أجرى امجد مكي رئيس تحرير موقع رؤية نيوز الإخباري، حوارًا مع السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
مصر دائما تتميز بأبنائها المخلصين في الوسط الدبلوماسي، الذين تميزوا بأعمالهم خارج مصر وفي المحافل الدولية.
والعمل الدبلوماسي في مصر له مدارس يتخرج فيها كل من يلتحق بهذا المجال في وزارة الخارجية المصرية والسفارات والقنصليات وبعثات مصر الدبلوماسية في الخارج.
ولقد أدى الكثير من الدبلوماسيين المصريين أعمالاً متميزة أضفت قوة ومصداقية لمصر وللدبلوماسية المصرية العريقة على مر الأزمنة.
وقد حمل السفير محمد إدريس مسئولية العمل الدبلوماسي المصري في واحدة من أكبر البعثات المصرية بالخارج في مدينة نيويورك، وأكثرها تأثيرا في مراكز صنع القرارات الدولية وهي بعثة مصر لدى الأمم المتحدة.
إلى نص الحوار
في بداية اللقاء نوجه الشكر لحضرتك لإتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار معكم.
س: في بداية اللقاء نود أن نعرف السادة القراء بسعادة السفير/ محمد إدريس وكيف تدرج في المناصب الدبلوماسية حتى وصل لهذا المنصب المرموق؟
ج: شكرا جزيلا لك وسعيد بهذا اللقاء معكم ومع القراء الأعزاء ..
أشغل حالياً منصب رئيس بعثة مصر لدى الأمم المتحدة، ونلت شرف هذا المنصب بعد رحلة طويلة شاقة في العمل الدبلوماسي تجاوزت الثلاثين عاماً ..
بدأ هذا المشوار في سفارتنا بواشنطن عام 1990 إلى عام 1994، ثم عملت بعد ذلك بسفارتنا في أنقرة بتركيا، ثم في سفارتنا بدمشق في سوريا، ثم حضرت إلى الأمم المتحدة كعضو في وفد مصر الدائم لدي الأمم المتحدة لمدة 4 سنوات منها ثلاث سنوات كنت نائب للمندوب الدائم لوفد مصر لدى الأمم المتحدة، ثم انتقلت بعد ذلك للعمل كسفير لمصر لدي إثيوبيا ومندوباً دائماً لدى الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا في أديس أبابا، وعدت للقاهرة كمساعد لوزير الخارجية للشئون الأفريقية، وفي فبراير 2018 شرفت بالحضور إلى هذا المنصب كسفير لمصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
س: ماهي أهم الخطوط العريضة لخطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقاه في المحفل الدولي في الامم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي؟
ج: تتضمن مشاركة القادة والرؤساء في أعمال اجتماعات الأمم المتحدة سنوياً فعاليات عديدة منها مشاركتهم في الاجتماعات الأممية الرفيعة المستوى، وأيضا المقابلات الثنائية بين رؤساء الدول علي هامش فعاليات الأمم المتحدة.
وهناك جزء يتعلق ببيان مصر وكلمتها أمام الجمعية العامة، وكان رئيس مصر هذا العام أول المتحدثين، عقب رئيس البرازيل، والدولة المضيفة الولايات المتحدة اللذين يتحدثان على النحو التقليدي المتبع في بداية كل جلسة للجمعية العامة.
تناولت كلمة مصر شواغل واهتمامات القارة الأفريقية خاصة قضايا التنمية، والسلم والأمن في القارة الأفريقية، حيث يعد هذان الموضوعان متصلان عضوياً تجمعهما روابط مشتركة نظراً للتأثير المتبادل للسلم والأمن على التنمية والعكس، وقد ركز بيان مصر على الشواغل الأفريقية خاصة مع رئاسة مصر هذا العام للاتحاد الأفريقي.
