يرى كاميرون هدسون -في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية- أن السودان يشهد في الوقت الراهن تحولات مذهلة فيما يتصل بعلاقاته الخارجية. فمن اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرورا بالحديث عن إمكانية مثول الرئيس السابق عمر البشير، يمكن الحديث عن توجهات مغايرة لما كان سائدا بعهد نظام المخلوع.
وقال الكاتب -وهو مبعوث أميركي خاص سابق للسودان- إن الموافقة على محاكمة البشير وبعض أركان نظامه أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب فظائع وإبادة جماعية بدارفور جزء من صفقة سلام أتت نهاية المباحثات مع الحركات المسلحة السودانية في جوبا عاصمة جنوب السودان.
مراجعات مذهلة
وأضاف الكاتب أن القرار والأحداث التي توالت في سلسلة مذهلة من المراجعات السياسية الرئيسية البارزة الأسابيع الأخيرة يُتوقع لها أن تعمل على إعادة تشكيل جذري لعلاقة السودان مع بقية العالم. ومن الممكن أن يؤدي قرار السلطات هذا إلى تحويل البلد من خصم دولي بارز للمحكمة الجنائية الدولية إلى حليف من خلال تقديم أكبر وأهم قضية في تاريخ المحكمة.
وأشار إلى أن قادة العمل السياسي بالسودان ظلوا مصابين بما يشبه الدوار عندما ظهرت تفاصيل عن اجتماع سري بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأضاف الكاتب أن إمكانية تطبيع العلاقات وإلغاء تاريخ العداء -الذي توج باستهداف السودان بهجمات جوية إسرائيلية قبل سنوات بسبب دوره في نقل الأسلحة إلى الفلسطينيين في غزة- تجعل القادة السودانيين الجدد في موقف جيد من حيث الوفاء بتعهداتهم باتباع سياسة خارجية متوازنة ولعب دور إيجابي بالمنطقة وخارجها.
من حمدوك لغوتيريش
وتحدث الكاتب عن رسالة بعث بها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الشهر الماضي، يطلب فيها مهمة سياسية شاملة جديدة للمنظمة بالسودان من شأنها أن تحول هذه العلاقة الأساسية من علاقة صراع إلى تعاون دائم في المساعدة على توطيد المكاسب الناتجة في بناء السلام وتقديم الدعم الفني بشأن إصلاح القطاعين القضائي والأمني.
ويقول أيضا إن هناك مسافة شاسعة بين وصف الأمم المتحدة بأنها قوة استعمارية غازية -كما اتهمها البشير عند مشاركتها في حفظ السلام بإقليم دارفور- وبين موقف السلطات السودانية الحالية التي ترغب في أن تلعب المنظمة دورا في نجاح التحول في السودان.
طابع مميّز
ويذكر الكاتب أن هذه المجموعة “المذهلة” من التحولات السياسية هي “الأكثر إثارة للإعجاب” بالنظر إلى الطابع المميز للحكومة التي تتقاسم المسؤولية مع مجلس السيادة الذي يسيطر عليه الجيش بداية المرحلة الانتقالية.
وأكد هدسون أنه لا يزال العديد من المراقبين يعتقدون أن المدنيين لن يكونوا قادرين على تغيير ديناميكية القوة الأساسية لدولة تحظى فيها المصالح والممتلكات العسكرية بالحماية والأولوية على أي شيء آخر.
وأضاف أنه في ظل هذا الافتراض، اتبعت العديد من الحكومات، بما في ذلك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نهج الانتظار والترقب لديناميكية الحكم في السودان. وبينما استمرت العديد من الحكومات في امتداح النظام المدني، فإنها ظلت حذرة ولم تقدم الحوافز السياسية الكبيرة مثل شطب العقوبات وإزالة الديون وتخفيف عبئها خشية أن يعيد الجيش تأكيد سيطرته الكاملة بمجرد إلغاء جميع العقوبات التي لا تزال مفروضة على السودان.
نهج خجول
ويشير الكاتب إلى أن الإحباط في ازدياد داخل السودان وخارجه بسبب نهج الحكومة الخجول في تنفيذ السياسات بدافع الخوف من إغضاب القادة السياسيين والعسكريين حول مختلف القضايا الكبيرة والصغيرة.
ويضيف أن تأخير استبدال الحكام العسكريين على مستوى الولايات بمسؤولين مدنيين جدد، والتراجع عن قرار إلغاء الدعم الذي يستنزف الخزانة، يدل على أن الحكومة الانتقالية لا ترغب في الدخول في مواجهة مع منافسيها الأقوياء.
ويختتم بأنه يصعب شرح التحركات الدراماتيكية من قبل الحكومة المدنية الأسابيع القليلة الماضية، مثل مثول كبار القادة السابقين أمام المحكمة الجنائية الدولية وتوسيع عمليات الأمم المتحدة بالبلاد، ويرى أن الخطوتين ربما تتعارضان مع مصالح الجيش ولكن في واقع الأمر، تشير هذه التحركات إلى أن الجيش يشارك الحكومة رغبتها في رؤية إعادة دمج البلاد في المجتمع الدولي.
المصدر : فورين بوليسي