اعتبر الدكتور يحيى مكي عبد المؤمن، رئيس قسم الفيروسات التنفسية والسرطانية في المعهد الطبي الفرنسي التابع للمستشفى الجامعي كلود برنار في مدينة ليون الفرنسية، أن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” أصبح وباء عالميا، وتكمن خطورته في أنه فيروس معد، وقد يتحول إلى مرض فتاك فقط بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أجهزة مناعتهم ضعيفة.
ودعا البروفيسور مكي، وهو خبير ومستشار معتمد لدى منظمة الصحة العالمية في مجال علم الفيروسات، إلى عدم التهويل من خطورة الفيروس، لأن آلاف المرضى شفوا منه تماما من دون أدوية، بفضل أجهزة المناعة الطبيعية.
وتوقع إيجاد لقاح للفيروس قريبا، مؤكدا أن لا مخاوف لحد الآن منه، ما لم تدخل عليه طفرات جينية.
ودعا عالم الفيروسات، المسلمين المسنين والمرضى بالزكام على وجه الخصوص إلى تجنب أداء الصلاة في المساجد حفاظا على سلامة باقي المسلمين ودرءا لانتشار الفيروس.
كما حذر رئيس قسم الفيروسات التنفسية والسرطانية في المعهد الطبي الفرنسي، من انتشار بعض الوصفات الطبية في العالم العربي، التي يزعم أصحابها أنها تعالج فيروس كورونا، في حين أنها قد تكون لها مضاعفات خطيرة على صحة المريض.
باعتبارك خبيرا عالميا في الفيروسات، هل تعتقد أن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” هو الأخطر من بين الفيروسات التي شهدناها قبل سنوات مثل سارس؟ وأين تكمن الخطورة؟
فيروس كورونا يبقى أقل خطورة من الفيروسات التي عرفها العالم خلال السنوات الماضية، خصوصا متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”، لأن نسبة الوفيات من الإصابات لسارس في 2003 كانت 16% وفيروس ميرس نحو 13%، أما نسبة وفيات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” فتتراوح بين 3% و5% فقط.
في الصين مثلا وصل عدد الإصابات لحد الآن نحو 80 ألفا، بينهم أكثر من 70 ألفا شفوا من الفيروس، ولم يتجاوز عدد الوفيات 2990 شخصا، في المقابل فإن الإنفلونزا العادية تقتل ما بين 300 ألف إلى 700 ألف شخص سنويا، وتصيب نحو 50 مليون شخص كل سنة حول العالم حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
أشير إلى أننا كعلماء، نتابع كل يوم تطور عشرات الفيروسات، مثل فيروس إنفلونزا أ وإنفلونزا ب. فمثلا في هذه اللحظة أنا بصدد تحليل عينات عشرات المرضى وكل عينة فيها ما لا يقل عن 12 فيروسا، خاصة بالجهاز التنفسي.
ما تفسيرك لظهور هذا النوع من الفيروسات في الصين على وجه الخصوص؟ وهل له علاقة بطريقة عيش الصينيين؟ مع تأكيد احترامنا الشديد للثقافة والحضارة الصينية.
عالم الفيروسات ينقسم إلى ما نسميه عائلات الفيروسات، بعضها يصيب الكبد، وأخرى الدماغ والجلد وغيرها. وعائلة فيروس كورونا غير موجودة لدى الإنسان في البداية، بل نجدها عند الطيور والخفافيش والثعابين والفئران والدواجن والخنازير. ونظرا لعادات الصينيين الذين يستهلكون هذا النوع من الحيوانات ويربونها في منازلهم، الأمر الذي نتج عنه اختلاط الفيروسات وتطورها جينيا وانتقالها بين مختلف الحيوانات، وبعدها تأتي مرحلة استهلاك لحوم هذه الحيوانات نيئة أحيانا من طرف الصينيين، وهو ما سبب العدوى وانتقالها من الحيوانات للإنسان.
كيف ينتقل فيروس كورونا؟
الفيروس ينتقل أساسا عن طريق اللعاب والسعال والعطس، ورذاذ الفم وكذلك عن طريق المصافحة أو التقبيل. أشير إلى أن التحليلات الطبية بالنسبة للمرضى الذين قضوا جراء فيروس كورونا أكدت وجود الفيروس في الدم والجهاز الهضمي والكبد، وهنا تكمن خطورته لأنه لا يهاجم فقط الجهاز التنفسي بل مختلف الأعضاء الحيوية لجسم الإنسان بالنسبة للأشخاص المسنين أو الذين يعانون من أمراض مزمنة، أو الذين لديهم جهاز مناعة ضعيف رغم صغر سنهم، كما هو الحال بالنسبة للطبيب الصيني الشاب الذي حذر من تفشي الوباء وتوفي بسببه وعمر لا يتعدى 35 سنة، لأنه في الغالب جهاز مناعته كان ضعيفا ولم يتمكن من مقاومة الفيروس.
