عندما يذهب المسيحيون في مالطا إلى الكنيسة، فإنهم يصلون لـ «الله»، وتُعرف فترة الصوم الكبير لديهم باسم «راندان»، وهو لفظ قريب لغوياً من «رمضان»، شهر الصوم لدى المسلمين، هذا ليس كل شيء، فقد اتضح أن حوالي ثلث الكلمات في اللغة المالطية مُشتقة بالأصل من اللغة العربية التي كان يتحدث بها المستوطنون المسلمون في جزر البحر المتوسط في منتصف القرن الحادي عشر.
ناهيك عن قواعدها النحوية، فهي أيضاً مشتقة من اللغة العربية، فالعلاقة بين اللغتين أعمق من مجرّد تشابه بالمفردات، بل الأمر يمتدُّ للقواعد النحوية أيضاً، فيتشابه مثلاً تصريف الأفعال في اللغتين تشابهاً كبيراً.
اللغة المالطية هي لغةٌ من اللغات الرسمية المعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي، ورغم كون حروفها لاتينية، فإنها تكاد تكون من أقرب لغات العالم إلى العربية. وفي هذا التقرير ستتعرّف معنا على تاريخ اللغة المالطية، وسبب تشابُهها مع اللغة العربية.
النطق عربي والحروف لاتينية
إذا زرتَ مالطا فلا تقلق، فستشعر أنّك في دولة عربيّة، عندما تحتاج لتعاملات ماديّة، فلا تقلق من حاجز اللغة، فالأرقام تُنطق في اللغة المالطية كأنّها عربيّة تماماً. الرقم 1 على سبيل المثال ينطق بالمالطية (wahed) والرقم 2 ينطق (tnejn) والرقم 3 ينطق (tlieta) ورقم 4 (erbgha) أمّا رقم 5 فينطق كما هو أيضاً (hamsa)، بلهجة أقرب للهجات المغاربيّة العربية.
ولا يقتصر الأمر على الأرقام فقط، فهناك بعض الجُمل والتعبيرات التي يتطابق نطقها تماماً مع العربية باختلافاتٍ بسيطة جداً في اللهجة فقط، مثل كلمات: «مرحباً»، و «كيف أنتم؟»، و «ليلة طيبة»، و «كم يساوي؟».
هناك أيضاً بعض الأمثال التي لها أصلٌ عربيّ، مثل: «بلفلوس تعمل طريق في البحر» والتي تُقال بالمالطية «Bil-Flus taghmel triq fil-bahar»، ومثال: «اليوم أنا وغداً أنت» والتي تُقال «illum jien u ghada int»، وغيرها الكثير.
تاريخ اللغة المالطية
تقع مالطا في البحر الأبيض المتوسط على بُعد 80 كم فقط جنوب إيطاليا، وهي واحدة من أصغر دول العالم وأكثرها كثافة سكانية، ورغم كون مالطا بلداً صغيراً جغرافياً، فإنها تُعدّ من أثرى الأماكن في أوروبا ثقافياً وتاريخياً ولغوياً.
على مر القرون، تعاقَب على مالطا العديد من الحكّام، بمن في ذلك الفينيقيون والرومان والعرب والإسبان وفرسان القديس يوحنا والفرنسيون وآخرهم البريطانيون، فقد كانت مالطا دائماً جاذبة للقوى الأجنبية نظراً لموقعها المميز داخل البحر الأبيض المتوسط، والذي أتاح لها أن تُصبح قاعدة بحرية.
تُقدم اللغة المالطية نظرة جيدة لتاريخ البلاد، فقد تشكّلت اللغة وتمّت صياغتها بشكلٍ كبير من قِبَل الطبقات الحاكمة المختلفة في الفترات التاريخية المختلفة. فتجد أنّ أصول اللغة تُشبه إلى حد بعيد أصول البلد، فاللغة المالطية هي نتاج قرون من الاختلاط الثقافي، عند تحدُّث المالطية فستبدو لك مثل العربية مع عددٍ قليل من العبارات الإنجليزية، وعند كتابة المالطية، تبدو مثل الإيطالية مع مزيجٍ من بعض الرموز الغريبة.
