أكد السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” للمرة الثانية خلال افتتاح معرض تكنولوجيا المعلومات، أن مصر تتجه بقوة نحو الثورة الرقمية. معنى ذلك أن مصر تتجه نحو حضارة جديدة بالكامل تختلف تمامًا عما نعيشه اليوم، تختلف عن أسلوب تفكيرنا الحالي، وعما يطرحه الاقتصاد من إنتاج حاليًّا، فالثورة الرقمية التي تحدث عنها السيد الرئيس هي ثورة معلوماتية، وتشكل أحد ثلاثة مكونات للثورة العلمية الحالية، لأن هذه الثورة العلمية تتكون من ثورة المعلومات، وثورة النانو تكنولوجي التي تعني ثورة في علم المواد من خلال تصنيع مواد جديدة ليست معروفة في الطبيعة لاستخدامات مختلفة محدده مسبقًا، ثم ثورة البيوتكنولوجي التي تهتم بتطوير الطب وتحويله إلى طب رقمي وهو تطور قطع شوطًا بعيدًا في هذا المضمار مما مكن الأطباء من تحقيق نجاح رائع في العلاج الجيني والطب الجزيئي والخلايا الجزعية، بل ونجاحهم منذ أيام لأول مرة في طبع قلب بشري ينبض من مواد طبيعية هي الخلايا الجذعية ذاتها.
أولًا- معنى الثورة الرقمية وجوهرها
هذا الطرح يؤكد أن الثورة الرقمية التي بدأتها مصر ليست نهاية المطاف، ولكنها بداية رحلة النهضة المصرية، لأن هذه الثورات الثلاثة (المعلوماتية، والنانوتكنولوجية، والبيوتكنولوجية) متكاملة مع بعضها بعضًا، وتستند في جوهرها إلى الاتصالية Connectivity أي اتصالها بالإنترنت، والتفاعلية Interaction. وطالما أننا بدأنا بالمعلوماتية، فمن المؤكد أن النهضة ستمتد بطبيعة الحال إلى مجالي النانوتكنولوجي والبيوتكنولوجي أيضًا، إضافة إلى أن هناك علماء مصريين يبذلون جهودًا حثيثة لمتابعة تطورات ثورة النانو من خلال إشرافهم على رسائل علمية تتناول أبعاد هذه الثورة. كما أنهم يبذلون قصارى جهدهم لنشر إنجازات هذه الثورة العلمية من خلال الجمعية العربية لعلوم المواد، ومن خلال المؤتمرات التي تعقدها هذه الجمعية، خاصة أن النانو تكنولوجي هدفها التخلص من ندرة المواد الخام، ولذا رفعت شعار “من لا شيء إلى كل شيء” لأنها تستند إلى السيطرة على الذرة أو الجزيئي، وإعادة استنساخه، وتحويل وضعه وإعادة هيكلته.
الرقمنة التي أشار إليها السيد الرئيس تعني تطبيق الثورة المعلوماتية على الخدمات الحكومية وأسلوب إنتاج السلع الاقتصادية، وطريقة تحديد القيمة في المجتمع، أي إننا بصدد إدماج المعلومة في الاقتصاد عامة، بمعنى أننا سنحول المعلومة إلى سلع وخدمات تُباع وتشترى، فالمعلومات في هذا العصر متاحة مجانًا للجميع، ويمكن توليد المزيد منها وفقًا لجهدنا. أما طريقة استخدامها فإننا نختلف فيها، بل وفي أسلوب تناولنا لها، فمثلًا جهاز تحديد المواقع المعروف باسم GPS ثمنه لا يتجاوز 20 دولارًا، ولكن بوضعه في السيارات يصبح ثمنه 500 دولار، كذلك فإن الرقائق الإلكترونية CHIPS التي تنبه سائقي السيارات إلى المسافة بين سيارة وأخرى إلى جوارها أو خلفها لا تتعدى بضعة سنتات أمريكية، ولكن بوضعها في السيارات ترفع قيمة السيارة إلى حوالي 300 دولار أمريكي.