ما فترة حضانة الفيروس قبل ظهور أعراضه على جسم الإنسان؟
فترة حضانة فيروس كورونا تتراوح ما بين 5 و14 يوما، وما قيل عن فترة زمنية أطول غير صحيح.
أين تكمن خطورته؟
خطورته تتجلى كونه مرضا معديا، فالشخص المصاب يمكنه أن ينقله لأشخاص آخرين عن بعد متر واحد. كما أن الشخص المصاب يمكنه ألا يحمل أعراضا في بداية الأمر وبالتالي هنا تتجلى صعوبة التعرف على الأشخاص الحاملين للفيروس، وهو ما يفسر مثلا إلغاء عدد من التظاهرات الثقافية والرياضية هنا في فرنسا وعدد من دول العالم.
وما أعراض المرض؟
أهم أعراض كورونا الحمى والسعال مع ضيق في التنفس، إضافة إلى إحساس بالإرهاق والتعب الشديدين وآلام في مختلف المفاصل وعضلات الجسم.
ل هناك مخاوف من أن يحدث للفيروس طفرة جينية mutation فيتحول إلى فيروس أكثر فتكا وقوة يصعب إيجاد لقاح له؟
هناك نظريتان، إما أن يطرأ على الفيروس تحول جيني، وسيصبح من الصعوبة إيجاد لقاح له يقضي عليه، لأنه كل ما طرأت عليه تحولات كل ما ازدادت قوته وشراسته، وبالتالي تضعف احتمالات القضاء عليه بسرعة. فمثلا مرض الإيدز لم نجد له دواء لحد الآن لأنه طرأت عليه تحولات جينية وتأقلم مع كل اللقاحات والأدوية.
وفي الحالة الثانية، وهو ما نتمناه، فيمكن أن يفقد هذا الفيروس بعضا من خصائصه ومميزاته، وبالتالي سيضعف ويتلاشى وسيسهل على الجسم مقاومته والتخلص منه.
لحد الساعة لم يطرأ على هذا الفيروس أية تحولات جوهرية في مكوناته الجينية، وهذا أمر جيد، وهو ما أكده المركز الأوروبي لدراسة الفيروسات قبل أيام. نسأل الله أن نتوصل للقاح فعال قبل الخريف المقبل.
في حال تحوله إلى وباء عالمي، هل سيمثل تهديدا حقيقيا للبشرية جمعاء؟
بالنسبة لي، لقد قضي الأمر، نحن نعيش الآن حالة وباء عالمي بالنسبة لفيروس كورونا، لأن الفيروس انتشر في أكثر من 60 دولة حول العالم وكل يوم نكتشف مئات الحالات الجديدة.
أبرزت آخر الدراسات في الصين أن نسبة الأطفال الذين يصابون بالفيروس قليلة، ما تفسيرك؟
لا يوجد لحد الآن تفسير طبي وعلمي يبين لماذا لا يهاجم الفيروس الأطفال، بالنسبة لي كعالم مختص بما فضل الله علي من علم، التفسير الذي يمكنني أن أقدمه هو أن الفيروس لم يتمكن من حل “شيفرات” خلايا الجهاز التنفسي لحديثي الولادة من أجل مهاجمتها، وهذه قد تكون من أوجه الحماية والعناية الربانية للأطفال.
ما نوع الأدوية التي تقدم للمرضى الذين عولجوا خصوصا أن لا لقاح متوفرا لحد الساعة؟
الأدوية التي تعطى لمرضى الفيروس حاليا هي أغلبها أدوية تعالج عادة الحمى والسعال وضيق التنفس، مع مراقبة عمل الأعضاء الحيوية كالرئتين والقلب والكبد. وهناك مستشفيات بدأت إعطاء مرضى الفيروس أدوية خاصة بمرض الملاريا والإيدز وتبين أنها فعالة، ولكن لا تقضي عليه.
