يتعرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لانتقادات حادة بعد قراره اغتيال قاسم سليماني، وتتركز الاعتراضات داخلياً على دوافع ساكن البيت الأبيض التي يراها هؤلاء تتعلق بتعزيز فرص فوز الرئيس بفترة ثانية، فهل يساعد مقتل قائد فيلق القدس في ذلك بالفعل؟
موقع ميدل إيست آي البريطاني نشر تقريراً بعنوان: «هل سيساعد مقتل قاسم سليماني ترامب في الفوز في الانتخابات بفترة ثانية؟»، ناقش فيه تلك الفرضية، وعقد مقارنات مع رؤساء سابقين اتخذوا قرارات مشابهة.
ماذا قال ترامب عن أوباما وإيران؟
يُقال إن ما تنشره على الإنترنت يُكتب بالحبر ولا يمكن محوه، وفي حالة دونالد ترامب -الذي يحظى بسمعة سيئة على موقع تويتر- فهناك كثير من التغريدات السيئة المرتبطة برئيس الولايات المتحدة.
بعد انتشار أنباء الضربة الجوية الأمريكية التي أسفرت عن مقتل قاسم سليماني يوم الخميس 2 كانون الثاني/يناير 2020، استرجع المعلقون عديداً من التغريدات التي كتبها ترامب في عام 2011 والتي اتهم خلالها الرئيس السابق باراك أوباما آنذاك بالتخطيط لبدء حرب مع إيران، لتعزيز فرص إعادة انتخابه.
كانت منشورات ترامب القديمة على مواقع التواصل الاجتماعي تمثل وقوداً للنقاد، الذين تكهنوا بأن الرئيس أمر باغتيال سليماني؛ لتوفير الزخم لحملة إعادة انتخابه قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
جدير بالذكر أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي الإيراني متعدد الأطراف في مايو/أيار 2018، وبدأ في وقت لاحق، فرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني، وهو ما زاد من حدة التوتر والنفور بين واشنطن وطهران.
ووصلت التوترات إلى ذروتها بعد هجوم صاروخي في كركوك، أُلقي اللوم فيه على المقاتلين العراقيين المدعومين من إيران، وأسفر عن مقتل متعاقد أمريكي، الأسبوع الماضي؛ وهو ما أدى إلى سلسلة من الأحداث، بلغت ذروتها بمقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني.
اتهامات بالسعي لمكاسب سياسية
سارع منتقدو ترامب إلى اتهامه، مثلما اتهم أوباما قبل سبع سنوات، بالتحريض على الصراع لتحقيق مكاسب سياسية، وقال إيثان بورتر، الأستاذ المساعد في الإعلام والشؤون العامة بجامعة جورج واشنطن: «هناك بعض الأدلة التي توضح إلى حد ما، (اللجوء إلى) فكرة دعم الرئيس وقت الأزمات والحروب، فعندما يواجه الأمريكيون حرباً، فإنهم سيدعمون الرئيس الذي يقود تلك الحرب».
في الواقع، كانت تغريدة ترامب الأولى بعد اغتيال سليماني عبارة عن صورة منخفضة الجودة لعَلم أمريكا، وقال بورتر إن الوضع معقد، بحيث إذا تحوَّل الصراع إلى أحداث كارثية، فستكون الفوائد السياسية محدودة.
علاوة على ذلك، فهناك 10 أشهر تفصلنا عن الانتخابات. وأشار بورتر إلى أنه إذا انتهت الآثار المترتبة على عملية الاغتيال قبل أشهر من بداية الانتخابات، فقد لا تظل تأثيراتها محل انتباه الناخبين الأمريكيين، ومن ثم لن يكون لها سوى تأثير ضئيل على التصويت.
الحرب والانتخابات
هذا ما حدث مع جورج دبليو بوش وحرب الخليج الأولى. فقد حشد بوش الأب 35 دولة من جميع أنحاء العالم في صيف عام 1990؛ للرد على غزو صدام حسين للكويت.
فاز التحالف بالحرب وطُرد الجيش العراقي من الكويت بسرعة، لدرجة أنه بحلول الوقت الذي جاء فيه موسم الانتخابات في عام 1992، كان بيل كلينتون قادراً على تركيز انتباه الناخبين على الاقتصاد المتعثر بدلاً من تعامل بوش الذكي مع الصراع.
وغني عن القول إن بيل كلينتون فاز في الانتخابات بسلاسة في ذلك العام، وقصر فترة حكم الرئيس الراحل بوش الأب على ولاية واحدة.
وقال بورتر لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني: «إذا كان ترامب يفعل ذلك بالفعل لتحقيق مكاسب سياسية -ونحن لا نعرف بالضبط السبب، ونتمنى لك حظاً سعيداً في محاولة فهم سبب أفعاله تلك- فمن السابق لأوانه القول ما إذا كان سينجح في تحقيق هذا الهدف».
