا ما سيتم لحظه في الفترة القادمة وكيف أن الولايات المتحدة الأميركية ستنقلب على حلفائها مقابل خلق معطيات جديدة تهدف إلى حماية وترسيخ المصالح الأميركية.
وبناء على كل ما تقدم، يمكن القول بكل بساطة أن الحكومة الأمريكية هي من أكثر الحكومات العالمية إجراماً بحق الشعوب الأخرى في الوقت الذي تزعم أنها مهد العدالة والمساواة والديمقراطية! ومعظم جرائمها ارتكبتها تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وهي في حقيقة الأمر، إرهاب يخالطه شيء من الرحمة البتة. وهكذا يفعل حلفاؤها ومن سار على نهجها.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية شكلت تحالفا دولياً لمكافحة الإرهاب ومموليه، إلا أن هذه الإجراءات لم توقف الاختراقات الأمنية لأسوار الأمن الدولية، ولم تمنع مخالب ”داعش” من نهش أجساد البشر بعمليات كانت ساحاتها أميركا وأوروبا وسط عجز أميركي وحتى وأوربي من وقفها، لا سيما وأن الذئاب المنفردة التي أطلقها ”داعش” في أنحاء العالم باتت تقلق المجتمع الدولي، وتضع الإدارة الأميركية في عهد ”دونالد ترامب” أمام خيارات قد لا تستطيع من مواجهتها منفردة.
ونخلص إلى القول: إن اعتداءات الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر وبعد مرور 18 عاماً على وقوعها فإنها غيرت أحوال العالم وقواعد تحالفاته وأولوياته وسبل مواجهة التحديات الأمنية التي باتت تنغص حياة الملايين، وتضع المسؤولين عن مواجهتها أمام واقع جديد يتطلب البحث عن أسباب الظاهرة ”داعش” وأخواتها التي تضرب العالم وسبل معالجتها ليس بإجراءات أمنية فقط، وإنما برؤية سياسية واقعية تسلط الضوء على مخاطر هذا السرطان وسبل استئصاله بأقل التكاليف.
كلمة أخيرة: بين الإرهاب والظلم توجد علاقة قوية وصلة وثيقة منذ قديم الأزل فحيثما وُجِدَ الظلم سيولد الإرهاب وبحسب القاعدة الفيزيائية القائلة: لكل فعلٍ رد فعل يساويه في القوّة ويعاكسه في الاتجاه، فكلما زاد ضغط الظلم المتمثِل بدول الاستكبار والاستبداد على المستضعفين كلما نما الإرهاب وتكاثر أثره، ولن يُنهى الإرهاب أو يحدّ منه إلا العودة إلى العدل والإنصاف على مستوى الأفراد والشعوب.
وكل اليقين، إن الإرهاب ودوله والظلم وأهله إلى زوال.