مايك بلومبيرغ، عمدة نيويورك الأسبق، ينفق أموالاً طائلة للإطاحة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن الرجلين كانا صديقين، فما الذي حدث بين أغنياء نيويورك؟ وكيف يكون التنافس بين أصحاب المليارات في مجال السياسة؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً، بعنوان: «كيف وصل الأمر إلى هذه المنافسة الشرسة بين بلومبيرغ وترامب؟ كميةٌ هائلة من الأنا»، ألقت فيه الضوء على ملابسات العلاقة بين الرجلين والتي قد يكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ألد الأعداء؟
هذه الأيام، يمكن وصف دونالد ترامب ومايك بلومبيرغ بأنهما عدوان لدودان، ولا شك في أن حملة عمدة نيويورك الأسبق ضد الرئيس تستفيد من أموال بلومبيرغ الهائلة للإطاحة بزميله الملياردير من مانهاتن، إذ وظَّف بلومبيرغ مئات الموظفين والمنظمين بطول 30 ولاية، وتنتشر إعلانات بلومبيرغ في كل مكان، كما حجز 60 ثانية من الإعلانات خلال مباراة السوبر بول، مع سعرٍ تقديري يصل إلى 10 ملايين دولار أمريكي.
وأعلنت حملة ترامب حجزها إعلانات في السوبر بول بقيمة 10 ملايين دولار بعد إعلان بلومبيرغ، في صورةٍ توضح شكل سباق التسلح الذي قد يصل إليه التنافس في الانتخابات العامة بين بلومبيرغ وترامب.
ويوم الإثنين، تناوش بلومبيرغ وترامب على تويتر، حين سخِر ترامب من أفكار عمدة نيويورك الأسبق حول الصحة، ووصفه بـ «مايك الضئيل». ورداً على ذلك؛ صحح بلومبيرغ مزاعم ترامب الكاذبة بأن إدارته تحمي الشروط القائمة المنصوص عليها في قانون الرعاية الصحية الأمريكي (أوباما كير).
ومؤخراً، نشر موقع الأخبار المالية Marketplace مقالةً افتتاحية قاسية بواسطة بلومبيرغ، تحمل العنوان التالي: «كان ترامب رائعاً بالنسبة لأشخاصٍ مثلي، ولكنني سأكون رائعاً بالنسبة لكم».
هل كانت الأمور بهذا التنافس دائماً؟
كلا، فقد احتفظ بلومبيرغ وترامب، مليارديرات نيويورك، بعلاقة ودٍّ وصداقة طوال سنوات، إذ كان أحدهما يصادف الآخر في الفعاليات الخيرية والحفلات، إلى جانب إحدى حفلات زفاف عمدة نيويورك الأسبق، رودي جولياني.
وكانا يتبادلان الثناء طوال ذلك الوقت. وخلال إحدى الفعاليات الخيرية بنادٍ للغولف عام 2007، قال ترامب: «إنه لمن دواعي فخري أن أقدم رجلاً أعتقد أنه من أعظم العمَد، وسيذكره التاريخ على أنه واحدٌ من أعظم من تولَّوا المنصب، إن لم يكن أعظم عمدةٍ على الإطلاق في تاريخ مدينة نيويورك». وفي عام 2013، سئِلَ ترامب: «هل تعتقد أن بلومبيرغ عمدةٌ رائع؟»، فأجاب: «نعم!». وخلال حفل افتتاحٍ بالعام نفسه، قال ترامب إن بلومبيرغ «كان عمدةً عظيماً. أعني أن الرجل رائع».
لدرجة أن ترامب أثنى على مواقف بلومبيرغ السابقة، فيما يتعلق بضوابط الأسلحة، في برنامج Fox & Friends على قناة Fox News الأمريكية.
وألقى بلومبيرغ على أسماع ترامب بعض الكلمات اللطيفة. إذ قال بلومبيرغ خلال حفل الافتتاح نفسه: «إذا كان هناك أي شخصٍ غيَّر في هذه المدينة؛ فهو دونالد ترامب». وفي عام 2004، ظهر بلومبيرغ في إحدى حلقات برنامج The Apprentice. وحينها قال ترامب إنه دعا بلومبيرغ إلى البرنامج، لأنه يكِنُّ «احتراماً كبيراً له».
ما أوجه الاختلاف بين الرجلين؟
وهذا رغم أن الهويات التي تميز بها كلٌّ منهما بوصفه مليارديراً شهيراً كانت مختلفةً بشدة. إذ يعيشان وسط دوائر اجتماعية مختلفة. ففي حين يحضر ترامب حفل عشاءٍ يستضيفه رجل الأعمال جيفري إبستين، يذهب بلومبيرغ إلى منزل الصحفية تينا براون.
وقالت ريبيكا كاتز، الخبيرة الاستراتيجية الديمقراطية من نيويورك: «أنا واثقةٌ بأن بلومبيرغ لا يمتلك أي مراحيض من الذهب في منزله. إنه نوع مختلفٌ من الأثرياء ليس لديه كثير ليثبته».
ويذكر نائب الكونغرس بيتر كينغ، الجمهوري من نيويورك، أن بلومبيرغ أخبره ذات مرة بأنه لم يتفاعل مع ترامب في الواقع سوى مرة واحدة خلال إحدى بطولات الغولف الخيرية.
وتابع كينغ: «لقد كانا من عالَمين مختلفَين بكل الصور»، مضيفاً أنه قابل ترامب بضع مرات فقط قبل صعوده إلى السلطة، في حين كان يعرف بلومبيرغ معرفة «جيدةً جداً». وقال كينغ إن بلومبيرغ ومن يدورون في فلكه نادراً ما يذكرون اسم ترامب.
