هل تتدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة مجدداً؟ وهل يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من سيحدد اسم الرئيس الأمريكي الجديد؟
فبعد أسابيع من المشادات الحزبية في دوامة المكالمات الهاتفية الخاضعة للتجسس ونظريات المؤامرة، كانت خبيرة الشؤون الروسية البارزة السابقة في مجلس الأمن القومي قد نالت كفايتها.
وفي الوقت الذي قدمت فيه فيونا هيل شهادتها العلنية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي، كانت لديها رسالة واضحة للبلاد: هذا بالضبط ما يريده الكرملين.
إذ قالت فيونا في بيانها الافتتاحي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني أمام المشرعين الذين استجوب بعضهم شهوداً حول نظرية دحضها كثيرون بشأن دور أوكرانيا في الانتخابات الأمريكية وضغط ترامب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتحقيق فيها: «ما أطلبه هو عدم الترويج للأكاذيب ذات الدوافع السياسية التي تخدم بوضوح المصالح الروسية.
ويبدو أن بعضاً منكم في هذه اللجنة يعتقد أن روسيا وأجهزتها الأمنية لم تنفذ حملة ضد بلدنا وأن -ربما بطريقة أو بأخرى ولسبب ما- أوكرانيا هي من فعلت.
وأردفت قائلة: «هذه قصة خيالية ألفتها وروّجت لها أجهزة الأمن الروسية نفسها»، حسبما نقلت عنها مجلة Time الأمريكية.
المستفيد الأول من تحقيقات عزل ترامب
وإذا كان ثمة مستفيد حتى الآن من تحقيقات العزل التي بدأها الديمقراطيون فهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقول الخبراء إن طرح إدارة ترامب لحملة المعلومات المضللة الروسية بأن أوكرانيا -وليس روسيا- هي التي تدخلت في انتخابات عام 2016، نجح في إثارة توترات بين أوكرانيا والولايات المتحدة، رغم أن واشنطن من الداعمين الرئيسيين للصراع طويل الأمد بين أوكرانيا وروسيا، وخففت هذه الحملة حدة الهجوم على روسيا في الوقت الذي يستعد فيه الأمريكيون للتصويت مرة أخرى العام المقبل.
ولم تكن فيونا الشاهدة الوحيدة التي قالت للجنة إن تسييس الدعم الأمريكي لأوكرانيا يخدم المصالح الروسية.
فها هي أمريكا تؤخر المساعدات لأوكرانيا، وبوتين يحتفي
ففي 20 نوفمبر/تشرين الثاني، شهد جوردون سوندلاند، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، بأنه يمكن «اعتبار» التأخير في المساعدات العسكرية وعدم الاستجابة لطلب زيلينسكي بعقد اجتماع مع البيت الأبيض مفيداً لروسيا.
وفي اليوم نفسه، احتفى بوتين بانتصاره بطريقة ساخرة.
إذ قال في منتدى اقتصادي في موسكو: «الحمد لله، لم يعد أحد يتهمنا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية. الآن يتهمون أوكرانيا».
كيف بدأت هذه القصة الخيالية عن تدخل أوكرانيا في الانتخابات الأمريكية؟
بدأت «القصة الخيالية» التي تحدثت عنها فيونا في الانتشار في الأوساط اليمينية المتطرفة على الإنترنت عام 2017.
وتؤكد أن أوكرانيا، وليس روسيا، هي التي تدخلت في انتخابات عام 2016 وهيلاري كلينتون، وليس الرئيس دونالد ترامب، كانت هي المستفيدة من هذا التدخل.
وتؤكد هذه النظرية أن شركة Crowdstrike، وهي شركة تكنولوجية في الأمن السيبراني ساعدت اللجنة الوطنية الديمقراطية في التحقيق في محاولات القرصنة الروسية التي وقعت عام 2016، تسترت على دور أوكرانيا وأدانت روسيا خلال هذه التحقيقات.
وغذى ترامب هذا الادعاء حين خرجت مكالمته التي أصبحت سيئة السمعة مع الرئيس الأمريكي زيلينسكي للعلن.
إذ قال ترامب للرئيس المنتخب حديثاً في 25 يوليو/تموز: «أود منك أن تقدم لنا معروفاً. يقولون إن أوكرانيا تملك مُلقِّم شركة Crowdstrike… أود منك أن تقف على حقيقة الأمر».
هكذا حققت الشركة في الاختراق الروسي
أوضح الخبراء كثيراً أن فكرة إخفاء أحد ملقمات اللجنة الوطنية الديمقراطية ليست فكرة منطقية، ولم تزعم اللجنة الوطنية الديمقراطية، من جانبها، مطلقاً أن أياً من أجهزتها قد اختفى.
في الواقع، لم تكن أوكرانيا لتتمكن من الاستيلاء ولو على ملقم واحد من ملقمات اللجنة الوطنية الديمقراطية؛ إذ ذكرت اللجنة الوطنية الديمقراطية في دعاوى قضائية ضد روسيا أنها تستخدم أكثر من 140 ملقماً، معظمها قائم على الحوسبة السحابية.
