كشفت وزارة العدل الأمريكية أنها لن توجه التهم إلى القائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق أندرو ماكابي، الذي لطالما كان الرئيس ترامب يوجه إليه غيظه وغضبه، مما زاد من الخلاف الشديد بين ترامب من ناحية والنائب العام ومسؤولي إنفاذ القانون الفيدراليين من ناحيةٍ أخرى.
جاء هذا التطور بعد أن ناشد المدعي العام ويليام بار على التلفاز، ترامب ليتوقف عن التغريد على منصة تويتر عن القضايا الجنائية، وبعدها بساعات قليلة، تحدى ترامب هذا الطلب، وفق ما قاله تقرير صحيفة The Washington Post الأمريكية.
علاقة متوترة مع ترامب: بينما قال ثلاثة مسؤولين من البيت الأبيض إن المدعي العام ويليام بار الذي هو أحد أكثر الوزراء إخلاصاً وفاعلية بالنسبة لترامب، لم يواجه أي خطر للفصل الفوري، لكن علاقة المدعي العام بالرئيس تواجه أخطر التهديدات التي مرت عليها حتى الآن. فجميع المسؤولين من داخل وخارج وزارة العدل يراقبون المشهد عن كثب، ويتساءل البعض عمَّا إذا كان هناك فعلاً خلاف بين بار وترامب، والبعض الآخر متحمس لما يبدو أنه دفاع من بار عن استقلالية المؤسسة التاريخية، والجميع في حالة من الحيرة بشأن الخطوة التالية.
فيما بدأ اليوم المليء بالأحداث، وهو حال العديد من أيام واشنطن الآن، بردة فعل ترامب المتحدي عبر تويتر على شيء رآه على التلفاز. اقتبس الرئيس من حوار المدعي العام ويليام بار يوم الخميس 13 فبراير/شباط مع قناة ABC News الأمريكية، الذي أكد فيه المدعي العام على أن ترامب لم يطلب منه أي شيء في أي قضية جنائية.
ليرد ترامب على لسانه الشخصي: “هذا لا يعني أنني ليس لدي الحق القانوني، بصفتي رئيساً، أن أفعل ذلك، لكنني اخترت ألا أفعل ذلك حتى الآن!”.
من جانبها رفضت متحدثة باسم وزارة العدل التعليق على تغريدة ترامب.
استقلالية وزارة العدل: بعد ساعات، أقدمت وزارة العدل على خطوة قد تُرى أنها إبراز لاستقلاليتها، وكشفت عن أنها لن توجه التهم لماكابي بالكذب على المحققين بشأن فضيحة إعلامية منذ سنوات.
قال مسؤولون على دراية بالأمور، تحدثوا مثل غيرهم ممن يعلقون على انفعالات ترامب بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إن ترامب لم يكن على علم مسبق بقرار ماكابي وكان منزعجاً. وقال هؤلاء المسؤولون إن محاميي البيت الأبيض ومن بينهم مستشار البيت الأبيض بات كيبولون تحركوا لتهدئة الرئيس. وقال أحد المسؤولين إن ترامب “يعتقد بقوة أنه لا بد من وجود رد على هذا الفعل”.
من جانبه، لم يتحدث ترامب الذي يقضي عطلة نهاية الأسبوع في منتجعه مار آلاغو في جنوب فلوريدا، عن مقابلة بار التلفزيونية، أو قضية ماكابي في خطاب قبل مغادرة البيت الأبيض. وقال شخص على دراية بالأمر إن ترامب وبار تحدثا يوم الجمعة 14 فبراير/شباط 2020، بعد الظهيرة، لكن موضوع النقاش لم يكن واضحاً. ووفقاً لمن هم على دراية بالأمر، نصح مستشارو البيت الأبيض ترامب بعدم مناقشة ماكابي على الإطلاق.
قطيعة مع ترامب!: في الوقت نفسه، ظل المشرعون الديمقراطيون والمحللون القانونيون في حالة ترقب لما سيفعله بار، وأشار تطور آخر يوم الجمعة أنه بعيد عن القطيعة الكاملة مع الرئيس.
وفقاً لمن هم على دراية بالأمر، كلف بار مدعين مستقلين، في مكتب نائب المدعي العام ومكتب المحامي الأمريكي في سانت لويس، لمراجعة طريقة التعامل مع القضية الجنائية ضد المستشار الأمني السابق لترامب مايكل فلين، وقضايا فساد عام، وقضايا أمن قومي حساسة أخرى في مكتب المدعي العام للولايات المتحدة في واشنطن. ومن بين القضايا الأخرى، التحقيق في شأن مؤسس شركة Blackwater إريك برنس في الكذب المحتمل على الكونغرس، بالإضافة إلى أمور أخرى لم تُعلن بعد، حسبما قال شخص على دراية بالأمر.
بدأ المدعون عملهم في الأسابيع الماضية، وقال أحد مسؤولي وزارة العدل إن هناك مدعياً من مكتب المحامي الأمريكي بسانت لويس يعمل مع مدعي فلين براندون فان غراك، ووصف عمله بأنه “يساعد” فان غراك في مراجعة القضية.
أشعل هذا مخاوف بين النواب العموميين العاملين وآخرين من أن القيادة السياسية للوزارة تضغط لتمارس المزيد من السيطرة في نقطة مهمة من القضايا الحساسة، رفيعة المستوى.
كان فلين أحد أوائل الناس الذين اعترفوا بإدانتهم في تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر الثالث، واعترف أنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالية بشأن اتصاله مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه منذ ذلك الحين يحاول سحب اعترافه ويتهم المدعين بسوء استخدام السلطة.