كما تضمنت كلمة السيد الرئيس أيضا الحديث عن القضايا السياسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى العديد من القضايا والأزمات في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، بجانب تناول الأولويات التي تعطيها مصر لموضوعات الشباب والمرأة، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية، بالإضافة إلى جهود مصر في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف من أجل القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل المنطقة العربية والقارة الأفريقية والعالم بأكمله، كما تضمنت الكلمة أيضا موضوع إصلاح وتطوير منظمة الأمم المتحدة لجعلها أكثر كفاءة وفاعلية وتكاملاً مع الاحتياجات الملحة للشعوب خاصة الدول النامية.
س: هل لسيادتكم أن تحدثونا قليلاً عن أجندة مصر فيما يتعلق بملفات مثل أمن وسلامة الممرات المائية؟
ج: في هذه القضية هناك مصالح كبري لمصر، حيث أن مصر تمر بها إحدى أهم الممرات المائية الدولية وهي قناة السويس وأيضاً البحر الأحمر والبحر المتوسط وقضية سلامة الممرات المائية والبحرية تهم العالم كله وليس مصر فقط.
فمصر لها مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية في مجال الأمن الملاحي، وبالطبع فنحن نتعامل مع هذا الأمر من زاوية القواعد القانونية الدولية التي تنظم المرور الآمن في هذه الممرات وتحرم التعدي علي حرية الملاحة أو تهديدها.
وهناك أيضاً قضية الإرهاب حيث ان هناك أشكالاً مستحدثة من الإرهاب لاستهداف حرية الملاحة في الممرات المائية، وهذا الأمر يحتاج إلي تعاون عدة أطراف إقليمية ودولية لضمان حرية الملاحة في ضوء القواعد القانونية الدولية ذات الصلة.
س: وماذا عن ملف حقوق الإنسان وكيف يتم الرد علي تقارير منظمات حقوق الإنسان والجهات الخارجية؟
ج: مصر تحرص على تناول موضوعات حقوق الإنسان من زاوية أهميتها لذاتها ولشعبنا الذي يستحقها وليس كرد فعل لمطالب أو ضغوط خارجية، وبصورة موضوعية عبر توضيح الحقائق الخاصة بطبيعة الأوضاع في مصر للمجتمع الدولي خاصة في ظل حرص مصر على تحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات وتوفير حياة كريمة للمواطنين المصريين.
كما تحرص مصر على إبراز الجهود الوطنية الجارية لتحقيق التنمية الشاملة عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي، فضلاً عن جهود تطوير الخدمات الأساسية للمواطنين، وذلك في ظروف وتحديات صعبة اتصالاً بظاهرة الإرهاب المدمر لطاقات وقدرات الشعوب، وكذلك حالة التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي التي تحيط بمصر وجوارها الجغرافي وتؤثر على اعتبارات الأمن القومي المصري.
س: إذا كان النظام العالمي مختل التوازن، فأي جديد خرجت به منظمة الأمم المتحدة في دورتها الـ74؟
ج: بالطبع يشهد العالم تغيرات كبيرة تتمثل في صعود قوى جديدة على الساحة الدولية، مما يفرض تحديات على الأمم المتحدة في ظل الحديث الجاري حاليا عن الإصلاح، ورغبة كافة الأطراف في إجراء تطوير حقيقي بالمنظمة الدولية يراعي ما يشهده عالم اليوم من تغيرات خاصة أن الظروف والأوضاع التي شهدت نشأة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية قد تغيرت تماماً مقارنة بالأوضاع على الساحة الدولية اليوم.
يضاف إلى ذلك أن أجندة الأمم المتحدة قد تطورت وأصبحت هناك موضوعات عديدة تحظى بالاهتمام الدولي مثل قضايا الاقتصاد والتنمية المستدامة والتجارة والمرأة والشباب، حيث غدت تلك القضايا تحتل أولوية متقدمة في سلم اهتمامات المجتمع الدولي.
