بالنظر إلى توقيت طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني، خطته للسلام في الشرق الأوسط، عليَّ أن أبدأ بالتساؤل: هل تتعلق هذه الخطة بدولتين لشعبين، أم أنَّها تتعلَّق بإلهاءِ واحد من قائدين موحلين؟
يبدو بالطبع أنَّ الجواب هو الثاني. ففي نهاية المطاف، يواجه كلٌّ من الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملياً اتهاماتٍ مُهدِّدة لمنصبيهما: ترامب لاتهامات تتعلق بعرقلته العدالة وإساءة استغلال السلطة، وبيبي نتنياهو، الذي أُدين حرفياً يوم الثلاثاء، لاتهامات تتعلق بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة. وكلاهما كان بحاجة ماسة لتغيير موضوع النقاش وتعزيز قاعدتهما الانتخابية المشتركة من اليهود والإنجيليين اليمينيين.
ولو كنتُ مكان غاريد كوشنر وعملتُ ثلاث سنوات على خطةٍ للسلام -وكنتُ جاداً بشأن الإنصات بنزاهة وبصورة كاملة لكل الأطراف- فمحالٌ أن أطرح الخطة في الوقت الراهن. وهذا يثير الشكوك في أنَّه كان بالفعل يتحرَّى ما أسلفتُ ذكره.
لكنَّ وجهة نظري التي أراها منذ أمدٍ طويل، هي أنَّ الشرق الأوسط لا يرسم البسمة على وجهك إلا إذا كان التغيير للأفضل نابعاً من الشرق الأوسط نفسه. إذ بدأت معاهدة كامب ديفيد بالإسرائيليين والمصريين، ثُمَّ أُشرِك الأمريكيون لاحقاً. وبدأ مسار أوسلو بالإسرائيليين والفلسطينيين، ولم تلتحق به أمريكا إلا لاحقاً. وتونس، دولة الربيع العربي الوحيدة التي شقت طريقها نحو الديمقراطية، هي تقريباً الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن لأمريكا صلة بها. وحتى تكون أي مبادرة للسلام جادة ومستدامة، يجب دائماً أن تبدأ «منهم».
مع ذلك، أعي كذلك أنَّه حين تطرح أمريكا شيئاً بهذا التفصيل على الطاولة، فليس بالإمكان تجاهله، أقله ليس على المدى القريب. وقد أعلن نتنياهو بالفعل أنَّ إسرائيل، بمباركة ترامب، ستتحرك سريعاً لفرض قانونها (كناية عن الضم) على غور الأردن في الضفة الغربية والمستوطنات اليهودية كافة في الأراضي المحتلة. سيكون من المثير للاهتمام رؤية الكيفية التي سيردُّ بها الاتحاد الأوروبي، الذي يمول معظم البنية التحتية للحُكم الفلسطيني في الضفة الغربية، بمجرد أن ينتهي من دراسة الخطة، فضلاً عن رد فعل كل فلسطيني وعربي. (لا أتوقع الكثير. فهذا الصراع يبدو أنَّه تجاوز تاريخ حلّه).
حسناً، على الرغم من الدافع السياسي الواضح لتوقيت طرح هذه الخطة، فضلاً عن الجزء الأكبر من مضمونها، هل هناك أي شيء في الخطة قد يمنحني الانطباع بأنَّ إدارة ترامب جادة حقاً بشأن الترويج لحل الدولتين، وأنَّ لديها فعلاً استراتيجية لتحقيق هذا الحل؟
نعم، إذا ما قام رئيسنا بعملٍ جاد. ماذا سيكون ذلك العمل؟ سيتمثل هذا العمل في أن يخبر نتنياهو بأنَّه قبل أن يمد السيادة الإسرائيلية إلى مستوطنات الضفة الغربية كافة وغور الأردن، يريد ترامب أمراً واحداً: بيان علني «لا لبس فيه» بأنَّ نتنياهو يقبل حقيقة أنَّه في حين تحصل إسرائيل على القدس الشرقية، التي تمثل أكثر من 20% من أساس الضفة الغربية، بمستوطناتها كافة، إلى جانب غور الأردن، فإنَّ الـ70% تقريباً المتبقية ستصبح دولة فلسطينية مستقلة في حال وافق الفلسطينيون على كل أشكال المتطلبات الأمنية الأخرى.