وأردف كينغ: «لم يكونا يتعانقان ويتحدثان عن الأوقات الرائعة التي قضياها معاً في الماضي؛ بل كانا رجلَين يعرفان أحدهما الآخر، ولكن لم يبدُ أنهما من المقربَين بشدة، ولم يبدُ أنهما خصمان شديدان أيضاً».
منافسة شرسة يغذيها «المال والأنا»
لكن تلك الأيام قد ولَّت منذ وقتٍ بعيد، تاركةً الخصومة بينهما على العلن، مع احتمال أن يتصاعد العداء مع ضخهما مزيداً من الأموال والوقت في السباق الرئاسي لعام 2020. ويعتقد البعض أن تقاربهما الاجتماعي السابق قد يجعل تنافسهما أكثر حدة.
وتوقَّع كينغ، الذي جمع بلومبيرغ الأموال من أجله ويدعم ترامب في الوقت ذاته، أن تتضمن المواجهة المباشرة بين المرشحَين «كميةً هائلة من الأموال، وكميةً هائلة من الأنا، على الجانبين. وسيعتقد كلٌّ منهما أنه أذكى من الآخر». وأضاف أن كل ملياردير سيتصرف كأنه أنجز أموراً أكثر من الآخر.
كما أن العلاقة تتسم بشراسةٍ إضافية؛ نظراً إلى موقع بلومبيرغ الفريد من نوعه وسط أكثر من عشرة مرشحين ديمقراطيين يتنافسون لمواجهة ترامب.
وشهد بلومبيرغ ارتفاع أرقامه في استطلاعات الرأي الوطنية خلال الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، بالتزامن مع ضخه الأموال من أجل الدعاية لحملته، وبلومبيرغ هو الوحيد الذي ينحدر من ولاية ترامب نفسها (رغم أن السيناتور بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت وُلِد في بروكلين)، كما أن خلفيَّته بوصفه مليارديراً من خارج عالم السياسة ويتمتع بشهرةٍ في الأوساط السياسية، خلفيةٌ مشابهةٌ لخلفية ترامب.
ومؤخراً، بدأ ترامب يتساءل عن مقدار الأموال التي سيدفعها بلومبيرغ لهزيمته. في حين يبث بلومبيرغ إعلانات تَعِد بعدم تقليد عادات ترامب على تويتر، في حال انتخابه رئيساً.
لماذا فكَّر بلومبيرغ في الترشح للرئاسة؟
وفكَّر بلومبيرغ في الترشح للرئاسة عدة مرات بالماضي، لكن أداء ترامب في البيت الأبيض قد يكون هو النقطة الفاصلة التي دفعت به إلى السباق.
إذ يفضل مساعدو عمدة نيويورك الأسبق الإشارة إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها بلومبيرغ لانتقاد الرئيس الجمهوري. وبالتزامن مع افتتاح مكاتب حملته في أنحاء الولايات المتحدة، أضاف بلومبيرغ إلى تصريحاته العلنية بعض التحذيرات المروعة من إعادة انتخاب ترامب.
وقال بلومبيرغ، من داخل مكتب حملته الجديد في تينيسي: «يحاول دونالد ترامب تمزيق هذه البلاد، ويجب أن نتكاتف معاً إذا كنا نريد أن يكون لنا مستقبل». وفي اليوم ذاته، قالها بلومبيرغ بوضوحٍ في فيلادلفيا: «دونالد ترامب لا يعرف كيفية الإدارة. لم يسبق أن كان رجل أعمالٍ على الإطلاق. إنه مُطوِّرٍ عقاري، أي مروِّج».
وانتقد ترامب، بلومبيرغ أيضاً. ففي أوائل ديسمبر/كانون الأول، كتب ترامب تغريدةً ساخرة، قال فيها إن «مايك الضئيل، بلومبيرغ، أمر منظمته الإخبارية من الدرجة الثالثة بالتحقيق فيما يتعلق بالرئيس ترامب فقط».
ويعود هذا العداء إلى عام 2016. إذ ألقى بلومبيرغ خطاباً في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي خلال ذلك الصيف، وقال خلاله إنه لم يحضر بصفته «عضواً في أي حزب». ثم حث الناخبين على المساعدة في انتخاب هيلاري كلينتون وهزيمة «شخصيةٍ ديماغوجية خطيرة». وكتب ترامب حينها تغريدةً، قال فيها: «مايكل بلومبيرغ الضئيل، الذي لم يمتلك الشجاعة للترشح للرئاسة مطلقاً، لا يعرف شيئاً عني. لقد كانت ولايته الأخيرة كعمدةٍ لنيويورك كارثية!».
وفي مطلع عام 2019، سردت صحيفة Washington Post الأمريكية تطوُّر العلاقة بين ترامب وبلومبيرغ. وفي الوقت ذاته، قال ترامب للصحيفة إنه هو وبلومبيرغ كانا على وفاق، لكن العلاقة «خرجت عن السيطرة بشكلٍ غريب، بمجرد ترشحي للرئاسة».
وقال ترامب كذلك إن «بلومبيرغ لم يكن يهتم بالمناصب السياسية قبل ترشُّحي للرئاسة»، وأضاف: «أنا أدعم الأسلحة، وهو يعارضها». وهذا رغم أنَّ ترامب أثنى في الماضي على مواقف بلومبيرغ المتعلقة بالأسلحة.
وفي المقالة ذاتها، قال بلومبيرغ للصحيفة إن «معارضة دونالد ترامب هي طريقته لتأدية دوره الحالي، فيما يتعلق بتمثيل البلاد والجمهور العام. إذ إن هناك سلوكاً، وأسلوباً -وافتقاراً إلى الكياسة- أراه سيئاً بالنسبة للبلاد، وأعتبره مهيناً».