وفقاً لبورتر، فإن تداعيات مقتل سليماني على السياسة الداخلية للولايات المتحدة غير واضحة في هذه المرحلة، والأمر الأكثر غموضاً هو ما إذا كان ترامب قد أذن بالضربة الجوية لأغراض سياسية بالفعل أم لا. لكن لا يزال الرؤساء الأمريكيون يفكرون عادة في كيفية تأثير القرارات الكبرى على فرص إعادة انتخابهم.
وقال بورتر: «عبر الإدارات وعبر الأحزاب، يكرس الرؤساء عادةً عامهم الأخير في ولايتهم الأولى لفعل ما بوسعهم لتعزيز فرص إعادة انتخابهم؛ لتحقيق نجاح كبير»، وأضاف: «شغل المنصب شيء قوي، ومعظم الرؤساء يفوزون بإعادة الانتخاب؛ جزئياً، يفعلون ذلك لأنهم يتمتعون بقوة الجيش الأمريكي التي تكون تحت تصرفهم».
ماذا حدث مع بوش الأب؟
بينما خسر جورج بوش الأب محاولة إعادة انتخابه بعد حرب ناجحة، فقد أُعيد انتخاب ابنه في عام 2004، في حين كان يعاني نزاعين فوضويين بالعراق وأفغانستان، ومع ذلك، كانت هناك انقسامات كبيرة في دعم الحزب الجمهوري لبوش بعد أربع سنوات من إعادة انتخابه.
كانت انتخابات عام 2008 نوعاً ما بمنزلة استفتاء على حرب العراق. أوباما، الذي أراد سحب القوات الأمريكية من العراق، هزم السيناتور الراحل جون ماكين، الذي قال إنه مستعد لإبقاء الجنود الأمريكيين في العراق مدة تصل إلى 100 عام.
حتى ترامب، على الرغم من نهجه الحاد في الشؤون الداخلية والدولية، فقد فاز بالرئاسة في عام 2016 في حين كان يعِد بإنهاء الحروب الأمريكية في المنطقة.
مِن «مرشح السلام» إلى «رئيس الحرب»
في السنوات الثماني التي انقضت منذ السباق بين أوباما وماكين، تبدَّل حال السياسة الداخلية للولايات المتحدة، إذ كان المرشح الجمهوري يتهم خصمه الديمقراطي بأنه متشدد للغاية.
في الوقت نفسه، فضلت قاعدة يمينية انعزالية جديدة عارضت التدخلات العسكرية، ترامب على المرشحين الجمهوريين الأساسيين الذين تبنّوا وجهات نظر أقرب إلى سياسات بوش للمحافظين الجدد.
في الواقع، امتدح ترامب معارضته المفترضة لحرب بوش بالعراق، في خطاب شامل حول السياسة الخارجية، في أبريل/نيسان 2016.
وقال ترامب: «عكس المرشحين الآخرين للرئاسة، لن تكون الحرب والعدوان غريزتي الأولى. لا يمكن أن تكون لديك سياسة خارجية من دون دبلوماسية».
في ذلك الخطاب، انتقد ترامب سياسات هيلاري كلينتون القائمة على التدخل بشؤون الدول الأخرى -خاصة في ليبيا- عندما كانت تشغل منصب وزيرة خارجية أوباما، وقال أمام مؤيديه في تجمُّع حاشد بعد شهر: «فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، هيلاري لديها ميول تدخلية وعدوانية»، إذن، هل التحول من «مرشح سلام» إلى «رئيس حرب» سيفيده بعد أربع سنوات؟
تُظهر استطلاعات الرأي العام أن الأمريكيين الذين يشعرون بالقلق من الحروب بالعراق وأفغانستان، لا يريدون أن تتدخل حكومتهم في صراع عسكري آخر بالمنطقة.
وعلى وجه الخصوص، لا تحظى الحرب مع إيران بشعبية في الولايات المتحدة. أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في أغسطس/آب، أن 78 في المئة من الأمريكيين يفضلون خيارات غير عسكرية للتعامل مع برنامج طهران النووي، في حين قال 65 بالمئة من المستجيبين إنهم قلقون من أن الولايات المتحدة قد تكون «سريعة جداً» في استخدام القوة العسكرية ضد إيران.
ومع ذلك، فإن الرأي العام يتحول غالباً بعد وقوع حوادث كبرى، إضافة إلى أن اغتيال سليماني يهيمن على دورة الأخبار، وقال بورتر: «سيتركز اهتمام الناس الآن على هذا الحدث، وقد تكون هناك بعض التقلبات الكبيرة في مواقفهم تجاه الصراع العسكري والمواقف تجاه إيران، بناءً على ما يحدث خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة».