لم يترك معشر المتآمرين وسيلة إجرامية إلا وجربوها من أجل النيل من صمود الشعب السوري، والمساس بسيادة وطنه السوري ووحدة أراضيه، ومن أجل عرقلة الجيش العربي السوري عن تقدمه الميداني وثنيه عن الانتصارات التي يحققها بصورة لافتة، وعرقلته عن مواصلة ضرب بؤر الإرهاب وتنظيماته الإرهابية التكفيرية الظلامية، وفي سبيل ذلك لم يجد معشر المتآمرين ما يعينهم على ذلك، وعلى مواصلة تدمير الدولة السورية وبناها الأساسية، وشل قدراتها العسكرية والأمنية والاقتصادية سوى كذبة استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين وإلصاق التهمة بالجيش العربي السوري لتحقيق تلك الأهداف مجتمعة، بالإضافة إلى دعم التنظيمات الإرهابية ورفع معنوياتها المنكسرة.
اليوم، أجواء إدلب تتهيأ للعبة خبيثة كعادة الاستخبارات التركية وغيرها من أجل توريط الجيش العربي السوري بالسلاح الكيماوي الذي لم يعد يملكه البتة… بل أنه يتم تجهيز ما يسمى بأصحاب ”الخوذ البيضاء” للقيام بالسيناريو ذاته الذي قاموا بتأديته قبلا، وهي حركة تمثيلية تتم فيها تجهيز الكاميرات والأطفال والكبار لحالات اختناق مفتعلة وبرش المياه لتأكيد السيناريو بشكله الكامل. و في هذا الصدد، قال المركز الروسي للمصالحة في سورية: إنه سيتم تقديم هذه المشاهد على أنها ”ضربة جوية سورية”، وسيجري نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، لتتداولها وسائل الإعلام الغربية والعربية.
اذن، السيناريو التركي الغربي الخليجي، وضع على نار حامية، والمعلومات الروسية تؤكد عبر وزارة الدفاع أنها تلقت معلومات حول تحضير منظمة ما تسمى ”الخوذ البيضاء” الإرهابية وإرهابيي ”جبهة النصرة” لعمل استفزازي باستخدام مواد سامة في إدلب لاتهام الجيش العربي السوري. وأوضحت الوزارة في بيان لها أنه بحسب المعلومات التي تلقاها مركز التنسيق الروسي في حميميم من سكان منطقة سكنية في معارة الأرتيق بمنطقة جبل سمعان جنوب غرب حلب فإن أعضاء في منظمة ”الخوذ البيضاء” الإرهابية يحضرون بدعم من إرهابيي ”جبهة النصرة” لعمل استفزازي باستخدام مواد سامة في معارة الأرتيق بمشاركة نحو 200 شخص من أقارب الإرهابيين بمن فيهم الأطفال. وأشار المركز إلى أن ”الخوذ البيضاء” الإرهابية أوصلت 400 لتر من مواد كيميائية على متن شاحنتين إلى مكان تصوير العملية الاستفزازية باستخدام السلاح الكيميائي في إدلب داعيا المتورطين في هذه العملية للتراجع عن تنفيذ هذه الخطط الإجرامية
لقد ارتبطت الفبركات والمسرحيات حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا وبصورة أكثر دراما وأطول فصولًا ومشاهد منذ قرار منظومة التآمر والإرهاب على سوريا تشكيل عصابة ما يسمى بـ”الخوذ البيضاء” التي تضم عناصر مختلفة استخباراتية، وخبراء أسلحة، وخبراء إعداد سيناريوهات تمثيلية وتصوير وإخراج، حيث كان الظهور الأبرز لهذه العصابة مع مسرحية استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، والغوطة، وها هي اليوم تستعد وفق التقارير المتوالية والصادرة عن روسيا وحلفاء سوريا والمبنية على معلومات استخبارية لتنفيذ استفزازات كيميائية جديدة في محافظة إدلب. كما ارتبطت المسرحيات والاستفزازات الكيميائية دائما على الميدان السوري منذ تفجير المخطط الإرهابي التكفيري التآمري على سوريا وحتى اللحظة بكل عمل عسكري يقوم به الجيش العربي السوري ضد فلول الإرهاب التكفيري وبؤرهم في المناطق السورية المصابة بهذا الداء والتلوث الخطيرين.
وعلينا أن نؤكد أنّ الاستفزازات الكيميائية التي كانت تحدث بإخراج وسيناريو أميركي إسرائيلي، وتمثيل وأداء ما يسمى عناصر الخوذ البيضاء، أراد من ورائها أولئك البحث عن ذريعة للاعتداء بشكل مباشر، والمشاركة بالحرب الإرهابية التي ينفذها مرتزقتهم، حيث لم يشف التدخل من بعيد غليلهم، ولم يحقق لهم الغاية المرجوة، لأن سورية كانت في كل مرة تكسر شوكتهم وتردهم على أعقابهم خائبين، طال وجود إرهابييهم في المناطق التي تكوروا فيها أم قصر. فما أعلنته سابقاً القناة الصهيونية 12 بأن إسرائيل هي المسؤولة عن تلك الاستفزازات من ناحية التدريب والإشراف والتنفيذ، يؤكد وجود علاقات قوية تربطها بما يسمى الخوذ البيضاء، وأن أولئك لا يحركون ساكناً دونها، غير متناسين التوجيهات من المنبع الرئيسي الأميركي.
