مطلع الشهر الجاري أيضاً أجريت انتخابات محلية في بعض الولايات الأميركية لعدد محدود من المناصب، منها حكام الولايات ومجالس الكونغرس المحلية، اسفرت نتائجها عن خسارة كبيرة للحزب الجمهوري ومؤيديه في ولاية فرجينيا، مما حفز التكهنات الانتخابية للعام المقبل بصعود مرشحي الحزب الديموقراطي في مراكز حيوية. كما حقق الحزب الديموقراطي فوزاً بمجلسي الولاية، الهيئة التشريعية، لأول مرة منذ عقد التسعينيات من القر ن المنصرم.
من العلامات الفارقة في الانتخابات المحلية لولاية فرجينيا فوز مرشحة “مسلمة من أصول هندية” لمقعد في مجلس نواب الولاية، مما حمل يومية نيويورك تايمز على وصفها بأنها “علامة فارقة .. تعكس زيادة انخراط المرأة المسلمة في السياسة.” الفائزة بالمنصب غزالة هاشمي هاجرت للولايات المتحدة برفقة والديها وهي بعمر 4 سنوات، حصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة الإنكليزية.
الولاية الحيوية الأخرى هي كنتاكي معقل رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، إذ فاز المرشح الديموقراطي (آندي بيشير) بمنصب حاكم الولاية، والذي شغل والده منصب آخر حاكم ديموقراطي للولاية لفترتين متتاليتين. يشار إلى أن الرئيس ترامب فاز بأصوات الولاية بفارق 30 نقطة مئوية في جولة الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
اللافت في نتائج هذه الولاية، التي تميل بغالبيتها للحزب الجمهوري، برنامج الفائز بيشير الذي ركز على سياسات الرئيس ترامب بتقليص حجم الخدمات الصحية ورواتب التقاعد للمسنين؛ بينما حافظ مجلسي كونغرس كنتاكي على أغلبية للحزب الجمهوري.
ولاية الميسيسيبي، أقصى الجنوب، حافظت على تأييدها لمرشحي الحزب الجمهوري، في ظل حرص الرئيس ترامب على زيارتها في الحملات الانتخابية لتأييد مرشحي حزبه.
وحقق الحزب الجمهوري تقدماً ملحوظاً بعد فوز مرشحيه لمناصب مجلسي ولاية نيو جيرسي، بيد أن أغلبية المقاعد لا تزال تصب في صالح خصومه الديموقراطيين. الفوز المحقق كان محدوداً في منطقة جغرافية جنوبي الولاية تميل بغالبيتها للتيارات المحافظة.
انتخابات مدينة سياتل بولاية واشنطن، أقصى الشمال الغربي، شهدت منافسة حادة بين رؤوس الأموال الضخمة التي ضختها شركة أمازون تقّر بعدة ملايين من الدولارات لدعم مرشحها لمجلس البلدية ضد العضو “الاشتراكية” كشاما سوانات التي عارضت بشدة التسهيلات المقدمة للشركات الكبرى حلال توليها منصبها.
كما شهدت مدينة هيوستون بولاية تكساس انتكاسة أخرى للمرشح الديموقراطي لمنصب عمدة المدينة، بفارق بسيط بين المرشحين مما سيضطرهما إعادة جولة الانتخابات الشهر المقبل، وفق قوانين الولاية الناظمة للعملية الانتخابية.
عند السعي لاستقراء النتائج الأولية لتلك الانتخابات المحدودة من العسير البناء على استنتاجات تؤيد الحزب الديموقراطي بشكل خاص، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار تعدد المشارب والعوامل التي أدت لفوز مرشحيه، بعضها يعود للآلية الحزبية المنظمة وبعضها الأخر لطبيعة المرشح، كما شهدت ولاية كنتاكي.
المحصلة العامة لنتائج الانتخابات في هذه المرحلة المبكرة لا تدل على تحول كبير في المزاج العام من مسار التحقيقات الجارية في مجلس النواب لعزل الرئيس ترامب، على الرغم من توجيه بعض معاونيه السابقين تفسيرات تدعم التهم الموجهة إليه فيما عُرف بفضيحة “أوكرانيا غيت.”
أحدث استطلاعات الرأي ايضاً لا تدعم فرضية عزله، إذ جاء في استطلاع أجرته شبكة فوكس نيوز أن 51% تؤيد مسار التحقيق لعزله، وهي أعلى نسبة سجلت في هذا الصدد، لكنها لا تؤشر على أغلبية ساحقة كما يرغب الحزب الديموقراطي.