اللغة المالطية، كما سبق الذكر، هي أقرب للهجة العربية، يكفي أن تسمع الأرقام باللغة المالطية لتكتشف مدى القُرب بينها وبين اللغة العربية، فهي تكاد تكون متطابقة بل يستحيل لعربي أن يسمعها دون أن يفهمها.
حدث التحول اللغوي أو التأثير الرئيسيّ في اللغة حوالي عام 1050، عندما استوعب العرب الحاكمون المجتمع في مالطا، وبدأوا ينخرطون فيه، وبدأت اللغة تتأثر تأثيراً مُباشراً باللغة العربية، وبعد انتهاء الحكم العربي الإسلامي في مالطا نشبت صراعات، جعلت المالطيين ينظرون إلى العرب كأعداء، ولكن وبالرغم من مئات السنوات من القطيعة، فإن اللغة العربية بقيت حاضرة في حياة المالطيين حتى يومنا هذا.
فيديو يشرح التشابه بين اللغتين المالطية والعربية
بعد فترة حكم العرب جاء الصقلِّيون وفرسان مالطا، وأدخلوا اللغات الصقليّة واللاتينية والإيطالية، حيث أعلن بعد ذلك اللغة الرسمية للبلاد، ولكن التأثير العربي ظل قائماً.
في القرن التاسع عشر، استولت بريطانيا على مالطا، فتمّ خلط اللغة الإنجليزية في المناخ اللغوي السائد في ذلك الوقت، ومن أوائل القرن التاسع حتى عام 1964، عندما أصبحت البلاد مستقلة، ترك سلسلة الحكام السابقين بصماتهم على جميع جوانب الحياة المالطية، ليس فقط في اللغة، وإنما أيضاً في الهندسة المعمارية والفنون، وصولاً إلى المأكولات الملونة للجزيرة.
اللغة المالطية حالياً
تطوَّر المالطيون وتغيّروا مع الجنسيات التي حكمت البلاد، أخذت اللغة عناصر جديدة، وتُعدّ المالطية والإنجليزية اليوم لغتين رسميتين للبلاد، ومن المثير للاهتمام أنه حتى عام 1959 كان التلفزيون متاحاً باللغة الإيطالية فقط.
مالطا أيضاً لديها ثقافة متعددة اللغات منسوجة في نسيج مجتمعها، فيمكن أن تجد علامات التسوُّق والقوائم باللغتين الإنجليزية والإيطالية، وتتمُّ قراءة الصحف على نطاقٍ واسع باللغتين الإنجليزية والمالطية.
ينطق بالمالطية ما يقرب من 450 ألفاً هم سكان جزيرة مالطا وجوزو، وتُعرف جوزو بالشقيقة الصغرى لجزيرة مالطا، بالإضافة إلى 100 ألف متحدث إضافي منتشرين في جميع أنحاء أستراليا والولايات المتحدة وكندا وإيطاليا والمملكة المتحدة.
اللغة المالطية هي اللغة الوحيدة الباقية من اللهجات العربية التي كان يتم التحدث بها في إسبانيا وصقلية في العصور الوسطى، وهي أيضاً اللغة السامية الوحيدة المكتوبة بالخط اللاتيني، فمنذ عام 1934، تمت كتابة المالطية بأحرفٍ لاتينية، وقد كان الناس يكتبون في بعض الأحيان بمزيجٍ من الحروف اللاتينية والعربية.
عندما انضمت مالطا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، أصبحت المالطية لغة رسمية، مما يعني أن الوثائق المهمة متاحة الآن في الترجمات المالطية.
يقول مايكل دي كوبرسون، أستاذ اللغة والأدب العربي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «بالنسبة لي، فإن سحر اللغة المالطية يتمثل في أن كل جملة يبدو أنها تلخص تاريخ البحر الأبيض المتوسط».