إذن، ثورة الرقمنة هي ثورة معلوماتية تستهدف إعادة إنتاج المعلومة ودمجها في السلع والخدمات المصرية، أو تحويلها إلى سلعة من خلال تشجيع الشباب على الابتكار، فالمعلومة هي أهم سلاح في هذا العصر، ومن ثم فإن الأقوى هو الأكثر امتلاكًا لها ولطرق نقلها، والأكثر معرفة لأساليب حمايتها.
ثانيًا- انعكاس الثورة الرقمية على الاقتصاد
لهذا، لا عجب في أن أسلوب أو معيار تقسيم الدول اقتصاديًّا قد اختلف. فكما اختلف المعيار في عصر الثورة الميكانيكية التي تلت تحسينات القاطرة البخارية، ثم في عصر استخدام الكهرباء فانقسمت الدول إلى دول نامية وأخرى متقدمة، ثم انقسمت إلى دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب النامية، ثم ظهرت تقسيمات الشرق والغرب بعد نجاح الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي عام 1917؛ فإننا الآن بصدد تطبيق معيار جديد لتصنيف دول العالم اقتصاديًّا وفقًا لمعيار الأخذ باقتصاديات المعرفة السابق شرحها، فأصبحت دول العالم تُقسم إلى ثلاث فئات مختلفة وفقًا لتقرير منتدى دافوس الاقتصادي. فهناك دول نجحت بالفعل في ترسيخ اقتصاديات المعرفة وهي أكثر الدول تقدمًا في التكنولوجيا وهي حصريًّا 18 دولة، تشمل في مقدمتها كلًّا من: الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وفرنسا، وألمانيا، وفنلندا، وهولندا، والدنمارك، وسنغافورة، ونيوزيلندا. ويجمع هذه الدول امتلاكها نظامًا تعليميًّا حديثًا يرتبط بالثورة العلمية أولًا بقوة، ويرتبط باحتياجات السوق، وببنية تحتية معلوماتية حديثة وفق أحدث معايير الاستعداد لاستقبال إنترنت الأشياء التي ستفرض البيئة الذكية التي ستقوم بتشبيك البشر بالأشياء.
ويلاحظ أيضًا أن الاتحاد الأوروبي ككيان جماعي ليس عضوًا في هذه الفئة من الدول، ولكن بعض أعضائه فقط أعضاء في هذه الفئة، خاصة أن بنيان الاتحاد الأوروبي وسماته اختلفت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وضم بعض دول شرق أوروبا والدول التي استقلت عنه لأسباب سياسية واقتصادية.
ويلي هذه الفئة من الدول دول الاقتصاديات البازغة Emerging Economies، وتشمل مجموعتين من الدول حصريًّا هما: (البريكس) وتمثل 40% من سكان العالم، و25% من مساحة اليابس في العالم، ويبلغ إجمالي نواتجها القومية GDP 18.5 تريليون دولار، ولديها أكبر احتياطي نقدي عالمي، كما أنها أكثر دول العالم جذبًا للاستثمارات العالمية.
أما المجموعة الثانية فهي فئة الإحدى عشرة دولة القادمة، وتشمل: كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، والمكسيك، وتركيا، والفلبين، وفيتنام، وإيران، ومصر، وباكستان، ونيجيريا، وبنجلاديش.
أما الفئة الثالثة من الدول فإنها تشمل باقي دول العالم، وليست لها علاقة باقتصاديات المعرفة، ولا تزال تعيش في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وبدايات القرن العشرين في أفضل الأحوال.
وإحدى سمات الثورة التكنولوجية أنها مكنتنا من عمل مقاييس مركبة لقياس كافة الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولأن هذه الظواهر بطبيعتها مركبة ومعقدة ومتعددة المستويات في التحليل، فقد عكست المؤشرات التي تقيسها مختلف هذه السمات التي تسمح لنا بقياس نوعية الحياة أيضًا وليس مجرد قياس درجات النمو فقط، إلى درجة أنه أصبح لدينا مؤشر لقياس سعادة الإنسان، وآخر لحالة الأمن والنظام، وثالث للاستقرار السياسي، ورابع للتنافسية، وخامس للابتكار، وسادس للاستدامة، وسابع للرخاء، وهكذا. ولأن هذه الثورة تقوم على فكر استراتيجي مفتوح فقد تتعدد المؤشرات للظاهرة الواحدة دون أن يعني ذلك أن بعض هذه المؤشرات خاطئة، وبعضها الآخر سليم، فجميع المؤشرات صحيحة ويؤخذ بها.