وللتحقق من تعرض اللجنة الوطنية الديمقراطية للاختراق، أنشأت شركة Crowdstrike نسخاً من جميع خوادم اللجنة الوطنية الديمقراطية التي يزيد عددها على 140 لمراجعتها، بدلاً من إلغاء تنشيطها وتحليلها.
وكما أوضح توماس ريد، الأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة لمجلة TIME في سبتمبر/أيلول، الطريقة التي اتبعتها Crowdstrike في جمع الأدلة أفضل من التحقيق في ملقمات اللجنة الوطنية الديمقراطية الأصلية نفسها.
وقال: «حين تصنع صورة رقمية من ملقم، فإن هذه الصورة تكون في الواقع أفضل في كثير من الأحيان من الوصول إلى الجهاز الفعلي، لأنها تحوي معلومات قد تضيع حين يتوقف الجهاز عن العمل».
والاستخبارات الأمريكية أكدت أن روسيا هي من اخترقت الانتخابات وأرادت فوز ترامب
وأثبتت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بقوة أيضاً أن روسيا، وليس أوكرانيا، هي التي اخترقت العمليات الديمقراطية الأمريكية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
إذ كتب مكتب مدير الاستخبارات الوطنية في تقريره الصادر في يناير/كانون الثاني عام 2017: «نقدِّر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بحملة تدخُّل عام 2016 تستهدف الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وكانت أهداف روسيا هي تقويض الإيمان العام بالعملية الديمقراطية في الولايات المتحدة، وتشويه سمعة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والإضرار بفرص فوزها بمنصب الرئيس.
وقال: «نقدر أيضاً أن بوتين والحكومة الروسية كانا يفضلان بوضوح انتخاب الرئيس ترامب».
لكن الجمهوريين مستمرون في ترويج هذه القصة لتبرير مكالمة ترامب المشينة
غير أن أياً من هذا لم يمنع النائب الجمهوري ديفين نونيس من الاستمرار في الترويج لنظرية أوكرانيا التي لا أساس لها من الصحة خلال جلسات استجواب العزل المتلفزة الأسبوع الماضي. إذ استغل الجمهوري البارز في اللجنة معظم وقته للترويج للنظرية أثناء جلسات الاستماع باعتبارها مبرراً لطلب ترامب فتح تحقيقات.
إذ قال نونيس: «حالما تفهم أن المسؤولين الأوكرانيين كانوا يتعاونون مباشرة مع خصوم الرئيس ترامب السياسيين لتقويض ترشيحه، فمن السهل أن نفهم لماذا يريد الرئيس معرفة الحقيقة الكاملة حول هذه العمليات ولماذا كان متشككاً في أوكرانيا».
المفارقة أن نونيس لم ينكر دور روسيا في محاولات تقويض الانتخابات الأمريكية عام 2016. وقال: «من الجائز كلياً أن تشارك دولتان منفصلتان في التدخل في الانتخابات في الوقت نفسه».
الفائز بوتين.. ولا أحد سيقترب من واشنطن مجدداً
يقول النائب راجا كريشنامورثي إنه سواء التمس الجمهوريون العذر لتدخل روسيا في الانتخابات عام 2016 مباشرة أم لا، فالفائز الأكبر هو بوتين.
إذ قال النائب الديمقراطي من إلينوي للصحفيين خلال فترة استراحة في جلسة استماع فيونا هيل الأسبوع الماضي: «كل ذلك يصبّ في صالح روسيا. لأن هدفهم الأول في أوروبا هو فصل دول مثل أوكرانيا عن دول مثل الولايات المتحدة.
ولهذا تأثير مخيف على جميع الدول الأخرى التي قد ترغب في الاقتراب من الولايات المتحدة».
هل تتدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة مجدداً؟
ومنذ الدقائق الأولى من شهادتها التلفزيونية، أوضحت فيونا أن تلميحات بعض المشرعين بشأن أوكرانيا -التي تتصدى للأعمال العسكرية الروسية منذ عام 2014- لا تدعم الرواية الكاذبة القائلة إن روسيا لم تحاول التدخل في انتخابات 2016 فحسب، وإنما يمكن أن تعزز قدرتها على فعل ذلك مجدداً.
إذ حذرت قائلة: «في الوقت الحالي، تستعد أجهزة الأمن الروسية ووكلاؤها لتكرار تدخلهم في انتخابات عام 2020. والوقت أقصر من أن نمنعهم».
يُذكر أنه قبل ستة أسابيع من شهادتها، توقع مايكل ماكفول أيضاً، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في موسكو من عام 2012 إلى عام 2014، أن الجهود المبذولة لدعم نظرية المؤامرة التي وضعها ترامب وجولياني ستكون انتصاراً لروسيا.
وقال لمجلة TIME: «ستصبح أوكرانيا محور انتخابات عام 2020. وهذا يعني أن روسيا ستفلت من العقاب».
وكالات