بعد إعلان وسائل إعلام أمريكية ومسؤولين أمريكيين بارزين عن مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي في عملية عسكرية أمريكية في سوريا صباح الأحد، تبعه تأكيد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل رسمي حول ذلك، تطرح تساؤلات عدة حول توقيت العملية الأمريكية، وتداعياتها على ما تبقى من إرث البغدادي في التنظيم الذي يعتبر لدى عواصم عدة الأخطر على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، كيف سيستفيد ترامب من هذه العملية التي ما زالت بعض تفاصيلها غامضة إلى حد كبير.
«مداهمةً محفوفة بالمخاطر»
في البداية، قال مسؤولون بارزون في الإدارة الأمريكية، إنَّ قوات العمليات الخاصة الأمريكية نفَّذت «مداهمةً محفوفة بالمخاطر» في شمال غرب سوريا فجر الأحد، ضد قياديٍّ إرهابي كبير هناك. لكنَّ شخصاً مقرباً إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال لمجلة نيوزويك، إنَّ المداهمة كانت تستهدف أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فيما ذكر مسؤولٌ بارز في الإدارة أنَّ الرئيس الأمريكي صدَّق على العملية قبل تنفيذها.
فيما قال مسؤولٌ أمريكي بارز لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّ أفراد الفِرقة الخاصة التي نفَّذت الهجوم، والمحللين ما زالوا يحاولون تأكيد هوية البغدادي، الذي قال المسؤولون إنَّه قُتل في العملية حين فجَّر سترته الانتحارية.
لكن لاحقاً، أكد مسؤول عسكري أمريكي لقناة فوكس نيوز الأمريكية، تأكيد هوية البغدادي ومقتله في الغارة على إدلب، بحسب نتائج الحمض النووي التي تم فحصها، تبعه خطاب للرئيس الأمريكي عصر الأحد، أكد فيه أن البغدادي أصبح ميتاً، وأن الكثير من رجال البغدادي قتلوا وسيتم إعلان عددهم بدقة في وقت لاحق
توقيت العملية.. لماذا فعلها ترامب الآن؟
كان البغدادي هدفاً لمطاردةٍ دولية مستمرة منذ سنوات، استهلكت موارد أجهزة الاستخبارات في أربعة بلدان مختلفة على الأقل، ويُعتَقَد أنَّ زعيم داعش كان يلتزم بإجراءات أمنية مشددة، حتى عند اجتماعه مع أقرب مساعديه. وقد نُشِرت عدة تقارير سابقة عن مقتله أو إصابته، لكنَّها كانت غير صحيحة، فهل كانت واشنطن عاجزة في السابق عن تصفيته، واستطاعت فعل ذلك الآن؟
حول توقيت تصفية زعيم داعش، قال مسؤولٌ أمريكي لنيويورك تايمز، إنَّ كبار المسؤولين العسكريين قرَّروا أنَّ قوات العمليات الخاصة يجب أن تتحرَّك بسرعة لمحاولة قتل «قياديين إرهابيين بارزين في شمال غربي سوريا، أو القبض عليهم قبل أن تفقد الولايات المتحدة تلك الإمكانية، في ظل انسحاب جزءٍ كبير من القوات الأمريكية من سوريا». تبين أن هذين القياديين هما البغدادي ومرافقه الشخصي الذي لم تحدد هويته بعد.
ويبدو أن ترامب قد اتخذ قرار تصفية البغدادي، بعد اتفاقية بوتين- أردوغان في سوتشي الأسبوع الماضي حول شمالي سوريا، التي عاد بعدها ترامب وقرر نشر قوات حول حقول النفط في سوريا ربما كانت غطاءً لهذه العملية. وبالطبع أراد ترامب الآن تحقيق مكاسب إعلامية جديدة، ونصراً دعائياً سيستخدمه كثيراً في الانتخابات القادمة، كما فعل خلفه باراك أوباما بتصفية أسامة بن لادن في باكستان عام 2011.
