بدأ المعرض الدولي للكتاب، في استقبال زائريه مع بداية الدورة الـ24، بقصر المعارض بالصنوبر البحري بالعاصمة. بمشاركة 992 دور نشر عربية وأجنبية تضم 180 ألف عنوان، ومشاركة أكثر من 34 دولة، وحوالي 240 منظمة وهيئة ومؤسسة تعنى بالكتاب، ومن خلال هذا العرس الثقافي، تحتفي الجزائر ممثلة في الأسرة الأدبية والثقافية والمهتمين بشتى العلوم والمعارف والمتخصصين. وتحل السنغال ضيفة شرف لهذه الطبعة التي تحتضنها الجزائر إلى غاية يوم 9 نوفمبر.
ورغم أن المعرض الدولي للكتاب يفتح شهية الأسئلة حول الكتاب وناشره، والقارئ والمشهد الثقافي وما بينهما من علاقة حتمية، إلا أنها تأتي رخوة في ظل تجمعهم تحت سقف المعرض الدولي للكتاب واحد يجتمع فيه مئات الآلاف من العناوين ومئات دور النشر التي تجعل القارئ يحتار أين ييمم وجهه، لكن ما هي إلا أيام ويعود كل شيء إلى ما كان عليه حتى أننا نادراً ما نقرأ مراجعة لأحد تلك الكتب التي تم اقتناؤها من المعرض الدولي للكتاب أو مراجعة لأفكار سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية حضرت إلى معرض الكتاب عبر أطروحات علمية وبحوث ودراسات تستحق المراجعة.
وما من شك أن المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، يعد تظاهرة ثقافية سنوية عظيمة الأثر والشأن تتاح فيها الفرصة للجميع لإثراء معارفهم من خلال اقتناء الكتب واختيار العناوين التي تناسب توجهاتهم وتخدم تخصصاتهم العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يحرص المنظمون على إدخال الجديد من المعارف والعلوم…
وهذه الفسحة الثقافية الاستثنائية تستحق أن نشكر عليها القائمين على المعرض الدولي للكتاب الذين استطاعوا أن يصمدوا به خلال دوراته السابقة رغم كل التحديات التي تحيط به وتحيط بعالم النشر والقراءة في العالم العربي… لكن معرض الجزائر الدولي للكتاب، استطاع البقاء وترسيخ نفسه ليكون بين أهم المعارض العربية بمنطقة المغرب العربي…
لكن هذا لا يعني أن لا مآخذ على المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، بل هي كثيرة لو أردنا البحث عنها ولكن الحق أيضاً أن التطور في معرض الجزائر الدولي للكتاب، يسير وفق فعل تراكمي جيد وفق الإمكانيات ووفق الجو العام للمشهد الثقافي في الجزائر الذي لا يمكن أن ينفصل عنه المعرض الدولي للكتاب. وإذا كان قدوم معرض الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الرابعة والعشرين، يُدخل الفرحة والسرور في قلوب زواره، ولكنه يعيد طرح الكثير من الأسئلة التي نتناساها غالباً وهي أسئلة ملحة من قبيل ماذا قرأنا مما اقتنيناه من المعرض الماضي. وربما أثار ثيمة الخجل فينا عندما نلتفت إلى الكتب الكثيرة التي اقتنيناها من الدورة الماضية ولم يأت دور قراءتها بعد رغم أننا كنا نعتقد أن قراءتها أمر ملح جداً لحظة شرائها.
نسعد كثيراً عندما نرى المواكب تخرج من معرض الكتاب محملة بأكياس ممتلئة بالكتب، لكن نتساءل: إلى متى سنبقى مصابين بمرض ”الاستسهال” في معرض الكتاب السنوي، نلم كل شيء، على اعتبار أنّ ما قد يفوتنا لن نعوضه إلا في العام الذي يليه؟ ما الصعوبة التي تقف في وجه تبني مشروع بيع الكتاب الجزائري وغير الجزائري والتعامل معه على أنه سلعة يجب أن تصل إلى أكبر كم من الشرائح الجزائرية المهتمة بالقراءة؟ وإلى متى سيبقى الكتاب في حيز الإهداءات والتوقيعات المجانية؟
من وجهة نظري أظن أنّ المشكلة هنا تنقسم إلى شطرين: الأول، نحن في أمس الحاجة إلى كتابة قانون جديد يتناسب مع روح التغيرات التي أصابت إعلامنا وكتاباتنا ومتطلبات حياتنا الجديدة، وشطر آخر من المشكلة يتعلق بغياب المستثمر الجزائري القادر على خوض هذه المغامرة، إذ بالتأكيد لن يدر أرقاماً خيالية جرّاء افتتاح مكتبة.
