يُنظّم مرشحو الحزب الديمقراطي حملاتهم الانتخابية منذ أكثر من عام لإقناع مؤيدي الحزب بأنَّهم الأنسب للفوز على دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وبعد أن شهدت الولايات المتحدة 7 مناظرات محتدمة بين المرشحين المحتملين عن الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية يتصدر حالياً مرشح كان على هامش تلك العملية المطولة ليصبح أهم منافس لترامب في الانتخابات، إنه الملياردير مايكل بلومبرغ.
هل يكون بلومبرغ خيار الديمقراطيين أمام ترامب؟
يقول موقع The Middle East Eye البريطاني إن عمدة مدينة نيويورك السابق، مايكل بلومبرغ، بات يظهر بصفته خياراً مفضلاً داخل الحزب الديمقراطي، إذ تأهل الأربعاء 19 فبراير/شباط للمشاركة في المناظرة الرئاسية للمرشحين الديمقراطيين لسباق الرئاسة الأمريكية، حيث يواجه خصومه الساعين لترشيح الحزب لهم في الانتخابات التمهيدية.
وحصل رئيس بلدية نيويورك السابق على تأييد بنسبة 19% على مستوى البلاد، ليأتي ثانياً بعد بيرني ساندرز، الذي حصل على 31% في استطلاع أجراه «آن بي آر ــ بي بي أس نيوزاور ــ ماريست سيرفي». ويعني ذلك أنه حصل على العتبة التي حددتها اللجنة الديمقراطية الوطنية، متجاوزاً مرشحين كان يُنظر إليهم على مدار شهور باعتبارهم في مقدمة المنافسة.
أثار نهج بلومبرغ في إنفاق مئات الملايين من الدولارات من جيبه الخاص للفوز بالرئاسة مخاوف العديد من النقاد، الذين يرغبون في الحد من دور المال في السياسة الأمريكية. وقد تعرّض بلومبرغ لوابل من الانتقادات الشديدة بسبب برنامجه لمراقبة الجاليات المسلمة في نيويورك، فضلاً عن أنَّه سمح للشرطة بـ “إيقاف وتفتيش” من يشكون بهم، وهي سياسة استهدفت الأقليات العرقية من الأفارقة والمنحدرين من أمريكا اللاتينية.
مَن هو مايكل بلومبرغ؟
ركَّز عمدة نيويورك السابق على استمالة الناخبين من خلال التركيز على فرصه الانتخابية بأنَّه الوحيد القادر على هزيمة ترامب في الانتخابات العامة.
كان بلومبرغ أيضاً مدافعاً صريحاً عن قضايا ليبرالية مثل اللوائح الخاصة بحماية البيئة والحد من انتشار الأسلحة. وفي عام 2018، دعم بلومبرغ عشرات المرشحين الديمقراطيين للكونغرس بملايين الدولارات، مما ساعد الحزب على استعادة السيطرة على مجلس النواب.
تخرّج بلومبرغ من جامعة هارفارد ويحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. وقد تحوَّل رجل الأعمال البالغ من العمر 78 عاماً إلى ملياردير بعد تأسيس شركته Bloomberg LP” ” للخدمات المالية الدولية.
اُنتخب بلومبرغ عمدة مدينة نيويورك بصفته مرشحاً عن الحزب الجمهوري في عام 2001، واستمر في منصبه لثلاث ولايات حتى عام 2013، ثمَّ غيّر اتجاهه السياسي إلى “مستقل” في أواخر عام 2013.
ما موقفه من القضايا الخارجية؟
بينما واجه بلومبرغ تدقيقاً واسعاً بشأن أدائه خلال فترة توليه منصب عمدة نيويورك، فإنَّ سياساته وخططه للرئاسة لا تزال غامضة -لاسيما عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
يخلو قسم السياسة الخارجية في الموقع الإلكتروني لحملته الانتخابية من أي خطة ملموسة أو مواقف سياسية مُحدّدة بخلاف مشاركة ترويجية في منظمات دولية.
لكن المقابلات القليلة التي أجراها حول هذا الموضوع تُظهر أنَّ مواقفه تختلف عن بقية المرشحين الديمقراطيين إزاء القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، خاصةً الموقف المُتشدّد لزملائه المتنافسين تجاه المملكة العربية السعودية.
بينما تعهّد تقريباً جميع المرشحين الديمقراطيين المحتملين لانتخابات 2020 بإجراء تغيير جذري في علاقة واشنطن بالرياض بعد اغتيال جمال خاشقجي، أشاد بلومبرغ علناً بالقيادة السعودية بعد أشهر من جريمة القتل.
إليك بعض مواقف واتجاهات عمدة نيويورك السابق حيال عدد من القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط
1- بشأن المملكة العربية السعودية: “لقد أحرزوا تقدماً في الاتجاه الصحيح”.
بينما كان المرشحون الديمقراطيون الآخرون يتبارون فيما بينهم على إدانة السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في اليمن وسجن المعارضين وجريمة قتل خاشقجي، تبنّى بلومبرغ لهجة أهدأ عندما سئل عن المملكة.
