5 أكتوبر 2019
هناك وادي النيل وله تاج في الشمال باسم الدلتا. كما أن له منخفض في غرب الوادي اسمه منخفض الفيوم. هذا يقع في الصحراء الغربية على بعد 200 كيلومتر جنوب غرب القاهرة. ثم تقع الصحراء الشرقية في شرق ذلك الوادي التاريخي، لتربط برمالها شبه جزيرة سيناء. وسيناء بموقعها جعلت من مصر دولة آسيوية بالإضافة إلى كونها دولة أفريقية وبحر أوسطية.
يقول علماء الجيولوجيا إن البحر الأبيض المتوسط كان في غابر الأزمان يمتد حتى أسوان، ثمأخذ يتقلص شمالا. هذا الانكماش قد ترك بصمات أصابعه على وجود مخلفات حيوانات بحرية عدا عن بحيرات أهمها بحيرة قارون بمنخفض الفيوم.
وحين نتحدث عن المساحات نجد أن مساحة الوادي تبلغ 13 ألف كيلومتر مربع. حيث في العصور الغابرة وخاصة في أواخر العصر الجيولوجي المسمى بعصر الميوسين أن حدثت حركة رفع تعرضت لها البلاد. ارتفع الجنوب مما أدى إلى انحدار نهر النيل بحيث يتجه النيل ليصب عن طريق فرعيه، فرع دمياط وفرع رشيد، في البحر الأبيض المتوسط.
ونلخص ما ذكرناه آنفا فيما يلي: الوادي والدلتا؛ منخفض الفيوم؛ الصحراء الغربية؛ التي تعبر النيل شرقا لتصبح الصحراء الشرقية التي تجعل من شبه جزيرة سيناء جزءا من الصحراء العظمى.
وبالنسبة لنهر النيل ذاته، يجري داخل الأراضي المصرية من خط عرض 22، من أسوان إلى البحر الأحمر، حتى المصب مسافة 532 1 كيلومتر دون أن يغذيه أي رافد. وأدت الترسبات الطينية الناتجة من الطمي الذي يحمله النيل الأزرق من جبال إثيوبيا إلى أن يصل المجرى الرئيسي للنيل ذاته غربا من الخرطوم. وهناك يتعانق النيل الأزرق مع النيل الأبيض، ويحدث الفيضان في أربعة أشهر من العام (من أبريل إلى يوليه). هذا الفيضان أدى من قديم الأزمان إلى قيام المهندسين بالتحكم في الفيضانات بإقامة السدود لتنظيم المجرى المائي.
هذا قبل الستينيات حين تم بناء السد العالي عند أسوان حيث تكونت خلفه بحيرة السد العالي في عصر جمال عبد الناصر، ومساحة تلك البحيرة التي غمرت أرض النوبة بالكامل من بحيرة مستطيلة مساحتها 000 4 (أربعة آلاف) كيلومتر مربع. طولها 500 كيلومتر من الجنوب إلى الشمال، ومتوسط عرضها 8 كيلومتر تصل في بعض الأجزاء إلى 21 كيلومتر. هذه البحيرة يقع معظمها في مصر وباقيها في السودان.
لقد غيرت بحيرة السد العالي المظهر التضاريسي لأرض النوبة، إذ غمرت بحيرة السد الأراضي الزراعية، واختفت كل صور العمران في أرض النوبة، واضطرت الحكومة إلى تهجير أهالي النوبة لمنطقة سهل كومبو (النوبة الجديدة) حيث أعدت للأهالي قرى ومزارع جديدة. ورغما من أن السد العالي زاد من الطاقة الكهربائية (أو الكهرومائية) لمصر، إلا أن الأراضي الزراعية في مصر قد خسرت الترسبات الطينية التي يحتجزها الآن السد العالي. وكانت هذه الترسبات، منذ أقدم العصور تجدد خصوبة التربة المصرية خلال مئات الآلاف من السنين.
وحينما نتأمل في شكل شمال الدلتا التي يحفها شرقا فرع النيل لدمياط، وفرع النيل لرشيد، تجد بحيرة المنزلة غرب مدينة بورسعيد، وبحيرتي إدكو ومريوط غرب فرع رشيد. وهذه البحيرات قد خلفها تقلص البحر الأبيض المتوسط شمالا.
ومن المعروف أن تفرع نهر النيل عند القناطر الخيرية شمال غرب مدينة القاهرة بــ 23 كيلومتر تحدد بدء الوجه البحري. والدلتا إقليم متجانس التكوين الطبيعي. وكانت الدلتا تتكون من 7 فروع تضاءلت منذ القرن السابع الميلادي إلى ثلاثة فروع، ثم أصبحت تلك الفروع فرعين.
كانت تعرف تلك الفروع بأسماء أماكن صب النيل في البحر الأبيض المتوسط، وهي رأس رشيد، ورأس دمياط، ورأس بلطيم. وهناك مخاوف بشأن تآكل الدلتا في رؤوسها الثلاثة. وذلك راجع إلى التعرية البحرية، ونحت الأمواج العالية للشواطئ، وتوقف الطمي نتيجة لبناء السد العالي.
وبصدد منخفض الفيوم الذي يقع في الصحراء الغربية، يمكن القول بأنه امتداد طبيعي للوادي والدلتا. ويعتبر ذلك المنخفض من أهم منخفضات الصحراء الغربية، ولكنه يختلف عنها باتصاله بوادي النيل عن طريق بحر يوسف. وكان بحر يوسف يمثل أحد فروع النيل قديما وهو يخرج من ترعة الإبراهيمية التي تخرج من النيل عند أسيوط.
وفي غرب منخفض الفيوم يقع وادي الريان وهو منخفض مغلق تصرف إليه مياه النيل الزائدة عن حاجة الأراضي الزراعية. ولا ننسى أن بحيرة قارون هي تاج الفيوم.
نخرج من كل هذا إلى القول بأن عبقرية جغرافية مصر قد أدت منذ أقدم العصور إلى بروز المهندس المصري على قدم المساواة في الأهمية مع الكاهن أو رائد العقيدة. لذا يعتبر الكاتب المصري القديم والمهندس المصري والكاهن المصري في قمة السلم الاجتماعي المصري.