أحمد محارم
إن جريمة القتل التى طالت المواطن السعودي جمال خاشقجي قد استهدفت بلده المملكة العربية السعودية بأكثر مما استهدفته شخصياً. ومع ان المملكة العربية السعودية قد اتخذت جميع الإجراءات اللازمة عبر مسارات قضائية وتنظيمية تمثلت فى إعادة هيكلة جهاز الإستخبارات العامة وإعفاء المسؤلين الذين وردت أسماؤهم فى التحقيقات من مناصبهم. إن قضاء المملكة مستقل وليس لأحد أن يتدخل فى أعماله وكذلك أحكام النيابة تمتع بالشفافية والوضوح. ولقد طبقت المملكة القانون وبدأت بمحاكمة المتهمين بحضور ممثلين من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الإمن وبحضور ممثل من تركيا وممثلى المنظمات الحقوقية السعودية، فضلاً عن ممثل لأسرة جمال خاشقجي.
من الواضح إن بعض الدول والأطراف الإقليمية المعادية للمملكة قد استغلت القضية كورقة سياسية ضد المملكة، والمفترض أن على من يسعون لتحقيق العدالة أن يقدموا ما لديهم من معلومات للنيابة، خاصةً وأن التحقيقات لم تتوصل إلى مكان الجثة بعد ولايزال التحقيق مستمراً مع الجانب التركى وكذلك محاولات التوصل إلى المتعهد المحلي الذى أوكل إليه الموضوع. ومن المعروف أن مثل هذه القضايا قد يستغرق التحقيق فيها وقتاً طويلاً من أجل الوقوف على الحقيقة.
من الملاحظ، بل ومن المؤسف أن تركيا التى من المفترض أن تتعاون مع السعودية فى التحقيقات، قد رفضت التجاوب مع طلبات النيابة العامة السعودية من أجل تزويدها بالمعلومات والأدلة المتوافرة لديها. ومن المعروف أن هناك حوادث مشابهة حدثت فى دول أخرى ولَم يكن كبار المسؤلين على دراية بها إلا بعد وقوعها ومنها التعذيب الذي جرى في سجن أبو غريب في العراق من قِبَل عناصر من القوات الأمريكية، والذين تجاوزوا صلاحياتهم الممنوحة لهم وقاموا بتعذيب مساجين عراقيين ولم يكن الرئيس الأمريكي أو نائبه على علم بذلك ولا حتى وزير خارجية أمريكا.
من الملاحظ كذلك أن هناك قوى إقليمية معادية للمملكة إستغلت القضية – من خلال تعاملها مع بعض المنظمات والهيئات المصنفة بأنها حقوقية – للإساءة إلى المملكة والتشكيك فى نزاهة وعدالة واستقلالية القضاء السعودي. كما صدر تقرير أعدته السيدة/ أغنيس كالامار، المقررة الخاصة المعنية بالإعدام خارج نطاق القضاء فى مجلس حقوق الانسان، قد بُنِيَ على تقارير إعلامية لم تكن حيادية ولا موضوعية. فجاء التقرير في مجمله عبارة عن مجرد تحليلات واستنتاجات حملت تناقضات وأحكام مسبقة ضد المملكة.
سوف يَجِد المتابع للموضوع أن هناك العديد من التساؤلات المفتوحة التى فرضت نفسها منذ الوهلة الأولى وتستحق أن يكون هناك اجابات شافية ووافية لها. ونظراً للظروف التي مرت بها الأحداث والتحقيقات، فربما كان طول الفترة الزمنية التي سبقت ذلك قد أتاحت الفرصة لتخمينات وتكهنات لم تكن صادقة. ولكن بمرور الوقت، فان الإجابات وضعت النقاط فوق الحروف حيث حضر المتهمون فى القضية إلى المحكمة بدون قيود لأن المادة ١٥٧ من الفصل السابع من نظام الإجراءات الجزائية يقضى بحضور المتهمون لجلسات المحاكمة بغير قيود أو أغلال. وقد تبين أن ما حدث داخل مقر القنصلية كان تصرفاً من بعض الموظفين الذين يملكون صلاحيات معينة ولكنهم أساءوا إستخدامها.
أما ما أثير عما ورد من تناقضات في أقوال المتهمين وعن مكان تواجد الجثة، فإن هذا الأمر حاز على أولوية في التحقيقات التي تمت بكل شفافية. فالقاضى هو الشخص الوحيد الذى يملك حق البحث وإستدعاء من يرى ضرورة حضوره إلى المحكمة للإدلاء بما يعرف حول القضية. ومن الجدير بالذكر أن هناك حرصاً من المملكة على أن يكون التحقيق في القضية داخل أراضيها حيث أن المجني عليه مواطن سعودي وأن القضية قد وقعت داخل القنصلية السعودية التي تعتبر أرض سعودية بحكم القوانين والأعراف الدولية.
لم يكن لدى المملكة ما تخفيه حيث دعت ممثلين من جهات ذات صلة للإطلاع على سير التحقيقات في القضية، ولكن الموضوع برمته أخذ أبعاداً حاولت إخراجه عن مساره الطبيعي من حيث أنها جريمة قد طالت مواطناً سعودياً داخل مقر قنصلية بلده عندما حاولت قوى إقليمية بكل السبل أن تنال من مكانة المملكة من خلال التركيز والتهويل الإعلامى على الحدث وملابساته؛ بل ومن الواضح أن هناك أحكاماً مسبقة قد أُمْلِيَت على جهات إعلامية حتى قبل أن تبدا التحقيقات الرسمية فى الموضوع.
لقد وقعت قضايا مماثلة في أماكن أخرى من العالم، ولكن التحقيقات فيها أخذت مجراها الطبيعي دون أى صخب إعلامي مبالغ فيه أو تغيير في الحقائق بسبب أهداف معينة. وليس علينا إلا إنتظار ما تسفر عنه التحقيقات الرسمية لكي يتيقن الجميع من حقيقة ما حدث.