بعد خمسة أيام من تعرض منشآت أرامكو النفطية لهجوم هو الأعنف في تاريخها ومع توجيه السعودية والولايات المتحدة لأصابع الاتهام نحو إيران، ما هي الخيارات المطروحة للرد على ذلك الهجوم وكيف يمكن أن تضمن السعودية وحلفاؤها ألا يتكرر مثل ذلك الاعتداء؟
كل الاحتمالات قائمة بما فيها الحرب
السفير السعودي لدى ألمانيا الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قال بعد أن وجهت وزارة الدفاع السعودية الاتهام لإيران، كل الخيارات مطروحة على الطاولة رداً على الهجمات التي طالت منشآت النفط السعودية.
وفي تصريحات لإذاعة «دويتشلاندفنك» الألمانية اليوم الخميس 19 سبتمبر/أيلول عن احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، قال الأمير فيصل: «بالطبع كل شيء مطروح على الطاولة ولكن عليك مناقشة ذلك جيداً»، مضيفاً: «ما زلنا نعمل على المكان الذي أطلقت منه ولكن من أين أتوا. إيران تقف وراءهم بكل تأكيد لأنها قامت ببنائها ويمكن إطلاقها فقط بمساعدة إيرانية»، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
غياب الدليل القاطع
على الرغم من التصريحات المتكررة وعقد وزارة الدفاع السعودية مؤتمراً صحفياً أمس الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول لعرض ما قالت إنها أدلة على تورط إيران في الهجوم، إضافة لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو التي تؤكد المعنى ذاته، يظل الجدل محتدماً دون يقين حول الجهة المسؤولة عن الهجمات ونقطة انطلاقها.
هذه النقطة تحديداً تمثل حجر الزاوية على ما يبدو في تحركات إيران رداً على سياسة «الضغط القصوى» التي تتبعها إدارة ترامب من خلال العقوبات الاقتصادية الخانقة، حيث تفترض طهران في تكرار الهجمات على المنشآت الحيوية السعودية مباشرة أو عبر حلفاء لها؛ مثل جماعة الحوثي في اليمن، أن السعودية لن ترد مباشرة، وأنها لن تستخدم قوة الردع العسكرية لإدراك المملكة خطورة تعرض البنية التحتية للطاقة لخطر هجمات مماثلة، أو عمليات تخريبية من الداخل، بحسب تقرير لوكالة أنباء الأناضول.
ووفق تصريحات بومبيو الأخيرة، تقف إيران وراء نحو 100 هجوم بطائرات مسيرة أو صواريخ باليستية على السعودية، آخرها الهجوم المزدوج، السبت الماضي، على منشآت «أرامكو» النفطية في بقيق وخريص شرقي المملكة.
وتبنت جماعة الحوثي حليفة إيران تنفيذ الهجمات، بينما تصر السعودية والولايات المتحدة على أن الهجمات لم تنفذ من اليمن، وأنها إما أن تكون من العراق أو إيران، وهو ما يؤكده خبراء اطلعوا على صور لخزانات النفط المتضررة في الموقعين، والتي تؤكد أن الهجمات جاءت من الشمال الغربي للموقعين، أي من العراق أو إيران.
وفي اتصال هاتفي أجراه بومبيو مع رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، أكد الأول أن العراق غير مسؤول عن الهجمات، لكنه لم يؤكد مسؤولية إيران عنها في الوقت الذي أشارت تحقيقات قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إلى أن الأسلحة المستخدمة في الهجمات إيرانية.
وتمتلك السعودية أكثر من منظومة للدفاع الجوي الصاروخية أمريكية الصنع، إلا أن فشلها في التصدي للهجمات في أكثر من موقع قد يدفع الرياض لشراء منظومات إضافية روسية الصنع، حيث أشارت بعض التقارير إلى محادثات تجريها المملكة مع روسيا حول هذا الشأن قد تؤدي إلى إبرام صفقة خلال الزيارة المجدولة للرئيس الروسي إلى السعودية الشهر المقبل.
ومن المتوقع أن تقدم السعودية على البحث عن مصادر أخرى غير أمريكية لشراء منظومات رادار قادرة على كشف الطائرات المسيرة على ارتفاعات منخفضة جداً، أو المصنوعة من مواد غير قابلة للكشف بالرادارات التقليدية التي تمتلكها المملكة.