في مقابلة مع صحيفة “Arab News ” السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، أشاد بلومبرغ بالقيادة السعودية لما وصفه بالجهود المبذولة “لجعل تلك الدولة تواكب العالم الجديد”.
وقال العمدة السابق، الذي التقى مع الأمير محمد بن سلمان في عام 2018 أثناء زيارة ولي العهد لنيويورك: “لقد أحرزوا تقدماً في الاتجاه الصحيح”. ولم يذكر بلومبرغ شيئاً عن المدافعين عن حقوق المرأة، الذين تعرضوا للمضايقات والسجن والتعذيب في المملكة، لكنه أشاد بـ “الإصلاحات”، التي نفّذها الحكام السعوديون وساهمت في تحسين أوضاع المرأة في المملكة.
وذكر بلومبرغ أنَّ عدداً من النساء السعوديات أخبروه أنَّ “تلك الإصلاحات هي أفضل شيء حدث على الإطلاق للمملكة العربية السعودية، وأنَّهم يسيرون الآن في الاتجاه الصحيح”. هذا الموقف يضعه في تناقض صارخ مع المرشحين الآخرين الأوفر حظاً في السباق.
دعا السيناتور بيرني ساندرز إلى إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن وتغيير علاقات واشنطن مع الحكومة “الاستبدادية” في الرياض. من جانبه، تعهّد جو بايدن، النائب السابق للرئيس باراك أوباما، بتحويل السعودية إلى دولة “منبوذة” في حال فاز في الانتخابات.
حتى عندما سُئل بلومبرغ مباشرةً عن خاشقجي من جانب مجلس العلاقات الخارجية في يناير/كانون الثاني، مهَّد بلومبرغ إدانته لجريمة القتل بالتشديد على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، في إجابة تبدو أقرب إلى ترامب من منافسيه الديمقراطيين.
وقال بلومبرغ إنَّ “العلاقات الأمريكية-السعودية لا تزال بالغة الأهمية بالنسبة للاستقرار في الشرق الأوسط وأسواق الطاقة العالمية”. وأضاف: “ينبغي للولايات المتحدة العمل مع السعوديين لمواجهة سلوك الهيمنة الإيراني في المنطقة، وتحقيق الاستقرار لأسعار النفط عند مستوى معقول وتنشيط عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية”.
ثم انتقد ترامب لإطلاقه يد الرياض في المنطقة بدون متابعة أو مراجعة. وقال بلومبرغ: “أود التوضيح أنَّ الحكومة السعودية يتعيَّن عليها العمل على إنهاء أزمة حقوق الإنسان في اليمن وتحسين سجل حقوق الإنسان الخاص بها، بما في ذلك طريقة معاملتها للمرأة السعودية”.
2- بشأن إيران: يعارض الاتفاق النووي، لكنه يقول إنَّ ترامب مخطئ في الانسحاب منه
عارض بلومبرغ الاتفاق النووي مع إيران منذ التوقيع عليه لأول مرة في عام 2015، لكنَّه يقول الآن إنَّ ترامب أخطأ عندما قرر الانسحاب منه. نصَّ هذا الاتفاق المتعدد الاطراف على تقييد ايران لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على اقتصادها.
قال متحدث باسم حملة بلومبرغ لوكالة أنباء “Jewish Telegraphic” في يناير/كانون الثاني: “رغم أنَّ الاتفاق لم يكن مثالياً –إذ لم يتناول البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، وأعطى النظام الإيراني غطاء سياسياً لمضاعفة أنشطته العدوانية في المنطقة- كان يتعيَّن على الولايات المتحدة الالتزام بتعهداتها بمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ”.
وأضاف أنَّ “انسحاب الولايات المتحدة قد سمح لإيران بالتخلي عن التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق، وترك العالم أمام خيارات محدودة لردعها”.
وعلى خُطى منافسيه الديمقراطيين، قالت حملة بلومبرغ لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّ الملياردير الأمريكي سيعود إلى الصفقة النووية بدون شروط مسبقة. لكن في نفس المقابلة، قال بلومبرغ إنَّه سَيُبقي على العقوبات الحالية المفروضة على إيران، وهو ما يُمثّل خرقاً لبنود الاتفاق النووي.
وقالت الحملة الانتخابية للصحيفة الأمريكية: “يعتقد مايكل بلومبرغ أنَّ الولايات المتحدة تحتاج إلى استراتيجية متماسكة لمواجهة إيران تشمل إحياء الاتفاق النووي الإيراني وتعزيزه، الإبقاء على العقوبات الحالية ضد طهران حتى يتغيّر سلوكها؛ العمل داخل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لتقييد تطوير برنامج الصواريخ الإيرانية، وتعزيز العلاقات مع شركائنا العرب لمقاومة طموحات الهيمنة الإيرانية”.
وفيما يتعلق باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، تعارض بلومبرغ مُجدّداً تعارضاً شديداً مع منافسيه الديمقراطيين، الذين أدانوا الضربة الأمريكية التي استهدفت سليماني بوصفها متهورة وموضع شك من الناحية القانونية.
