01/06/2020
مع بداية عام جديد نستقبله وعام مضى نودعه، نتطلع إلى أمنيات جديدة وأحلام كبيرة، تمضي بنا الأيام وقد نجد الرغبة في أنفسنا تخبو وتضعف، قد نفقد الشغف أو نشعر بيأس شديد فتتبدد الأمنيات وتظل الأحلام معلقة وغير قابلة للتحقيق. وقد نتحجج بالظروف السيئة أو الإمكانيات الضعيفة ونظل نلعن الظروف والأسباب التي لولاها لأصبحنا الأفضل على الإطلاق. هذا هو حال الكثيرين في عالمنا العربي، ولأنني مصرية وعربية حتى الصميم لا أخفيكم سراً فأنا أيضاً أحياناً أبحث عن مبررات لإخفاقاتي المتكررة ولهذا قررت أن أقوم هذا العام بتغيير شامل كامل في طريقة تفكيري فمهما كانت الظروف حولي سيئة لن أدع ذلك يؤثر علي.
بالصدفة البحتة وقع تحت يدي مقال باللغة الإنجليزية عن أحد رواد الأعمال بولاية فلوريدا الأمريكية، وعنوان المقال كان صادم بالنسبة لي حيث كان “طفل القمامة سابقاً هو رائد أعمال ومدير شركة برأس مال 62 مليون دولار حاليًا”
كنت قد كتبت سابقاً عن أطفال القمامة وهم الأطفال الذين يُلقوا بهم ذويهم في صناديق القمامة لعدم رغبتهم في الإحتفاظ بهم. وهذا هو ما حدث مع “فريدي فيجرس” هذا الطفل البائس حينها الذي ألقت به أمه -قبل أن يبلغ من العمر شهراً واحداً -بالقرب من أحد صناديق القمامة في فلوريدا عام 1989. “فريدي” ألتقطه بعض المارة وذهبوا به إلى الشرطة ثم إلى المستشفى ثم إلى دار رعاية للأيتام واللقطاء. قصة قصيرة حزينة ومكررة في أغلب دول العالم، ولكن غير الطبيعي في هذه القصة هو النجاح الذي سنتعرف عليه لاحقاً في هذا المقال.
قد يكون الشيء الوحيد الجيد الذي حدث للطفل الرضيع هو قيام “نيثان وبيتي فيجرس” بتبني “فريدي” والذي أشتهر في كل ارجاء المدينة بطفل القمامة، ورغم أنهم كان لديهم أطفال آخرين إلا أنهم غمروه بكل أنواع الحب والاهتمام، حتى أن والده بالتبني أهداه في عيد ميلاده التاسع كمبيوتر كي يبقيه بعيداً عن المشاكل مع الأطفال الآخرين. ولكن الكمبيوتر كان قديم ومستعمل ولم يكن يعمل بشكل جيد فقرر فريدي إصلاحه، حاول خمس مرات وفشل وفي المرة السادسة نجح وأصبح الكمبيوتر يعمل. ومن هنا نجد أن فريدي منذ نعومة أظافره كان لدية إصرار وعزيمة فلم يفقد شغفة بعد محاولة أو اثنان بل ظل يحاول حتى نجح، قاعدة رقم واحد لأسرار النجاح “الإصرار والاستمرار في المحاولة”.
عندما بلغ الثالثة عشر بدأ يعمل لحساب شركة City of NetQuincy بمسمى وظيفي فني كمبيوتر وشبكات. وببلوغه سن الخامسة عشر قرر “فريدي” أنه يريد أن يصبح صاحب عمل وليس مجرد موظف. قاعدة رقم اثنين لأسرار النجاح “الطموح”
بدأ بتصليح أجهزة الكمبيوتر لبعض الأشخاص والشركات في مدينته والمدن المجاورة وفي نفس العام الذي أتم فيه سن الخامسة عشر أسس شركته الخاصة Figgers Computers Inc. والتي كان يديرها من منزل أبيه، حيث كانت ترسل إليه الشركات كل اسبوع ما بين 20 و40 كمبيوتر لإصلاحهم. ببلوغه سن السابعة عشر كان لدية حوالي 150 شركة يقدم لها خدمات متنوعة ما بين بناء مواقع على الانترنت أو برامج أو توفير أماكن لتخزين الملفات الهامة حيث تنوعت الشركات بين محامين وشركات بيع سيارات وشركات محلية أخرى. قاعدة رقم ثلاثة “العمل بِجِد واجتهاد وإخلاص”
تنوع وتطور عمل فريدي بشكل كبير ثم قام باختراع جهاز تتبع صغير أسماه “Tracker” وكان وظيفة هذا الجهاز تلقي إشارات منGPS لتحديد المكان الموجود به. استلهم “فريدي” فكرة هذا الجهاز عندما أصيب ابيه بالتبني بمرض الزهايمر، فاخترع “فريدي” هذا الجهاز كي يستطيع بسهولة تحديد مكان أبيه في حالة خروجه من المنزل حيث زرع هذا الجهاز في حذاء أبيه. ثم قام باستخدام هذا الجهاز الصغير من خلال زرعه في الهاتف المحمول فأصبح من السهل تحديد مكان الهاتف حتى لو كان مغلق. ثم بعدها قام باختراع جهاز آخر لمساعدة مرضى السكري أيضاً.