ويوجد ضمن هذه المؤشرات خمسة مؤشرات عالمية لتصنيف دول العالم اقتصاديًّا وفقًا لمعيار الأخذ باقتصاديات المعرفة، وهي مؤشرات مركبة تأخذ بعين الاعتبار التعليم ونوعيته إجمالًا، وتعليم علوم الكمبيوتر وتطبيقاته، وأعداد الخريجين، ومدى توافر الخامات اللازمة لتلك الصناعات، والقدرة الاستيعابية للاقتصاد، والسياسات الاستثمارية المطبقة، والبنية القانونية والقدرة على التسويق، والتنافسية والابتكارية.. إلخ، وذلك على النحو التالي:
1- تصنيف مؤشر المنتدى الاقتصادي بدافوس، ويقسم دول العالم إلى ثلاث فئات: هي الدول التي نجحت في ترسيخ اقتصاديات المعرفة بالفعل، وهي إجمالًا 18 دولة متقدمة، ثم الدول الواعدة وتشمل البريكس والدول الإحدى عشرة القادمة وهي الدول المؤهلة لدخول نادي اقتصاديات المعرفة، وفي مقدمتها مصر والمكسيك وإندونيسيا كما ذكرنا، ثم باقي دول العالم وليست لها علاقة باقتصاديات المعرفة.
2- مؤشر Goldman Sachs، وهو مؤشر هدفه رصد الدول التي في طريقها للانضمام إلى نادي اقتصاديات المعرفة أساسًا. وقد اعتمد عليه تقرير دافوس في هذا المجال ناقلًا عنه أهم 11 دولة في هذا الميدان، وهي: كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، والمكسيك، وتركيا، والفلبين، وفيتنام، وإيران، ومصر، وباكستان، ونيجيريا، وبنجلاديش.
3- المؤشر الثالث Standard and poor’s، ويشمل حصريًّا 14 دولة قابلة للانضمام لنادي اقتصاديات المعرفة أو النادي الرقمي، وهي: شيلي، والتشيك، والمجر، ومصر، وإندونيسيا، وماليزيا، والمكسيك، والمغرب، وبيرو، والفلبين، وبولندا، وتايوان، وتايلاند، وتركيا.
4- المؤشر الرابع Dow jones، وقد وسّع نطاق الدول القابلة للانضمام لنادي المعرفة لتشمل 29 دولة هي كل من: الأرجنتين، والبحرين، وبلغاريا، وشيلي، وكولومبيا، والتشيك، ومصر، وإستونيا، والمجر، وإندونيسيا، والأردن، والكويت، ولاتفيا، وليتوانيا، وماليزيا، وموريشيوس، والمكسيك، والمغرب، وعمان، وباكستان، وبيرو، والفلبين، وبولندا، وقطر، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسيريلانكا، وتركيا، والإمارات.
5- مؤشر financial times ويضم 18 دولة، هي: المكسيك، وجنوب إفريقيا، وبولندا، والمجر، وشيلي، ومصر، والمغرب، وباكستان، وتايلاند، وكولومبيا، وإندونيسيا، والبيرو، وتركيا، والتشيك، وماليزيا، والفلبين، والإمارات.
النتيجة أن المؤشرات الخمس بالرغم من تفاوت درجة تعقيد كل مؤشر واختلاف عدد الدول البازغة ما بين 11 دولة حتى 29 دولة؛ إلا أن هناك إجماع من مجمل هذه المؤشرات على وجود مصر وإندونيسيا وباكستان والمكسيك بين هذه الدول.
إذن، سواء كانت الدول المرشحة 11 دولة أم اتسع نطاقها إلى 29 دولة فإن مصر من إفريقيا، وإندونيسيا من آسيا، والمكسيك من أمريكا اللاتينية، هي الدول الأكثر تأهيلًا لعضوية نادي المعرفة، ولذا تكتسب ثورة الرقمنة أهمية خاصة في مصر لاعتبارها إحدى ثلاث دول تجمع عليها المؤشرات الاقتصادية لتكون الأكثر تأهيلًا للانضمام لنادي اقتصاديات المعرفة.