يجب على ترامب أن يقول لنتنياهو: «بيبي، أنت تقول إنَّني أكثر رئيس داعم لإسرائيل دخل البيت الأبيض على الإطلاق. وهذه الخطة كتبها فريقك. ودعمتُ الحد الأقصى من مواقفك، باستيعاب المستوطنات اليهودية كافة في إسرائيل، وكل القدس التقليدية، ودون حق عودة، للاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. الآن أريد أن أعرف، والفلسطينيون يريدون أن يعرفوا، والعالم يريد أن يعرف أنَّ هذا ليس موقفك الانطلاقي الجديد (للمطالبة بالمزيد). هل توافق حالاً على أن تُمثِّل الأراضي المتبقية دولة فلسطينية إذا ما وافق الفلسطينيون على نزع السلاح والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية؟ هل توافق -حالاً- على عدم المطالبة أبداً بمزيد من الضفة الغربية وعدم بناء أي مستوطنة أخرى خارج المناطق التي تحددها خطة ترامب لإسرائيل؟».
وإذا ما أنفق ترامب جزءاً يسيراً من رأس المال السياسي في عمل ذلك، ربما أبدأ في أخذ هذه الخطة على محمل الجد. لكن إذا ما سُمِح لنتنياهو بالتهرب من هذا السؤال، أو ردّ ترامب خائباً دون عواقب، فإنَّ هذا الأمر برمته سيكون مهزلة فعلاً، وسيكون مجرد نقطة الانطلاق الجديدة لعملية انتزاع الأراضي المقبلة، التي يقوم بها نتنياهو في الضفة الغربية.
في الواقع، إذا قال بيبي إنَّه لا يزال يريد أكثر مما تمنحه هذه الخطة فعلاً -مثلما يجادل غُلاة القوميين في تحالفه الحكومي- فإنَّه يعلن صراحةً أمام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ رغبته هي ضم كل الضفة الغربية، وأنَّ رؤيته لإسرائيل هي أن تصبح دولة ثنائية القومية/دولة فصل عنصري من شأنها أن تضم فلسطينيي الضفة الغربية البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة، دون منحهم حقوقاً سياسية كاملة.
هذه هي اللحظة التي نكتشف فيها ما إذا كان بيبي -الذي قال للرؤساء الأمريكيين طيلة عقود: «جرِّبوني بخطة حقيقية وسأُريكم أنَّ بإمكاني أن أكون زعيماً حقيقياً»- لديه أي نوع من النُّبل أم أنَّه مجرد مُمتهِن سياسي فاسد يسعى للبقاء خارج السجن وسيقوم بأي مناورة ضرورية قصيرة الأجل، بصرف النظر عن تأثيرها طويل الأجل على إسرائيل، لتحقيق هذه الغاية.
لأنَّ بيبي إن كان جاداً بأنَّ طموحه يتوقف عند ما حصل عليه الآن من ترامب، فإنَّه يحتاج إذاً تحالفاً داخلياً جديداً بالكامل -إذ ستثور ثائرة غُلاة المتعصبين في تحالفه- وربما حتى يكون هناك احتمال بالتوصل إلى حكومة وحدة وطنية معتدلة في إسرائيل.
في الوقت نفسه، وفي حين أتفهَّم لماذا يندد القادة الفلسطينيون بهذه الخطة، فإنَّهم مع ذلك يجب أن يحاولوا الخروج ببعض المنافع من هذا الموقف الصعب الذي وضعهم فيه ترامب. ليس الأمر كما لو أنَّ لديهم كثيراً من الخيارات الأخرى الجيدة. فالقادة الفلسطينيون عاجزون ومنقسمون منذ بعض الوقت، وقاطعوا إعداد هذه الخطة. مع ذلك، لو كنتُ مكانهم، لكنتُ قلتُ لترامب: «نعم، لكنَّنا سنستخدم هذه الخطة كأرضية في مقاوضاتنا مع الإسرائيليين، وليس كسقف».
الخلاصة: دون أن يدفع ترامب نتنياهو إلى إنهاء مطالباته بضم كل الضفة الغربية إلى غير رجعة، ودون قدرة القادة الفلسطينيين على إعادة توحيد فصائلهم السياسية المختلفة في غزة والضفة الغربية في هيئة واحدة يمكنها نظرياً قول «نعم» لنتيجة عادلة لشعبها، وفي الوقت نفسه كذلك تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، فإنَّ صفقة القرن التي طرحها ترامب ستلحق بمكتبةٍ عمرها قرن من خطط السلام الفاشلة في الشرق الأوسط