قاعدة رقم أربعة: وهذه قاعدة مركبة وجميلة حيث تشتمل على شيئان “الإبداع من خلال التفكير خارج الصندوق وبر الوالدين” وأنا شخصيًا لم أجد إنسان موفق في حياته إلا وله من بر الوالدين نصيب.
وفي عام 2009 قام بتقديم طلب للحصول على رخصة لإنشاء شركة اتصالات حيث أصبح منافساً لكبرى شركات الاتصالات مثل Verizon, AT&T, Sprint and T-Mobil. ومن يعيش في أمريكا يعلم أن هذه الشركات هي شركات عملاقة وتسيطر على السوق الأمريكي. وفي 2011 بدأ ببناء أول برج لبث شبكة الهواتف المحمولة لشركته الخاصة. قاعدة رقم خمسة: “الطموح لا نهاية له”
وعلى الجانب الإنساني قام “فريدي” بتأسيس مؤسسة بإسمه يقوم من خلالها ببعض الأعمال الخيرية وتقديم منح مالية للطلاب المتفوقين، كما قام بالتبرع ب ٥٠٠ هاتف محمول متصل بالساتاليت و٥٠٠ خط مزودين بعدد غير محدود من المكالمات والرسائل النصية والإنترنت وذلك لمساعدة شعب بورتوريكو وتسهيل التواصل فيما بينهم بعد إصابتهم بإعصار “ماريا و ايرما” اللذان دمرا البنية التحتية لشبكة المحمول هناك. قاعدة رقم ستة “افعل الخير دائمًا”
“فريدي” والذي أطلق عليه “طفل القمامة” أصبح الآن أول أمريكي من أصل أفريقي يمتلك شركة اتصالات وهواتف محمولة في الولايات المتحدة، وأصغر أمريكي يحصل على رخصة لتشغيل شركة الهواتف المحمولة التي يملكها . وكما جاء على لسان فريدي في موقعه الرسمي على الإنترنت أن ما حدث معه وتخلي والدته عنه وهو صغيرًا جدًا كان شيء صعبًا للغاية وظل يفكر به فترة طويلة ولكنه تجاوز كل هذا وأصر على النجاح. كما قال إنه لم تأتيه الفرصة لمعرفة والديه الحقيقيين ولكنه لا يشعر برغبة في معرفتهم. قاعدة رقم سبعة “التجاوز لكل ماهو سيء”
وهذا ذكرني بقول جلال الدين الرومي “أبق عينيك على النُور لتعبُر كل هذا الظلام”
قصة “فريدي” تصلح لأن تكون فيلمًا سينمائيًا، ربما لو شاهدناها في فيلم لما صدقناها ولكنها قصة حقيقية وواقعية لشاب أمريكي أسود تركته أمه بالقرب من صندوق قمامة وهي لا تعلم أن هذا الطفل سيصبح مليونيرًا قبل بلوغه عامه الثلاثين. والذي أعجبني جداً بهذه القصة هو عدم إخفاء “فريدي” لقصته أو حتى تجاهلها بل تعمد كتابتها على موقع شركته في تحد محمود للظروف السيئة التي حاوطته في بداية حياته. الآن وبعد قراءتي لهذه القصة أكاد أخجل من نفسي إذا قررت عمل شيئًا ثم خفقت أو فقدت الشغف أو تحججت بالظروف والمعوقات. أغلبنا أفضل حظاً من هذا الشاب الذي رغم كل هذا النجاح أعتقد أن بقلبه جُرح قديم حاول جاهدًا أن يداريه بالجد والعمل والاجتهاد ولكنه جُرح لن يندمل حتى لو أصبح أغنى وأشهر رجل في العالم، فالتخلي والخذلان من أقرب الناس وبدون اقتراف ذنب شيء صعب غفرانه.
ولمن يريد أن يعرف المزيد عن “فريدي” لانني لم استطع تغطية كل شيء عنه فهذا هو الموقع الرسمي لشركته.
بقلم/ أمنية مرسي،
ولاية تينيسي،
الولايات المتحدة