لماذا لم تقدم واشنطن دليلاً دامغاً على تورط إيران؟
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمتلك طائرات استطلاع ومراقبة ورادارات بحرية في مركز الأسطول البحري الخامس في البحرين، وفي قواعدها بالكويت تؤهلها لمعرفة أدق التفاصيل، لكنها حتى الآن لم تقدم للسعودية أية تفاصيل في الوقت الذي طالب فيه ترامب السعودية بتقديم ما لديها من معلومات وأدلة حول الهجمات، لكن تقارير أشارت إلى أن واشنطن ستشارك الرياض بالمزيد من المعلومات والتفاصيل لاحقاً.
السبب بالطبع هو عدم تحمس ترامب للحرب مع إيران، سواء مباشرة أو من خلال تشجيع السعودية على الرد العسكري على الهجمات في حال توفر ما يكفي من الأدلة على ضلوع طهران مباشرة بالهجمات أو عبر حلفاء لها في العراق، بعد استبعاد أي احتمال لإمكانية أن تنفذ جماعة الحوثي مثل تلك الهجمات لعوامل تتعلق بالبعد الجغرافي والقدرة على إصابة أهداف حساسة في الموقعين بدقة متناهية.
الحرب خيار نهائي
وفي هذا السياق قال ترامب إن الحرب هي الخيار النهائي في التعامل مع إيران، وهناك الكثير من الخيارات الأخرى قبل اللجوء إلى ذلك: «هناك الكثير من الخيارات. هناك الخيار النهائي وهناك خيارات أقل من ذلك بكثير. وسوف نرى»، مضيفاً: «أقول إن الخيار النهائي يعني الحرب».
وبالتالي من المحتمل أن تفكر الولايات المتحدة في إرسال تعزيزات عسكرية إضافية إلى منطقة الخليج العربي، تضاف إلى ما لديها من حاملة طائرات وطائرات مقاتلة وطائرات استطلاع ودفاعات جوية وغيرها.
الرد السعودي العسكري
كل هذه المعطيات تجعل خيارات الرد السعودي على الهجوم على منشآتها النفطية الأهم محدودة للغاية ولا يوجد بينها خيار واحد يمكن اعتباره مقبولاً، ويزيد من تعقيد الموقف الانقسام داخل واشنطن نفسها بين اتجاه يؤيد رداً عسكرياً أمريكياً، مثل عضو الكونغرس ليندسي غراهام الجمهوري واتجاه آخر يعارض أي رد عسكري، مثل عضو الكونغرس ميت رومني، خشية أن يؤدي إلى حرب إقليمية من الصعب التنبؤ بنهايتها، وهو اتجاه يؤيده ترامب الذي تحدث عن إمكانية الرد العسكري لكن «ماذا عن الكيفية التي سينتهي بها؟».
المخاوف هنا تتركز حول كون المزيد من الهجمات واحتمالات الرد العسكري عليها قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في التوتر الذي تشهده المنطقة، غير أنه من غير المستبعد في حال توفر أدلة قاطعة على ضلوع إيران بالهجمات على منشآت «أرامكو» أن تتولى السعودية قيادة رد عسكري «محدود»، يستهدف منشآت نفطية ومنظومات الدفاع الجوي، ومستودعات للصواريخ البالستية في إيران أو في العراق بإسناد أمريكي أو من تحالف دولي يمكن تشكيله بقرار من مجلس الأمن الدولي في حال توفرت أدلة مقنعة.
وفي كل الأحوال، تعيش السعودية مأزقاً حقيقياً في حال ردت عسكرياً مع احتمالات تكثيف الهجمات الإيرانية المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها على البنية التحتية للطاقة السعودية، مع الإقرار بواقع هشاشة منظومات الحماية وضعف القدرات الدفاعية عنها.
مخاطر عدم الرد
أما في حال حاولت السعودية تجاوز الرد العسكري، فإنها أيضاً قد تعطي فرصة لإيران والقوات الحليفة لها بتكثيف الضربات على البنية التحتية للطاقة، وربما تحاول السعودية تقليل إمدادات الطاقة للسوق العالمية لوضع دول العالم أمام الأمر الواقع في ما يتعلق بأمنها القومي في استمرار تدفق الطاقة إليها دون مخاطر، بالإضافة إلى إرغام الكونغرس الأمريكي على إعادة النظر في موقفه من إيران والتهديدات التي تشكلها جماعة الحوثي الحليفة لإيران على مرور الطاقة عبر مضيق باب المندب، وحث الإدارة الأمريكية على تقديم مساعدات أكبر للسعودية في حربها ضد الجماعة في اليمن.
الخلاصة هنا أن الخيارات السعودية تبدو محدودة للغاية بالفعل ولا يمكن توقع طبيعة الرد على الهجمات ضد أرامكو أو إذا ما كان سيحدث رد أم لا.