ولعل أهم المؤشرات العالمية حاليًّا مؤشر الاستدامة للأداء الاقتصادي، ويغطي أربعة مجالات هي: الاقتصاد (ويعتمد على مدى توافر الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم والسكن)، إضافة إلى الميدان الاجتماعي (الجندر، والمساواة، واحتواء جميع الفئات على تنوعها)، والمجال البيئي (تخفيض الانبعاثات الكربونية)، والمجال السياسي ويقصد به الحوكمة الذي يشمل الشفافية في اتخاذ القرار باستثناء موضوعات الأمن القومي، والمساءلة لكبار مسئولي الدولة، والاحتواء السياسي political inclusiveness الذي يعني دقة التمثيل السياسي في السلطة من خلال تمثيل جميع تيارات الطيف السياسي وجميع الفئات العرقية والدينية والمذهبية.
وهنا نحن مطالبون بتقديم تفسير للشباب أساسًا، فجميع مؤشرات المعلوماتية تشير إلى تقدم بعض دول الخليج على مصر في هذا المجال، فكيف نفسر ذلك في ظل نتائج المؤشرات الاقتصادية الخمسة السابقة؟ وهل مصر أسبق من دولة مثل تركيا التي تتمتع بعضوية مجموعة العشرين؟ أو إيران التي أصبحت مؤهلة بقوة لعضوية النادي النووي؟
لكي نفهم لماذا تأخذ بعض الدول (النامية) مكانة متقدمة في بعض المؤشرات الدولية مثل التنافسية ومؤشر الابتكار، ولم تتناولها المؤشرات الخمسة السابقة، فإنه بالنظر إلى مكونات مؤشر الابتكارية مثلًا نلحظ أنه يتكون من ستة مكونات، أربعة منها تمثل مدخلات، واثنان يعكسان المخرجات (وهي المخرجات الإبداعية، والمخرجات المعرفية والتقنية)، وغالبًا ما تحصل بعض الدول العربية على درجات عالية في المدخلات، نتيجة وجود عامل معين مثل التعليم الجيد أو وجود عدد كبير من الشركات الأجنبية في مجال المعلومات، أو نتيجة سياسة استثمارية ناجحة، في حين يظل إسهام هذه الدولة في مجال المخرجات ضعيفًا للغاية ولا يتناسب على الإطلاق مع هذه المدخلات، فالشركات هنا تنتج للخارج ومن خلال جنسيات أجنبية، ومن ثم لا نستغرب حينما نرى دولًا تحصل على مرتبة متقدمة في بعض المؤشرات رغم ما نلاحظه من ضعف مخرجات هذه الدول وعدم مشاركتها في ابتكار أو إنتاج معرفة حقيقية.
إضافةً إلى ذلك فقد تغيّرت قواعد الاقتصاد الكلاسيكي الذي درسناه طوال القرن العشرين، وتغيرت حركة وطبيعة الأسواق الثلاثة، فسوق رأس المال في اقتصاديات المعرفة قد تكون مفتوحة أو مغلقة، كما تضم شركات لا رأسمال لها. على سبيل المثال، فإن شركتي أوبر وكريم من أكبر شركات النقل في العالم ولا تملكان سيارة واحدة، لكنهما يملكان برنامجًا لإدارة الشركات، والاستفادة من برنامج تحديد المواقع، والعمل لديهما يتسم بمرونة فائقة، كذلك هناك شركات فنادق كبرى مع أنها لا تملك غرفة واحدة.
كذلك فإن سوق العمل تغير، وبالتالي أصبح مرنًا نتيجة ظهور Economy Gate فهناك مجالات عمل كثيرة تنمو بلا عمالة ثابتة. كذلك فإن التواصل عبر منصات إلكترونية platforms أدى إلى قيام الشخص بعدة أعمال لا رابط بينها، فأصبح له دخل وليست له وظيفة، ولا يدفع تأمينات أو ضرائب. وهذا أدى إلى مفهوم آخر للبطالة، فأصبح بموجبه تعريف العاطل أنه الشخص الذي لا يجيد تحويل المعلومة إلى سلعة مادية أو إلى خدمة.