أوضحت حملة بلومبرغ، في تصريحاتها لصحيفة The New York Times، أنَّ “الضربة الأمريكية قانونية ومبررة، شريطة أن تكون لدينا معلومات استخبارية عن تهديد وشيك للأمريكيين”.
رفض العديد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي تأكيد الإدارة الأمريكية أنَّ الجنرال الإيراني كان يُشكّل “تهديداً وشيكاً” للقوات والمصالح الأمريكية في المنطقة.
3- بشأن إسرائيل وفلسطين: “إسرائيل هي الحليف الأقرب والأكثر موثوقية للولايات المتحدة”
بينما تدعو القاعدة التقدمية في الحزب الديمقراطي إلى اتّباع نهج أكثر توازناً إزاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ظلّ بلومبرغ مؤيداً قوياً لإسرائيل. وفي مقابلة مع مجلس العلاقات الخارجية في يناير/كانون الثاني، قال عمدة نيويورك السابق إنَّ إسرائيل هي الحليف “الأقرب والأكثر موثوقية” للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف: “تعمل وكالاتنا الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية بشكل وثيق مع نظيراتها الإسرائيلية لتعزيز أمن الدولتين”. وتابع: “أعتقد أنَّ قدرة أمريكا على الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط تتوقف على إسرائيل”.
وبينما أشار إلى أنَّه يدعم حل الدولتين الذي يسفر عن قيام دولة فلسطينية مستقلة، أكَّد بلومبرغ أنَّ “لديه التزام ثابت بدعم أي حل قائم على أساس دولتين بما يضمن أمن إسرائيل”.
وقال عمدة نيويورك السابق إنَّ “الشعب الفلسطيني يستحق قيادة تعطي الأولوية للخدمات الأساسية وتعزيز الصحة العامة والفرص الاقتصادية”.
تجدر الإشارة إلى أنَّ مناصرة بلومبرغ لإسرائيل تعود إلى سنوات سابقة. في عام 2014 أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، سافر بلومبرغ إلى إسرائيل في بادرة تضامن على الرغم من الحظر المؤقت الذي فرضته إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية على الرحلات الجوية إلى إسرائيل لأسباب تتعلق بالأمان والسلامة.
وبعد قصف إسرائيلي أسفر عن مقتل 16 مدنياً فلسطينياً في مدرسة تابعة للأمم المتحدة في غزة في هجوم وصفته إدارة أوباما بأنَّه “لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها” خلال نفس الحرب 2014، دافع بلومبرغ عن هذا الهجوم، متهماً أعضاء حركة حماس بالاختباء وسط المدنيين.
وقال بلومبرغ خلال مقابلة مع برنامج “Face the Nation” المذاع على قناة “CBS” الأمريكية: “لا أحد يهاجم المدارس أو المستشفيات. نحن نهاجم حماس”.
وجهات نظر إزاء عدد من القضايا البارزة الأخرى
غزو العراق: على الرغم من تأييده لقرار الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش بشأن غزو العراق عام 2004، وصف بلومبرغ مؤخراً هذا الغزو بأنَّه أكبر خطأ للسياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
قال بلومبرغ لمجلس العلاقات الخارجية في يناير/كانون الثاني: “أسفرت كارثة غزو العراق عن مقتل 4400 جندي أمريكي، وإصابة 32 ألف آخرين بجروح مع معاناة مستمرة، وأودت بحياة ما يقرب من 200 ألف مواطن مدني عراقي، فضلاً عن زعزعة الاستقرار في معظم أنحاء الشرق الأوسط والمساهمة في صعود إيران المهيمنة، وأفرزت تنظيم القاعدة في العراق، ثم تنظيم الددولة الإسلامية (داعش)، وكلَّفت دافعي الضرائب الأمريكيين ما يقدر بـ 2.4 تريليون دولار، وجعلتنا نغفل عن مهمتنا في أفغانستان”.
القوات في الشرق الأوسط: فيما يتعلق بالقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان والعراق وسوريا، أشار بلومبرغ إلى أنه سيحتفظ بعدد صغير من الجنود في تلك المناطق لضمان هزيمة دائمة للجماعات المسلحة المُتشدّدة مثل تنظيم القاعدة.
قال لصحيفة “Military Times” الأمريكية في وقتٍ سابق من هذا العام: “سأحتفظ بقوة صغيرة في أفغانستان تتركز مهمتها فقط على جمع المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب لتحول دون أن تصبح البلاد ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة وداعش”.
وبالنسبة لسوريا والعراق، أوضح مايكل بلومبرغ أنَّ وحدات قوات العمليات الخاصة الأمريكية قد أدت دوراً فعالاً في هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، قائلاً: “لن أسحب هذه القوات فجأة في مكالمة هاتفية أو بناءً على رغبة مفاجئة –كما يفعل الرئيس ترامب- لأنَّ ذلك يُعرّض القوات والمهمة الأكبر للخطر”.