وفي هذا الإطار، أود الإشارة إلى أهداف التنمية المستدامة وخطة 2030 التي تسعى للتعامل مع مختلف جوانب النشاط الإنساني من بنية تحتية ونقص المياه وتغير المناخ والصحة والتعليم، وما يتطلبه ذلك من موارد ضخمة.
ومن هنا، يأتي دور الأمم المتحدة في توفير الإطار الملائم للتحاور والتنسيق والتعاون بين مختلف الدول من أجل مواجهة تلك التحديات وحشد الموارد والطاقات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
س: ما هي الرؤية المصرية في التعامل مع قضية الإرهاب؟
ج: تعد قضية مكافحة الإرهاب ذات أولوية لمصر في ضوء ما تمثله تلك الظاهرة من تهديد للأمن والاستقرار في مصر والعالم أجمع.
ومصر لها خبرة واسعة في مكافحة هذه الظاهرة، فضلاً عن الدور الرائد للأزهر الشريف والكنيسة القبطية في مكافحة الفكر المتطرف ونشر المبادئ الدينية الوسطية.
وقد تولت مصر خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب التابعة للمجلس عامي 2016 و2017، حيث صدرت العديد من القرارات المهمة خلال تلك الفترة.
وتؤكد مصر دائماً على أهمية الرؤية الشاملة والمقاربة المتكاملة أمنياً وتنموياً ودينياً وثقافياً في مكافحة ظاهرة الإرهاب، بالإضافة إلى أهمية اتخاذ خطوات جادة من قبل كافة الدول من أجل تجفيف منابع تمويل الإرهاب وتوفير التدريب والملاذ الآمن لأفراده.
س: ماهي دلالات الدور المصري لاستقرار دولة ليبيا؟
ج: استقرار ليبيا هو جزء من الأمن القومي المصري باعتبارها دولة جوار عربية شقيقة، بالإضافة إلى التاريخ المشترك بين الجانبين، والتواصل المجتمعي والعائلي والتاريخي بين مصر وليبيا.
لذا، تحرص مصر على استقرار الأوضاع في ليبيا، وحل الأزمة سياسياً في ليبيا عبر التوافق الوطني بين الأشقاء الليبيين والتعامل بشكل متوازن مع كافة الجوانب ذات الصلة بالأزمة الليبية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لضمان استدامة الحلول.
كما تشارك مصر في كافة الاجتماعات التي تتناول الوضع في ليبيا سواء في الإطار العربي أو الأفريقي من أجل المساهمة في إنهاء الأزمة، وتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا الشقيقة.
س: ما تعليقك سيادتكم على أنّ السياسة الخارجية المصرية هي مثالية الرسالة وواقعية التوجه؟
ج: وزارة الخارجية مؤسسة عريقة تحرص على الدفاع عن مصالح الدولة المصرية في الخارج، وطبقاً لرؤية القيادة السياسية والحكومة المصرية لأولويات التحرك الخارجي، والتي تكون بطبيعة الحال انعكاساً لتطور الأوضاع الداخلية وأولويات الدولة المصرية.
ومن هنا، يمكن القول إن السياسة الخارجية المصرية تعد امتداداً للسياسة الداخلية للدولة وتتكامل معها في تضافر وطني، حيث تسعى الدبلوماسية المصرية إلى دعم تحقيق التنمية في كافة المجالات عبر دبلوماسية التنمية، التي تستهدف زيادة التعاون مع الشركاء الدوليين من أجل زيادة التبادل التجاري، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، واستعادة السياحة لمعدلاتها المرتفعة، بما يسهم في زيادة معدلات نمو الاقتصاد المصري، فضلاً عن التعامل مع القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات التأثير على المصالح الوطنية والأمن القومي المصري.
كما أنها سياسة مبدئية في توجهاتها وأهدافها، وفي نفس الوقت تتعامل بحكمة ورؤية تستهدف تحقيق المصالح الوطنية في ضوء الواقع والمتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية.
