كان “الثلاثاء الكبير” تذكيراً قوياً بأن تويتر وفيسبوك ليسا العالَم الحقيقي. ونحن نعرف ذلك بالطبع لكننا ننساه في خضم انغماسنا بالعوالم الافتراضية. أظهر مركز أبحاث Pew Research، في مرات عدة، أن أبناء الحزب الديمقراطي على تويتر أكثر ليبرالية وانفتاحاً من الديمقراطيين بشكل عام، وأن الديمقراطيين على تويتر أقل تأييداً لجو بايدن وأعلى تأييداً لكل من بيرني ساندرز وإليزابيث وارن. ولكن نتيجة بعض الانتصارات المبكرة، والحضور الطاغي لأقلية صاخبة على مواقع التواصل الاجتماعي، انطلق قطار ساندرز في وسائل الإعلام التقليدية أيضاً؛ وهو ما تسبب في شعور بالإثارة والفزع بين الصحفيين الليبراليين المعتدلين والنقاد، على حد سواء.
ولم يكن من المفترض أن يحدث ذلك. إذ كان بايدن، لا ساندرز، هو الفائز الأول في سباق “الثلاثاء الكبير”. وبفوزه بـ10 ولايات من أصل 14 ولاية مشارِكة في السباق، لم يترك لساندرز سوى الجائزة الكبرى المتمثلة في ولاية كاليفورنيا، أعلى ولاية من حيث عدد المندوبين، وساعده جزئياً مايك بلومبيرغ وإليزابيث وارن، اللذان فازا بأكثر من 10% من الأصوات ولكن أقل من نسبة الـ15% التي تؤهلهم للفوز.
والآن بعد انسحاب بلومبيرغ من السباق، الذي شارك فيه لإيقاف ساندرز وإليزابيث وارن، وبعد إنفاقه نصف مليار دولار على حملته، من المتوقع أن يحفظ ماء وجهه بتسخير أمواله ودعمه لبايدن، وهو ما قد يكون الدافع الذي يحتاجه نائب أوباما السابق، لتحويل الأغلبية النسبية إلى أغلبية مطلقة بالمؤتمر الوطني الديمقراطي في ميلووكي أو قبله.
غير أن ذلك يضع مزيداً من الضغط على إليزابيث، التي انسحبت من السباق الانتخابي بعد تدهور حملتها في نوفمبر/تشرين الثاني، دون أن يُعرف لذلك سبب واضح. ورغم أدائها الممتاز في المناظرات، فإن يوم “الثلاثاء الكبير” كان حزيناً بالنسبة لها، خاصة بعد أن احتلت المركز الثالث في ولاية ماساتشوستس، مسقط رأسها. ولم تتمكن من الحصول على “أصوات المجتهدين” من بيت بوتيغيغ أو “الأصوات النسائية” من إيمي كلوبوشار، اللذين علّقا حملتهما قبل بضعة أيام من الثلاثاء الكبير.
وبانسحاب إليزابيث وارن من السباق، تدع لساندرز مهمة الدفاع عن المعسكر التقدمي في مواجهة معسكر بايدن المعتدل الذي أصبح قوياً الآن. ويمكنها أن تفعل ذلك ورأسها مرفوع عالياً، لأن أداءها بالمناظرات ساعد على الأقل في إيقاف بلومبيرغ.
وكان من أهم مظاهر يوم “الثلاثاء الكبير” أن بايدن فاز في ولايات لم ينفق فيها كثيراً من الأموال، ولم ينشط فيها موظفو حملته بدرجة كبيرة. وفي مقابل ملايين الدولارات من بلومبيرغ، وعشرات الآلاف من المتطوعين في حملة ساندرز، يبدو أن بايدن قد فاز بالطريقة القديمة الفعالة، أي من خلال تأييد نائبي تلك الولايات له.
إذ أدى تأييد عضو الكونغرس الشهير في ولاية كارولينا الجنوبية جيم كليبورن، إلى فوز بايدن الكبير بولاية كارولينا الجنوبية، فضلاً عن تأييدات مطْلقة من مرشحين منسحبين بالفعل مثل بوتغيغ وإيمي كلوبوتشار وبيتو أورورك قبل “الثلاثاء الكبير”. إن حقيقة أن التأييد والفوز اللذين حصدهما بايدن في كارولينا الجنوبية، وهي ولاية ستدعم ترامب بقوة في نوفمبر/تشرين الثاني، كان من الممكن أن يغيرا نتائج الانتخابات التمهيدية الديمقراطية- تعد مثالاً آخر على اللاعقلانية الكاملة التي تتسم بها الانتخابات التمهيدية.
ونظراً إلى أن الأموال والمتطوعين سوف يتدفقون إلى حملة بايدن في الأيام والأسابيع المقبلة، لا يوجد سبب وجيه لافتراض أن “زخم جو” سينتهي قريباً. علاوة على ذلك، في حين أن عدداً كبيراً من الأصوات المبكرة المعتدلة كانت لا تزال تذهب إلى بوتغيغ وإيمي كلوبوشار يوم “الثلاثاء الكبير”، لن يكون هذا هو الحال في الانتخابات التمهيدية المقبلة. إذ إن معظم الانتخابات التمهيدية المقبلة ستكون في الولايات المعتدلة، مثل ولايتي ميسيسيبي وميسوري، التي يجب أن يكون الفوز فيها من نصيب بايدن.
ما مصير ساندرز؟
كي نكون واضحين، ما يزال معسكر ساندرز نشطاً إلى حد كبير. لكن المشكلة هي أن حملته بلغت أقصى حدودها. وساندرز يحظى بدعم قوي من نحو ربع الديمقراطيين، وتمكّن من زيادة هذا العدد إلى نحو الثلث. وحتى لو كان قادراً على كسب دعم إليزابيث بالكامل -وهو أمر مشكوك فيه؛ في ضوء التوترات المتزايدة بين الحملتين ومؤيديهما- فلن يكون قريباً من نسبة 50%.
الاختبار الكبير التالي، لكل من بايدن وساندرز هو ميشيغان، وهي من الولايات المتأرجحة التي راهن كلا المرشحين على هزيمة ترامب فيها في نوفمبر/تشرين الثاني. هل يتمكن بايدن من اختراق الدعم الذي يتلقاه ساندرز من الطبقة العاملة البيضاء، والفوز بأصوات المعتدلين بالضواحي في الوقت ذاته؟ أم هل يثبت ساندرز أخيراً أنه هو المرشح (الوحيد) للفوز بكل من الناخبين الجدد وبعض المنتمين إلى الطبقة العاملة البيضاء من المؤيدين لترامب؟
في الوقت الحالي، يبدو أن كل شيء يشير إلى تمتع بايدن بالأغلبية النسبية على الأقل. لكن ثمة نقطة ضعف قاتلة في حملته: وهي جو بايدن. لقد تسببت حماقاته في خسارته جولاته السابقة، ويمكن أن تتسبب في خسارته هذه المرة أيضاً. قد يكون ذلك في مصلحة ساندرز؛ بل قد يكون استغلال حماقات بايدن هو الطريقة الوحيدة لهزيمته، لأنه بالطريقة التي يسير بها “زخم جو”، قد يندم ساندرز على تصريحاته الأخيرة بأن المرشح الذي يفوز بالأغلبية النسبية يجب أن يصبح المرشحَ في المؤتمر الوطني الديمقراطي.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.