وأشار استطلاع موازٍ أجرته جامعة مونماوث، بولاية نيوجيرسي، إلى فقدان ثقة الأغلبية المطلقة من المستطلعة آراؤهم، 73%، في مسارات التحقيق؛ بينما أعرب نحو 60% من الديموقراطيين عن رغبتهم بإزاحة ترامب بصرف النظر عن طبيعة الحقائق والملابسات. في قراءة أخرى لتلك النتائج، نستطيع القول إن أغلبية الآراء تشير إلى مقارعة الرئيس وهزيمته في الانتخابات المقبلة.
تلك النتائج ينبغي أن تنعكس على إجراءات التحقيق الجارية في مجلس النواب، في ظل مناخ ديموقراطي سليم. بيد أن تشبث الحزب الديموقراطي بالتحقيق بغية العزل لا يمثل النبض العام من ناحية، ويضعه في مغامرة العزل وما يرافقها من انقسامات واصطفافات حادة داخل المجتمع بأكمله، عوضاً عن تحشيد الإمكانيات الانتخابية لهزيمة الرئيس ترامب في الانتخابات المقبلة.
إصرار قادة الحزب الديموقراطي المضي بإجراءات التحقيق يعود للرغبة في التوصل لبعض التفاصيل التي يمكن البناء عليها لإقصائه، وهي مغامرة غير محسوبة النتائج بدقة لعدم توفر أدلة تدعم تلك الرغبة بعد مضي نحو ثلاث سنوات على مساعي الإطاحة بالرئيس ترامب. بل أن قراءة واقعية لنتائج استطلاعات جامعة مونماوث، أعلاه، تقود المرء للاستنتاج بأن الغالبية الشعبية لا تثق بتصرفات وخطط الحزب الديموقراطي في مجلس النواب.
أما المرشح “الأقوى” لدى الحزب الديموقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن، أضحى يعاني من صعوبات متعددة وهفوات في الأداء أسهمت في تراجع نسبة التأييد الشعبي من ناحية، وتقلص حجم التبرعات المالية من مصادر مؤيدة للحزب بشكل عام.
الدخول المحتمل لعمدة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، لحلبة السباق الرئاسي يؤشر على تبلور قناعة شبعه قاطعة داخل مراكز القرار في الحزب الديموقراطي بأن المرشح بايدن في طريقه ليصبح عبأً عليه وينبغي انقاذ ما يمكن إنقاذه بعيداً عن تأييد المركز للمرشحيْن البارزين، بيرني ساندرز واليزابيث وارين.
في مواجهة تلك اللوحة في معسكر الحزب الديمقراطي، لا تزال قاعدة مؤيدي الرئيس ترامب تحافظ على تماسكها وتأييدها له، على الرغم من سيل الاتهامات والانتقادات الموجهة له. بل تميل قاعدة مؤيديه إلى “إهمال” الحملات المناوئة له وتبني سرديته بأنها ثمة “أنباء مفبركة.”
عند الأخذ بتلك المعطيات بعين الاعتبار، يمكننا القول أن قادة ومراكز قرار الحزب الديموقراطي أقلعت عن المنافسة الانتخابية الصرفة نتيجة “ضعف” مرشحيها المفضلين، واعتمدت أسلوب التحقيق والمضي به إلى النهاية كاستراتيجية بديلة.
يبدو أن الحزب الديموقراطي غير عابيء بنتائج التحقيق الحقيقية، خاصة وأن مسار ثلاث سنوات متواصلة لم يكشف عن انتهاكات صارخة قام بها الرئيس تستدعي اقصاءه، بل يمضي في إهمال ما يمكن أن تنجزه أغلبيته العددية في مجلس النواب ،و تركيز جهودها لسن تشريعات تحظى بتأييد العامة وتدعم حظوظ مرشحيه، وهي الخطة “السرية” المفترضة لكسب الانتخابات كما يدل المسار التاريخي للانتخابات الأميركية.
الإنطباعات الراهنة حول توقعات المراقبين لنتائج الانتخابات المقبلة تدعم فوز الرئيس ترامب نظراً لتماسك قواعده الانتخابية، مقابل انقسامات متعددة داخل صفوف خصومه، خاصة اذا لم تبرز فضائح او انتهاكات جديدة دامغة تطاله ، فضلاً عن دروس التاريخ السابقة التي تشير إلى نجاح الرئيس بولاية ثانية في معظم الانتخابات الرئاسية الأميركية، باستثناء حالتي الرئيسين جيمي كارتر وجورج بوش الأب.