فالقيادة السياسية تضع ملامح وتوجهات السياسة الخارجية للدولة، حيث تسعى وزارة الخارجية بالتعاون مع كافة مؤسسات الدولة المعنية لتنفيذ أهداف تلك السياسة والدفاع عن مصالح الدولة المصرية في الخارج.
وبمقارنة التطورات التي شهدتها علاقات مصر الخارجية في السنوات الأخيرة يمكن بوضوح ملاحظة العديد من التطورات الإيجابية في هذا الصدد خاصة على الصعيد الأفريقي.
س: بعد الأحداث السياسية التي مرت بها مصر في الفترة الماضية بداية من عام 2011 وما بعدها، هل تراجع الدور المصري كدولة محورية لها تأثير إقليمي ودولي نتيجة الظروف الاقتصادية والأمنية المختلفة التي مرت بها البلاد في ذلك الوقت، وهل استعادت مصر دورها المحوري على المستوي الإقليمي والدولي مرة أخرى؟
ج: الدور المصري مستمر بحكم عوامل عديدة منها التاريخ والجغرافيا والإمكانات البشرية التي تتمتع بها مصر، وعلى سبيل المثال فقد دعمت مصر نشاطها ودورها على المستوى الخارجي، حيث تم انتخابها خلال عامي 2016 و2017 عضواً غير دائم في مجلس الأمن كممثل عن القارة الأفريقية، وفي عام 2018 تولت مصر رئاسة مجموعة الـ77 والصين كممثل عن أفريقيا، حيث جاءت الرئاسة المصرية في وقت تشهد فيه الأمم المتحدة عملية إصلاح شاملة، وقامت مصر بالدفاع عن مصالح الدول النامية في هذا الصدد.
كما تولت مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في عام 2019، وتقوم بقوة بالدفاع عن مصالح دول القارة في المحافل الدولية، فضلاً عن قيادة العمل الأفريقي المشترك من أجل تحقيق التنمية والأمن والاستقرار في ربوع القارة. فهذه الإنجازات وغيرها الكثير تؤكد أن الدور المصري الخارجي هو دور فاعل، يليق بهذه الدولة العريقة وشعبها العظيم.
س: هل عكست الدورة الـ74 للأمم المتحدة الإرادة الجماعية العربية أم العكس؟
ج: تسعى مصر بالتعاون مع الأشقاء العرب على توحيد الصف من أجل الدفاع عن المصالح العربية خاصة في القضايا ذات الأولوية مثل القضية الفلسطينية، بجانب التعاون في العديد من القضايا الأخرى مثل مؤتمر إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى الذي تم عقده مؤخراً بنجاح خلال الفترة من 18 – 22 نوفمبر 2019 لإطلاق مسار مؤسسي يحتاج إلى جهود جماعية دؤوبة ومستمرة لاستكماله، فضلا عن العديد من الموضوعات الأخرى التي نسعى فيها دائما للتنسيق مع الأشقاء العرب.
س: ما هي الاهتمامات والهوايات الخاصة بالسفير محمد إدريس؟
ج: هناك اهتمامات شخصية تتعلق بالقراءة الأدبية والموسيقى وممارسة الرياضة حينما يسمح الوقت وتسنح الظروف، فضلا عن التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء ورفاق الدراسة والعمل والمعارف الجدد، والذي يعد إحدى أهم سمات ومقومات العمل الدبلوماسي.
في نهاية الحوار نتقدم بخالص الشكر الجزيل والتقدير لسعادة السفير محمد إدريس علي إجراء هذا الحوار معه ونتمنى له كل التوفيق والنجاح.
بدوري أتقدم لكم وللقراء الأعزاء بكل الشكر والتقدير، وأطيب الأمنيات لوطننا العزيز وشعبنا العظيم بكل الخير والتقدم والازدهار، ومع اقتراب نهاية العام والأعياد أعرب عن صادق التهاني وكل عام وأنتم والقراء الأعزاء وبلدنا الحبيب بخير.