إذن، طبيعة العمل اختلفت، وطبيعة رأس المال اختلفت، ونظرتنا للأرض والمواد الخام وتنظيم العمل اختلفت تمامًا نتيجة استخدام تكنولوجيا المعلومات ودخول العالم عصر الرقمنة.
وقد ترتب على ذلك ظواهر اقتصادية عجزنا عن فهمها في حينها، بل وتم وصفها بأنها مربكات disruptions للأداء الاقتصادي، وحددتها ورقة مشتركة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعنوان إدارة الدين العام public Debt Management ومنها:
1- تعدد تكرار الأزمات المالية العالمية 1997/ 1998، ثم 2008، وتوقع أزمة جديدة قريبًا.
2- اتجاهات صعودية لأسعار الفائدة.
3- مخاطر مترتبة على أزمات عدم قدرة الاقتصاد على سداد خدمة المديونية.
4- خطورة ارتفاع نسبة الدين ذي الفائدة المتغيرة.
5- ضعف آليات فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية، والتي وُضعت وفقًا لمقاييس الاقتصاد الكلاسيكي.
6- خسارة العالم من الحروب التجارية حتى بالنسبة للدول غير الأطراف فيها.
7- تحول طبيعة وحدود المشروعات الناجحة لتصبح عالمية باعتبارها شبكة (علي بابا) تتوقف على دور خدمة العملاء بالدرجة الأولى كما حددتها تكنولوجيا المعلومات، وليس الاقتصاد الكلاسيكي.
8- التكنولوجيا غيرت مهارات سوق العمل كما غيرت مفهوم السلعة، وغيرت مفهوم الرأسمالية لتصبح بفكر ومعلومات وبلا رأسمال.
9- ضرورة إدخال الزمن في التحليل الاقتصادي الذي يعد ظاهرة متطورة.
10- ضرورة الاستثمار في تنمية رأس المال البشري.
11- الاستثمار في المرونة، بمعنى إعادة تنظيم سوق العمل وتأهيل العمالة، وإعادة النظر في مفهوم التأمين، وتخفيف شروط تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة.
12- الاستثمار في البنية التحتية الرقمية.
13- وضع قواعد عامة للاقتصاد مركزيًّا، على أن يكون التنفيذ وفقًا لظروف محلية.
14- احتمالات وجود تحويلات نقدية عبر العالم دون موافقة الدول.
ثالثًا- روافد انعكاسات الثورة المعلوماتية على الاقتصاد
إذن، الاقتصاد العالمي في جميع الدول بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي أو الاقتصادي في حالة تغير دائم ليناسب الثورة الرقمية ومتطلباتها التي وضحت بشكل ممتاز في معرض التقنية المالية الذي أُقيم في سنغافورة الأسبوع الماضي، وفي معرض تقنية المعلوماتية بالقاهرة، وافتتحه السيد الرئيس. فقد أوضح المعرضان أنهما يجمعان رجال أسواق المال إلى جانب مبتكرين من الشباب ورواد في علوم الكمبيوتر عامة، ورواد في السيبرنطيقا Cybernetics وهو علم التحكم في الآلات عن بعد، وأساتذة في الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات والإحصاء، ومطوري نظم ومنتجات تكنولوجيا المعلومات. وقد أكد المعرضان أن هناك أربعة روافد لهذه التحولات الاقتصادية:
1- وجود كيانات جديدة للتكنولوجيا المالية غير معروفة لأسواق رأس المال التقليدية، وأن هذه التكنولوجيات ضرورة لا غنى عنها لتعبئة موارد مالية عالمية هائلة وبسرعة فائقة عبر الحدود الدولية للدول وتدخل كل دولة على حدة نتيجة استحداث أساليب دفع زهيدة للغاية، ونتيجة تطوير تطبيقات مالية تستند إلى بنية تحتية رقمية حديثة لدرجة أنها تسمح بإنشاء بنك رقمي متكامل الخدمات خلال عدة ساعات، وهو أمر يتخطى تمامًا التطبيقات الحالية للائتمان وبطاقات الدفع البلاستيكية، فالسر هنا في تصنيف البيانات الكبيرة والقدرة على تحليلها، أي إن الأمر بين يدي المبتكرين وعلماء الكمبيوتر وليس رجال أسواق رأس المال.