وما يدعم هذا الأمر، هو ما قاله مسؤولٌ أمريكي لـنيويورك تايمز، أكد فيه أن عملية تصفية البغدادي تم التخطيط لها على مدار أسبوع كامل، وبموافقة ترامب، تحت إشراف مباشر من الجنرال جون برينان جونيور، بصفته نائب قائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية التابعة للجيش الأمريكي.
وأكد المسؤول الأمريكي أنَّ قوات العمليات الخاصة من فِرقة «دلتا فورس» نفَّذت المهمة بمساعدة معلوماتٍ استخباراتية واستطلاعية ميدانية من وكالة الاستخبارات المركزية.
وبغضّ النظر عن كيفية وصول البغدادي لإدلب، حيث أحد أكبر معاقل خصومه (جبهة النصرة) سابقاً، تتضارب الأنباء والمعلومات عن الجهات أو الدول التي شاركت الأمريكيين في القضاء على البغدادي، إذ قال مسؤول تركي رفيع المستوى لرويترز إن الجيش التركي كان لديه علم مسبق بالعملية الأمريكية في محافظة إدلب السورية، وإن تركيا ستُواصل تنسيق تحركاتها على الأرض «مع الأطراف المعنية».
فيما أعلنت (قوات سوريا الديمقراطية) الكردية، أنها تعاونت مع الولايات المتحدة في «عملية ناجحة» ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في إشارة فيما يبدو لتقارير مقتل البغدادي.
لكن في الوقت نفسه، قال مسؤول بالمخابرات العراقية لرويترز إنّ جهاز المخابرات العراقية زوّد التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالإحداثيات الدقيقة لموقع البغدادي، مما مهد الطريق لتنفيذ غارة يقال إنها أدّت لمقتله.
فيما أعلن ترامب في خطابه، أن واشنطن بدأت تتلقى معلومات «إيجابية جدا» حول مكان البغدادي قبل شهر من تنفيذ العملية، على حد تعبيره. مضيفاً أن التنظيمات الكردية زودت واشنطن ببعض المعلومات «التي كانت مفيدة»، شاكراً في الوقت نفسه روسيا وسوريا وتركيا والعراق على دعمهم في هذه العملية.
بعد رحيل البغدادي.. ماذا تبقّى من إرثه؟
يقول كل من المرصد السوري ومجموعة الأزمات الدولية، إن تنظيم داعش ما زال يحتفظ بخلايا في مختلف المناطق السورية. فصحيح أنه تعرَّض للهزيمة في سوريا والعراق، لكن لم يخرج من المعركة تماماً. إذ لا يزال التنظيم نشطاً، لكن في نطاق جغرافي ضيق، وعليه، يُحتمل أن تعود بعض خلايا التنظيم للانتقام بشكل أو بآخر لمقتل زعيمها، لكن من المؤكد أن الضربة التي تلقاها التنظيم بتدمير كامل قيادته ستُشتته بشكل كبير وستؤدي في النهاية لاندثاره.
وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، فإن «داعش» يعمل الآن في العراق بصورة عصابات صغيرة شبه مستقلة ومنتشرة في أكثر المناطق الوعرة في البلاد، بما في ذلك الجبال والصحاري. ومن هذه المخابئ يخرج مقاتلو «داعش» للاعتداء على المناطق الريفية؛ فيخطفون السكان ويبتزونهم ويقتلون ممثلي الدولة. وأصبحت عناصر «داعش» لا تشنّ سوى هجمات بسيطة، ولم تُنفِّذ عمليات معقدة أو على نطاق واسع إلا على فترات متقطّعة. وحتى الآن، لا يبدو أنها تمكنت من التسلل للمدن الرئيسية في العراق.
تقول المجموعة إن التنظيم يُحتمَل أن يعود للصعود في سوريا أيضاً، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من شمالي سوريا، مشيرة إلى أن وجود اضطرابات في الفراغ الأمريكي بسوريا كاستمرار الصراع بين تركيا و(قوات سوريا الديمقراطية) على طول الحدود السورية-التركية سيُخفف من الضغط على «داعش»، الذي فقد آخر مواقع سيطرته في المنطقة، بهزيمته في شرقي سوريا، في مايو/أيار 2019، لكنه لا يزال قائماً بوصفه جماعة متمردة.
وكالات الأنباء