مرتزقة ”الخوذ البيضاء” ومنذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، وهم يتوارون خلف الأكاذيب الأميركية والتركية والسعودية، لإشاعة أنهم جاؤوا بهدف ”العمل الإنساني”، لكن سرعان ما انفضحت المهمة التي كلفهم بها الغرب، وجاؤوا من أجلها، وهي دعم ومساندة الإرهابيين وإنقاذهم في اللحظات الحرجة عبر فبركة القصص والروايات، واستخدام السلاح الكيميائي المزعوم، الذي لا تمتلكه سورية أصلاً وتخلصت منه بمعرفة المجتمع الدولي، وهي لو كان لديها أساساً فلن تستخدمه لاعتبارات كثيرة، فضلاً عن أنها لم تكن خلال مواجهتها الإرهاب في موقف ضعيف يدفعها لاستخدام هذا النوع من السلاح.
والمؤسف أن هذا يجري وفق شعارات خادعة ومضللة للرأي العام العربي، وخصوصا أولئك المغيبين والمعزولين عن الواقع والذين وقعوا ضحايا لإعلام عربي لا يزال يمارس دور العمالة والسمسرة والتخادم لأعداء الأمتين العربية والإسلامية، والذين يواصل هذا الإعلام غسل أدمغتهم، وملأها بالفبركات والأكاذيب وسائر الافتراءات خدمة للأعداء من جهة، وتعبيرا عن الحقد والكراهية المتجذرة تجاه الدول العربية المستهدفة لسلوكها العربي والقومي والوطني والإسلامي المشرف في مواجهة مشروعات الاستعمار والاحتلال ونهب حقوق الشعوب العربية، وسرقة مقدراتها وثرواتها وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.
لطالما ارتبطت المسرحيات الهزلية الهابطة والفبركات السخيفة بالتزامن مع العمليات العسكرية النوعية التي يقوم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، فإن الإعلان السوري ـ الروسي الجديد عن قيام معشر المتآمرين على سوريا بالاستعداد لاستفزازات كيميائية جديدة ليس أمرا مستغربا، وإنما لأنه بات المجال الواسع والأوحد للتعبير عن الانحطاط الأخلاقي وترجمته في صورة عمليات إجرامية ضد الشعب السوري ودولته، رغم حالة الانكشاف التي وصلت إلى درجة الافتضاح من خلال البراهين والأدلة التي تتضافر مع كل فبركة كيميائية تؤديها الأدوات الإرهابية الإجرامية، ورغم أنف معدِّيها ومخرجيها إلى الإعلام على النحو الذي رآه كل فطن ومنصف.
لقد بات تكرار واشنطن والغرب ومعهما تركيا ممجوجاً بمزاعم ”استخدام” سورية للسلاح الكيميائي مدعاة للسخرية والازدراء، وبات مكشوفاً ومفضوحاً أن إحياء هذه المزاعم وتجديدها يتزامن في كل مرة مع فشل رهانات الولايات المتحدة وأدواتها سواء على الصعيد الميداني أو على الصعيد السياسي، وجاءت الاتهامات الأخيرة لسورية بلهجة التهديد والوعيد على لسان أكثر من مسؤول أمريكي في أعقاب هزائم متلاحقة لـ”داعش” وغيره من المجموعات الإرهابية المرتبطة بواشنطن.
وفي هذا السياق، زعم وزير خارجية أمريكا بومبيو، أن العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش العربي السوري لتحرير مدينة إدلب في شمال غرب سورية من تنظيم ”النصرة” الإرهابي، والمجموعات الإرهابية الأخرى المدعومة من النظام التركي والموالية له، ”تزعزع” الاستقرار و”تقوض” اتفاق وقف إطلاق النار بموجب قرار الأمم المتحدة 2254.
دعوة بومبيو، لوقف العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري لاجتثاث الإرهاب من كامل إدلب… ليس فيها من الحرص على مصير المدنيين سوى مقدار الاستغلال السياسي، لأن الحرص على أبناء إدلب يكون بالعمل على إنهاء حالة احتجازهم من قبل الإرهابيين الذين يحتجزونهم رغماً عنهم منذ سنوات، وبإنهاء قذائف الحقد التي تحصد أرواح المدنيين السوريين من أطفال ونساء وشيوخ… ومنذ يومين هاجمت طائرات إرهابييها المسيّرة محطة غاز الريان ومعمل غاز جنوب المنطقة الوسطى ومعمل غاز إيبلا ومصفاة حمص في تناغم مباشر مع سياسة العقوبات التي مهدوا لها عبر ما يسمى (قيصر).