2- وجود هيئات للرقابة المالية والبنوك المركزية تسعى جاهدة للحاق بهذه الثورة العلمية والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات الرقابية. الأمر اليوم تعدى إصدار قرارات وقوانين للتعرف على العملاء وضمانات سداد القروض وحماية الاستقرار المالي، فالأمر الأهم دعم قدرات الرقابة المالية والإشراف على المؤسسات المالية ذاتها، وفعالية التنسيق بين جهات الرقابة المالية والجهات المسئولة عن قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك وغسيل الأموال وأمن قواعد البيانات ونظم المعلومات، فتطوير نظم الرقابة المالية مطلوب من خلال موظفين أكفاء، إلى جانب تكنولوجيا رقابية قوية وإلا تعثرت التقنية المالية؛ فالشمول الذي هو صفة للثورة العلمية أصبح صفةً لخدمات الحكومة في العصر الرقمي من المهد إلى اللحد؛ فإما أن نؤمن بتكنولوجيا المعلومات وإمكانياتها ونثق فيها وإما أن نرفضها بالكامل، أما الثقة الجزئية أو القطاعية فلا تعني إلا تعثر المجتمع.
3- وجود تكنولوجيا حكومية بالية إلى جانب تكنولوجيا معلومات قوية: فلا يمكن أن نتوقع تحت أي ظرف من الظروف وجود تكنولوجيا في الأعمال الحكومية لتوفير السلع والخدمات إلى جانب نظم تسجيل حكومية بالية قائمة على التسجيل اليدوي، وهذا يُذكّرني بدخول الكمبيوتر وزارة الخارجية في مطلع التسعينيات ووجود نظام مراسلة متقدم جدًّا ومؤمن بين مقر الوزارة وجميع بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية في العالم، إلى جانب التراسل العرضي بين البعثات وبعضها، فتصورنا أن الحقيبة الدبلوماسية ستُلغى ونوفر نفقاتها؛ إلا أن هذا لم يحدث بناء على تعليمات من وزارة المالية التي أصرت على إرسال حقائب دبلوماسية تشمل أصول فواتير الصرف لميزانية البعثات والمرتبات وإلا سيتم تعليق المنصرف أمانات على شخص الآمر بالصرف، وإذا كان هذا محتملًا عام 1990 فما جدوى احتماله اليوم؟ وما جدوى التأخر في إنشاء الشركات الراغبة في الاستثمار في مصر أو جدوى تأخر الإفراج عن الحاويات بالجمارك في ظل تقدم سبل الكشف عن محتوياتها، أو نتيجة عدم وجود موظف يحتكر استخدام الكمبيوتر مثلًا؟
4- الحاجة الملحّة لتطبيق التكنولوجيا المجتمعية لضمان الاستقرار واستدامته: بمعنى الاستثمار في بناء البشر من حيث التعليم والتثقيف والتدريب، مع فصل أساليب تدريب قطاع الأعمال الخاص القائم على إدارة الوقت وثقافة المؤسسة عن أساليب تدريب رجال الإدارة المدنية أو الحكومية القائمة على إدارة بناء المعنى، وذلك حتى يكون المواطنون ومجتمعاتهم مؤهلين للاستفادة من مستجدات الثورة الرقمية، فتوطين التنمية ودور المجتمعات والسلطات المحلية فيها مهم لإدماج عموم الناس فيها من أجل تحقيق فرص عادلة للحياة.
إذن، فإن القضاء على مربكات أسواق العمل والسلع ورأس المال ضرورة ملحة لأسباب غير اقتصادية بل لأساليب مجتمعية ولعدم الإيمان الكافي بتكنولوجيا المعلومات، والخلط بين أساليب التدريب الحكومي وأساليب تدريب القطاع الخاص، والحاجة لفهم تطورات تكنولوجيا رأس المال والرقابة والتكنولوجيا المجتمعية التي تُعد ضرورة لا غنى عنها.