نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تفاصيل مثيرة عن الأيام الأخيرة لزعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي، الذي قتلته قوات أميركية خاصة مطلع الأسبوع الجاري في سوريا.
وبحسب الصحيفة، فقد دفع داعش عشرات الآلاف من الدولارات لتنظيم “حراس الدين” الموالي للقاعدة، من أجل توفير حماية للبغدادي في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا، حيث ينتشر عناصر القاعدة.
لكن هذا الإجراء لم يحل دون وصول الولايات المتحدة إلى البغدادي، الذي كان يعتبر المطلوب الأول في العالم، إذ وشى به أحد أقرب المقربين منه، وقدم معلومات ساهمت في قتله، وفق ما قال مسؤولان أميركيان مطلعان على الأمر.
67 ألف دولار
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن باحثين عثروا على إيصالات مالية تثبت دفع داعش لنحو 67 ألف دولار أميركي، مقابل حماية البغدادي في إدلب، التي تفاجأ الكثيرون بشأن وجود زعيم التنظيم الإرهابي فيها.
وبدا غريبا أن البغدادي يوجد في منطقة يسيطر عليها تنظيم “حراس الدين” الذي كان يعتبر داعش عدوا له، كما أن التنظيمين خاضا اقتتلا وتبادل قتل عناصرهما، لكن زعيم داعش تمكن من إقناع أعضاء حراس الدين لاحقا بالانتقال إلى مناطقهم.
وظهرت تفاصيل جديدة عن عملية البغدادي، الأربعاء، منها أن القوات الأميركية تمكنت من الاستيلاء على عدد من الحواسيب والهواتف المحمولة في مجمع الذي قتل فيه البغدادي بقرية باريشا بإدلب.
وأمضى زعيم داعش الشهور الأخيرة في فيلا معزولة في القرية، الواقعة في المحافظة التي تسيطر عليها جماعات إرهابية، وتبتعد مئات الكيلومترات عن أراضي “الخلافة” المزعومة على الحدود بين سوريا والعراق.
وبسبب العداء العلني بين داعش و”حراس الدين”، بدا أنه من المستحيل أن يلجأ البغدادي إلى مناطق يسيطر عليها الأخير، لكن مع الوقت ظهرت مؤشرات أن البغدادي سيذهب إلى هناك.
وعثر شخص يدعى أسعد المحمد، وهو عميل مخابرات أميركي متقاعد، على إيصالات مالية بين داعش و”حراس الدين”.
والإيصالات الثمانية التي وجدت مؤرخة من مطلع عام 2017 إلى منتصف عام 2018، هي لقاء تقديم خدمات الحماية والإعلام والرواتب والنفقات اللوجستية.
وتحمل الإيصالات المالية شعار ما يسمى بـ”وزارة الأمن” في داعش، كما وقّع عليها مسؤولون في “حراس الدين”.
ويظهر أحد الإيصالات الصادرة في صيف عام 2018، أن داعش دفع 7 آلاف دولار إلى التنظيم الموالي للقاعدة، مقابل تأمين وصول عناصر داعش من “ولاية الخير”، وهو الاسم الذي أطلقه التنظيم الإرهابي على محافظة دير الزور بشرق سوريا، عندما كانت خاضعة لسيطرته.
وكانت هذه المنطقة واحدة من آخر الجيوب التي كان يسيطر عليها داعش، قبل أن يخسرها في مارس من العام الجاري.
وقال المحمد، وهو باحث في برنامج جامعة جورج واشنطن للتطرف، إن الإيصالات تظهر أنه حتى في المرحلة التي كان التنظيمان يعاديان بعضهما علنيا، كان داعش يحاول اختراق “حراس الدين”.
أما الباحث أيمن التميمي، الذي وصف نفسه بــ”باحث سوري مستقل”، فقال إن السجلات لا تشير إلى وجود “تحالف” بين التنظيمين، متحدثا عن إعلانات عدائية صدرت عن الطرفين.
لكن عندما اطلع على الإيصلات، قال إنها “لا تبدو مزورة، بناء على المصطلحات المستخدمة وتطابق الرموز الموجودة فيها مع السجلات الأخرى لداعش”.
وأضاف أنه إذا ثبتت صحة هذه المستندات، فإنها تظهر وجود “قناة خلفية” لتحويل الأموال بين داعش وقادة “حراس الدين”.
وبحسب نيويورك تايمز، فإن إشارات ظهرات منذ فبراير الماضي تفيد بأن داعش بدأ يتخذ ملجأ في إدلب القريبة من الحدود التركية والتي تخضع لجماعات موالية لتركيا.
وخلال هذا الفترة، بدأت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة مفاوضات مع مسلحي داعش المحاصرين في شرقي سوريا.
وأثناء هذه المفاوضات، طالب الدواعش بالمرور الآمن إلى إدلب، الأمر الذي أظهر أنهم ربما حصلوا على موطئ قدم هناك.
وقال المسؤولان الأميركيان، اللذان تحدثا شريطة عدم ذكر اسمهما، إن البغدادي وصل إلى المجمع السكني في بريشا في إدلب بحلول يوليو الماضي.
ولمدة ثلاثة أشهر ونصف، ظل البغدادي معزولا داخل المجمع، وعملت المخابرات الأميركية على المراقبة في المنطقة.
لكن واشنطن اعتبرت في البداية أنه من الخطر للغاية بالنسبة للقوات الخاصة أن تدخل بسبب وجود جماعات مرتبطة بالقاعدة، كما أن روسيا والحكومة السورية تسيطران على المجال الجوي.
وحدث ما لم يتوقعه البغدادي، فالخيانة جاءت من أقرب مقربين له، وليس من مسلحي “حراس الدين”.
وقال المسؤولان الأميركيان إن البغدادي تعرض للخيانة من قبل أحد الأشخاص القلائل الذين يثق بهم ووصفاه بـ”صديق مقرب للبغدادي”، ولم يكشفا عن هوية المخبر خوفا على سلامته.
ومن جانبه، كشف قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أن قواته هي التي جنّدت المخبر الذي أوشى بالبغدادي، مشيرا إلى أنه سرق ملابس داخلية للبغدادي وحصل على عينة من دمه لفحص الحمض النووي، والتأكد أن الشخص الموضوع تحت المراقبة هو البغدادي بعينه.