في العام الجاري 2020، وفي وقت تجري فيه الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقبلة في أميركا، يشيع القول إن الولايات المتحدة أصبحت منقسمة سياسيا وثقافيا أكثر من أي وقت مضى، لكن بعض المؤرخين يرون أن الانقسامات الحالية في المجتمع الأميركي تعد باهتة ومحدودة للغاية مقارنة بأحداث منتصف القرن 19.
وفي تغريدة له على تويتر نهاية العام الماضي، اقتبس الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرا يشير إلى احتمال حدوث شرخ في الولايات المتحدة أشبه “بالحرب الأهلية”، إذا نجح الديمقراطيون في عزله من منصبه.
وكمؤرخ درس عصر الحرب الأهلية وكتب عنه، يقول أستاذ تاريخ الحرب الأهلية الأميركية بجامعة فيرجينيا غاري دبليو غالاغر؛ إن الأمة والمجتمع الأميركيين تفككا حرفيا في الفترة بين انتخاب الرئيس 16 للولايات المتحدة الأميركية أبراهام لنكولن في نوفمبر/تشرين الثاني 1860 واستسلام جيش الكونفدرالية بقيادة الجنرال روبرت إدوارد لي في أبريل/نيسان 1865.
وحمل أكثر من ثلاثة ملايين رجل السلاح، وأصبح مئات الآلاف من المدنيين السود والبيض في ولايات الكونفدرالية (جنوب الولايات المتحدة الحالية) لاجئين، وجرى خلال هذه الفترة تحرير أربعة ملايين من الأميركيين الأفارقة المستعبدين من العبودية.
وبعد انتهاء الحرب، سرعان ما دخلت البلاد في عقد من الخلاف العنيف حول الطريقة المثلى لتنظيم المجتمع، ويعتبر غالاغر أن مقارنة أي انقسام حالي وفي السنوات الماضية بهذه الاضطرابات المأساوية يعد عدم فهم للتاريخ الأميركي، حسب مقاله المنشور بموقع “كونفيرذيشن”.
الضرب والاغتيال
توضح بعض الأمثلة الفرق العميق بين الانقسامات خلال فترة الحرب الأهلية، وتلك الموجودة في الحاضر والماضي القريب.
غالبا يستخدم الممثلون البارزون حفلات توزيع الجوائز كمنصة للتعبير عن عدم الرضا عن الزعماء السياسيين الحاليين، ولكن في 14 أبريل/نيسان 1865، عبر الممثل جون ويلكس بوث، وهو أحد الممثلين الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، عن استيائه من أبراهام لنكولن بإطلاق النار عليه في مؤخرة رأسه.
واليوم، يسمع الأميركيون ويشاهدون بانتظام أعضاء الكونغرس وهم يوجهون انتقادات لاذعة لبعضهم البعض أثناء جلسات الكونغرس وفي أماكن أخرى، ولكن في 22 مايو/أيار 1856، ضرب النائب الأميركي بريستون بروكس من ساوث كارولينا السيناتور تشارلز سومنر من ولاية ماساتشوستس بطريقة دموية على أرضية قاعة مجلس الشيوخ على خلفية الموقف من العبودية.
وإذ أثارت الانتخابات الأخيرة في أميركا جدلا حول احتمالية انفصال تكساس أو كاليفورنيا عن بقية البلاد، فإنه بعد انتخاب رئيس جمهوري عام 1860، انفصلت -بالفعل- سبع ولايات من العبيد في الفترة بين 20 ديسمبر/كانون الأول و1 فبراير/شباط 1861. وتبعتها أربع من الولايات الثماني الباقية للعبيد في الفترة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 1861.
حرب غاضبة
وهكذا واجه الأميركيون حقيقة أن النظام السياسي الذي أنشأه الجيل المؤسس فشل في إدارة الكسور والانقسامات الداخلية، وجعل “الولايات المتحدة” في الشمال، و”الكونفدرالية” المنشأة حديثًا في الجنوب ينخرطان في حرب مفتوحة ودموية.
ويؤكد نطاق القتال الذي تلا ذلك عدم صحة الادعاءات بأن الولايات المتحدة منقسمة الآن أكثر من أي وقت مضى، حسب أستاذ تاريخ الحرب الأهلية الأميركية غالاغر الذي يقول إنه “لا توجد مسألة سياسية في عام 2020 يمكن مقارنتها بقضية العبودية في منتصف القرن 19 من حيث الانقسام”.
وأدت أربع سنوات من الحرب الأهلية إلى ما لا يقل عن 620 ألف قتيل، أي ما يوازي نحو 6.5 ملايين قتيل في الولايات المتحدة عام 2020 مقارنة بعدد السكان.
كانت مؤسسة العبودية وانتشارها مفتاح هذه المذبحة، لأنها أثارت سلسلة من الأزمات التي ثبت أنها في النهاية غير قابلة للحل.
الحرب الأهلية الأميركية
في الفترة بين عام 1861 و1865، واجهت قوات الاتحاد (الولايات المتحدة) انفصاليين من 11 ولاية جنوبية اجتمعوا معا لتكوين الولايات الكونفدرالية الأميركية، وانتصرت قوات الاتحاد في نهاية الحرب الأكثر دموية في تاريخ أميركا.
وفي بداية 1861 أعلنت سبع ولايات جنوبية -تدعم نظام الرق والاحتفاظ بالعبيد، وتعتمد اقتصاداتها على المزارعين العاملين بنظام السخرة- انفصالها عن الولايات المتحدة، وهاجمت حصون الشمال، وتوسعت الكونفدرالية الناشئة لتضم 11 ولاية، وطالب الكونفدراليون بولايتين حدوديتين إضافيتين.
وفي ربيع 1865 انتهت الحرب باستسلام جميع الجيوش الكونفدرالية وحل الحكومة الكونفدرالية.
المصدر : الصحافة الأميركية