مساعي ترامب السابقة: ولقد سعى ترامب جاهداً إلى تقويض تحقيق مولر والمشاركين فيه، إما عن طريق المطالبة بالتحقيق مع المحققين، أو في حالات أكثر تطرفاً بتوجيه تهم جنائية ضدهم. وحدث ذلك تحديداً مع مكابي ورئيسه السابق جيمس كومي.
إذ قال شخص مقرب من ترامب وبار متحدثاً عن الرئيس: “من بين كل هؤلاء، يبدو أن كومي ومكابي أثارا غضبه كثيراً”.
أما خلف الكواليس، فكان ترامب يستشيط غضباً من عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد الرجلين، وذلك بعد تطور الأحداث مثلما حدث في واقعتين، فعلى سبيل المثال في أغسطس/آب 2019، عندما أعلن مسؤولون أن كومي لن يواجه اتهامات بسبب تعامله مع المذكرات التي كتبها أثناء عمله مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وفي يناير/كانون الثاني، عندما ذكرت صحيفة The Washington Post أن إعادة النظر في مزاعم الفساد المتعلقة بهيلاري كلينتون لم تخرج بشيء، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات.
بصفته مسؤولاً رفيع المستوى في إنفاذ القانون، أعطى مكابي الإذن لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالبدء في التحقيق مع ترامب شخصياً لعرقلته المحتملة للعدالة فيما يتعلق بالتحقيق في مدى صحة تنسيق حملة ترامب مع روسيا للتأثير على انتخابات عام 2016.
خداع المحققين: أصبح مكابي محور تحقيق لهيئة محلفين كبرى حول مزاعم المفتش العام لوزارة العدل بأنه كذب على المحققين فيما يتعلق بتسريب إعلامي. وأعطى مسؤولون في الوزارة الإذن للمدعين العموميين بالتحقيق معه العام الماضي، وفي سبتمبر/أيلول 2019، اُستدعيت هيئة محلفين كبرى كانت تستمع إلى الأدلة للنظر في القضية مجدداً بعد توقف دام عدة أشهر.
لكن اليوم بدأ وانتهى دون توجيه أي اتهامات عامة. وسعى فريق مكابي القانوني للضغط على وزارة العدل للحصول على تحديث للحالة ولكن لم يُطلع على أي شيء. ورفضت متحدثة باسم مكتب المدعي العام للولايات المتحدة في واشنطن العاصمة، الذي قاد التحقيق، التعليق.
قال مكابي، وهو أحد المساهمين في شبكة CNN، على الشبكة يوم الجمعة إن التحقيق كان بمثابة “سحابة سوداء مروعة كانت تحوم فوقي وعائلتي طوال العامين الماضيين تقريباً” وإن النهاية الرسمية له كانت بمثابة “راحة” لا يمكنه وصفها. وقال: “كانت لحظة مؤثرة للغاية لعائلتي بأكملها”.
تعقيدات لمحاكمة ماكبي: أدت هجمات ترامب إلى تعقيد محاكمة ماكبي على وجه التحديد. فوفقاً لمواد نشرت يوم الجمعة في إحدى قضايا قانون حرية المعلومات المتعلقة بالتحقيق، نبه قاضٍ اتحادي في العاصمة الأمريكية واشنطن المدعين العموميين في القضية إلى أن الجمهور يراقبهم وأن تعليقات البيت الأبيض لها تأثير سلبي.
قال القاضي ريجي والتون: “أصبحنا أشبه بجمهوريات الموز ونحن نسلك هذا الطريق ونرى هذا النوع من التصريحات التي قد يُعتقد أنها، حتى لو أنها لا تفعل، تؤثر على القرار النهائي. أعتقد أن هناك الكثير من الناس في الخارج يدركون أن هناك ممارسة لضغوط لا مبرر لها وغير مناسبة”.
تغريدات ترامب صاحبت الأزمة: انشغل بار أيضاً لأسابيع بتغريدات ترامب حول القضايا الجنائية، وقرر يوم الخميس الإفصاح عن مشاعره.
قال لشبكة ABC News: “أعتقد أن الوقت قد حان لوقف التغريدات عن القضايا الجنائية لوزارة العدل”، مضيفاً أن مثل هذه التصريحات “عن الوزارة، وعن العاملين في الوزارة، ورجالنا ونسائنا هنا، والقضايا المعلقة هنا، والقضاة الذين لديهم قضايا لينظروا فيها، تجعل من المستحيل بالنسبة لي أن أؤدي وظيفتي وأن أؤكد للمحاكم والمدعين العموميين والوزارة أننا نؤدي عملنا بنزاهة”.
فيما أعلم موظفو وزارة العدل البيت الأبيض بمقابلة بار مع ABC بعد تسجيلها، ولكن قبل بثها، وفقاً لشخص مطلع على الموضوع. وقال هذا الشخص إنهم لم يقدموا تفاصيل. وفي الأسابيع الأخيرة، قال بار لترامب سراً أكثر من مرة إن تغريدات الرئيس وتصريحاته العامة تثير صعوبات أمام وزارة العدل، ولكن عندما بدا أن تلك المحادثات السرية لم تأتِ بالتأثير المنشود، قرر المدعي العام إثارة القضية علناً، وفقاً لأشخاص مطلعين.
قال بار أيضاً في مقابلة أجريت معه يوم الخميس إن ترامب سيكون من حقه طلب إجراء تحقيق جنائي في أمر لا يؤثر على مصلحته الشخصية، كما في حالة الإرهاب أو احتيال أحد البنوك. لكنه قال إن المدعي العام لن يمتثل لأمر بالتحقيق مع معارض سياسي.