اللجنة المنظمة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، شاءت أن يكون نافذة ثقافية، لكن أحلام المثقف تريد منها أن يكون أوسع بكثير من النافذة، تريده حالة ثقافية مستمرة وباقية، بأنشطته وخططه ومشاريعه، وعلاقاته مع المؤسسات الثقافية، داخل الجزائر وخارجها خلال أشهر العام، وليس لعشرة أيام معدودة، وأن تكون له مشاركة باسمة في مختلف المعارض الثقافية، ذاهبين به إلى أن يكون له رأي في المستجدات الثقافية الجزائرية والعربية، بنظرة أبعد من كونه معرضاً اعتيادياً للكتب…
وهذا ما نرجوه من اللجنة المنظمة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، أن تعطي أهمية للفعاليات الثقافية التي تقام على هامشه، وأن تنهض بالكتاب الجزائري. ألا تصبح فقط أسيرة أدبيات المديح، التي تسمعها الإدارة من بعض الناشرين، وحديثهم المتكرر سنوياً بأن معرض الجزائر الدولي للكتاب، من ”أفضل” معارض الكتب العربية تنظيماً، وإن كان هذا صحيحاً وصادقاً، إلا أن الحال ذاته يتكرر في معارض كتب مختلفة أيضاً، لها أيضاً إداراتها التي تتوخى العرض الحَسَن لتوزيع الكتب وأماكن دور النشر…
ولو سألنا ناشراً يشارك في معرض ما، لقال: إنه من أفضل معارض الكتب، هذه الأفضلية تتكرر في كل دورات معارض الكتب العربية، لذلك نرجو ألا تبقى إدارة المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، مأخوذة ومجذوبة بإيقاع حديث المديح العذب فقط، وكأن التنظيم الحَسَن هو أكثر ما يشغل الإدارة، وأنا شخصياً أتيحت لي فرصة زيارة مجموعة من معارض الكتب العربية، فوجدت جميعها تمتاز بالتنظيم الحسن…
طموحات المنظمين للمعرض الدولي للكتاب بالجزائر كبيرة، والجهود المبذولة واضحة للعيان، ولكن لابد من تجديد الخطاب بين الحين والآخر، ومعه تتجدد الرسالة، ولا ضير من النقد الهادف، الذي يَبني ولا يَهْدِم، ويعترف بالجميل ولا ينكر الفضل، وجهد اللجنة المنظمة منذ بداياته مشكور لا ينكره أحد، إذ لولا الجهود المبذولة لما نجح معرض الكتاب الدولي أن يصل إلى الطبعة 24، ولكننا نطمح إلى مزيد من التطوير، فقد كثر الكتاب والناشرون، وفي كل دورة من دورات المعرض الدولي للكتاب، يتقدم العديد من الكتاب الجزائريين في مختلف المجلات بإصدارات جديدة، تدخل الساحة الثقافية كوليد جديد يضيف بهجة في العائلة السعيدة.
نحن فرحون جداً بالمعرض الدولي للكتاب، وفرحون كثيراً بالإصدارات الجزائرية والعربية الحديثة، التي تبشر بخير ثقافي قادم، وهي إبداعات صادقة لا مراء فيها ولا غلو ولا مبالغة، فلا حجر على أي كتاب كما قال، ولم الحجر في زمن النشر الإلكتروني؟ لقد أصبح القارئ واعياً بالكتاب المهم، ولا يشتري إلا الكتاب المهم، فقد انتهى الخوف والتوجس من الكتب، وأصبح العالم مفتوحاً على سموات افتراضية، أصبح مزيجاً من الحقيقة والوهم، مثلما أصبح الفضاء مشحوناً بالمعلومات، ومليئاً بالمعرفة.
فأرقام دور النشر المشاركة والعناوين توضح دور المنظمين في عملية التجديد وزيادة جرعة المعروض من العناوين والكتب والمؤلفات التاريخية والإبداعية والفكرية… كما تبين الحركة العلمية وحركة التأليف المصاحبة وتوسعها، والرغبة في احتضان كل جديد على الساحة العلمية والثقافية والأدبية والمعرفية ومختلف الفنون، لذلك يحق للوسط الثقافي والعلمي في الجزائر وخارجها أن يحتفي بالمعرض الدولي للكتاب لكونه رافداً من روافد الفكر والمعرفة، وتظاهرة الجميل فيها أنها تتكرر كل عام والأجمل حصادها المعرفي، إلى جانب أنواع الحصادات الأخرى.