ولاشك أنّ بومبيو حينما يتحدث عن وقف عمليات الجيش العربي السوري بإدلب، فإنه يدرك وغيره من المتآمرين الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها محافظة إدلب، فهي ليست معركة واحدة فقط، ولا هي حسم عسكري فحسب، بل مركبة بأبعاد تتجاوز الحيّز الجغرافي، وتمتد إلى ما هو أبعد من السياسة والدبلوماسية، حيث الفعل هنا يحسم دور الإرهاب في سورية، وما يترتب على ذلك من إعادة اصطفافات سياسية وغير سياسية، وما يمليه من إعادة مراجعة للمواقف والحسابات وقواعد الاشتباك التي لا تتقاطع في بعض تجلياتها مع كل ما شهدته السنوات الماضية، بالتوازي مع الانعطافات الحادة التي تترتب بشكل تلقائي على المقاربة الإقليمية والدولية، التي ستظل مشدودة إلى أقدام الجندي العربي السوري وإلى بندقيته، وما تبقى ليس أكثر من رتوش تزيينية أو هوامش مفتعلة، قد تضيف هنا… وقد تزيد هناك، لكن الحصيلة هي تلك الإحداثيات الميدانية التي ترسم خرائطها على وقع اندحار الإرهاب وفشل المشروع في جولته الحالية على الأقل…
إدلب اليوم نقطة تركيز الاهتمام العالمي باعتبارها أصبحت خلال السنوات الماضية وكراً ومستودعاً لكثير من المجموعات الإرهابية التي انتقلت إليها من معظم الأراضي السورية، إضافة إلى التواجد الإرهابي الأساسي المنطلق من الداخل التركي والمرتبط بالاستخبارات التركية بشكل مباشر، وقد كانت بدايات وصول الإرهابيين الأجانب من خلال تركيا، إذ كانت الاستخبارات التركية تتعاون مع أجهزة الاستخبارات البريطانية والفرنسية مباشرة لتأمين نقل الإرهابيين من ليبيا مع أسلحتهم عبر المطارات والموانئ التركية ودفعها نحو إدلب في محاولات غبية لتأسيس ”إمارة إسلامية” لم يقدر لها النجاح يوماً وهي لن تستطيع تحقيق ذلك الوهم في أي يوم قادم.
إذن. أهمية حسم المعركة في إدلب لمصلحة الدولة السورية تكمن باعتبارها آخر الخطوات للقضاء الكامل على التنظيمات الإرهابية وتحرير كامل الأراضي من الإرهاب وتحقيق نقلة نوعية على المسار السياسي لإنهاء الأزمة، بيد أن هذا التوجه الذي هو من حق الدولة السورية وتضمنه الشرائع والقوانين الدولية، لم يرق للولايات المتحدة وحلفائها الذين أثارت الإنجازات الكبيرة للدولة السورية في حربها على الإرهاب وإفشال مخططاتهم العدوانية الهيستيريا لديهم فصعدوا من سعارهم بهدف مساعدة التنظيمات الإرهابية وإطالة أمد الأزمة وعرقلة عملية التسوية السياسية.
على أي حال، سورية ماضية في قرار حسم المعركة في إدلب ولن يحول دونه أي تحرك تركي أو أمريكي مشبوه يعرقل هذا التقدم، فإن كانت قوى العدوان تظن أن استعادة مسرحية ”الكيميائي” المفبركة واتخاذها ذريعة لوقف تقدم الجيش السوري نحو تحرير إدلب…، قد تؤثر في عملية الحسم فهي واهمة، لأن عملية ”إقفال ملف إدلب” قرار لا رجعة عنه رغم التهويل التركي والأمريكي…
وإذا كانت الاعتداءات الأخيرة التي تستهدف المدنيين في حلب والمناطق المُجاورة، تَنطلق من فَرضية أنه التصعيد الذي سيُقدم الإسناد لتَبعات الاستفزاز الكيماوي المُخططة، والذي قد يَستدرج الخصم لمُواجهة جرى الإعداد لها بغاية الاستثمار المُزدوج استهدافاً، سواء لناحية الهجوم أم لجهة محاولة التعويض، فإنها الاعتداءات التي قد تكون الأخيرة التي لن تُسقط فقط التفاهمات السابقة الخاصة بمنطقة خفض التصعيد ومُندرجاتها، وإنما ستَجعلها بحكم اللاغية، بمُقابل فرض مُعادلة جديدة لن تكون مُختصة بإدلب وحدها، بل ستمتد بمَفاعيلها إلى أبعد من التنف.
خلاصة الكلام: الأيام تمر، وأسود الجيش العربي السوري تزأر بانتظار لحظة تحرير إدلب. ولعبة الهروب إلى الأمام والهرولة لن تطول، ومن فشل بالطبخ السياسي فلن ينفعه الطبخ بالكيماوي ولا بخوذه ولا بالعقوبات، ومحرك البحث السوري لن يتوقف تقدمه لإنجاز الحلول وتفتيت ما بقي من فوضى الإرهاب بجميع تراب سورية المعطاءة. فزمن اليوم غير زمن الأمس وإدلب… ستتحرر مهما لفقوا وهددوا.
باحث وكاتب صحافي من المغرب.