البعض يقول إن هناك حالات مصابة بالفيروس ولكن لا تظهر عليها أعراض المرض، هل هذا صحيح؟ وماذا يعني ذلك؟
نعم هذا صحيح. هناك أشخاص حملوا فيروس كورونا دون أن تظهر عليهم أعراض المرض ومع ذلك لم يحصل لهم أي مكروه، وشفوا منه تماما من دون أدوية، لأن جهازهم المناعي طور بسرعة مضادات حيوية قضت على الفيروس، ولم يعلم هذا النوع من المرضى بأنهم كانوا حاملين للفيروس، حتى قيامهم بتحليلات طبية أكدت إصابتهم به وشفاءهم منه أيضا.
معهد باستور المعروف عالميا في باريس يقول إنه يمكن إيجاد لقاح، لكن ليس قبل عام من الآن على الأقل، لماذا هذه الفترة الطويلة في إيجاد المصل؟
نعم، إيجاد لقاح من هذا النوع يتطلب عدة أشهر من البحث والتجارب قبل إنتاج اللقاح وتسويقه .
لقد جرى عزل الفيروس في المختبرات العلمية العالمية، ويعمل العلماء على إيجاد لقاح خلال 12 شهرا على الأقل، لأن التحاليل الطبية وإجراء التجارب الأولى لمعرفة مدى فعاليته، يتطلب عدة أشهر، كما أنه سيجري إنتاج اللقاح لمئات الملايين من الناس عبر العالم، وبكميات كبيرة جدا، وكل هذا يحتاج إلى مصانع كبيرة ومتطورة.
فرنسا بلد رائد عالميا في إنتاج اللقاحات، ولكن أعتقد أنه سيكون هناك حاجة لتعاون أوروبي ودولي للإسراع في إنتاج لقاح قبل أن يتحول الفيروس جينيا ويصعب القضاء عليه.
هناك من يقول إن فيروس كورونا مطور في المختبر كسلاح بيولوجي، فهل هذا ممكن؟
هذه نظرية غير منطقية، كيف يعقل تطوير فيروس نتج عنه شلل في القطاعات الحيوية في مختلف دول العالم، وأزمة اقتصادية وانهيار للبورصات العالمية الغربية على وجه الخصوص؟ الاقتصاد الأميركي والأوروبي خسر مليارات الدولارات بسبب تفشي الفيروس، هل يعقل أن تقبل هذه البلدان على تدمير نفسها بنفسها؟
فيروس كورونا المستجد انتقل من الحيوانات للإنسان ومكوناته من عائلة فيروسات معروفة لدينا -نحن علماء الفيروسات- وليس لدي أدنى شك في ذلك.
هذا الفيروس ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، ولا دخل للمختبرات والمؤامرات في انتشاره.
هل حالة الهلع الموجودة في العالم من فيروس كورونا لها ما يبررها؟ أم فيها الكثير من التضخيم في رأيك؟
أتمنى أن تهدأ الأمور في الأيام المقبلة، وكل مظاهر التهويل للفيروس ينتج عنه ظواهر اجتماعية سلبية، بينها نشر الفوضى والخوف، وتعطيل الحياة الاجتماعية للناس. ما فائدة اقتناء ملايين الناس للكمامات، إنه أمر غير مجد، والأولى أن يقتنيها الأطباء وعمال المستشفيات، وسائقو الحافلات وعمال المطارات، أما المواطنون العاديون فلا جدوى
ا أبرز النصائح التي توصي بها للوقاية من الفيروس؟
أنصح الناس بغسل اليدين والأنف بانتظام، وعدم المصافحة والتقبيل والاكتفاء بالتحية من بعيد. كما أنصح بتجنب الأماكن العامة التي تعرف اكتظاظا كبيرا مثل محطات القطارات والملاعب وقاعات السينما والأسواق. كما أوصي المسلمين المسنين أو الذين يعانون من زكام عادي بالصلاة في منازلهم، لأن ديننا الحنيف يقدم أيضا المنفعة العامة على المنفعة الخاصة، حفاظا على سلامة وصحة باقي الأمة.
بالنسبة للمريض بفيروس كورونا، أوصي ألا يقترب منه أحد على الأقل بثلاثة أمتار، وطبعا لا نشاركه أواني الأكل والشرب وحتى الملابس، كما يجب على عائلة المريض بالفيروس تجنب زيارته في المستشفى، والاكتفاء بالاتصال به عبر الهاتف حتى يتماثل للشفاء تماما.
كيف تتابع أخبار انتشار الفيروس في عدد من الدول العربية؟
العالم أصبح قرية صغيرة، والعالم العربي ليس بمعزل عن كل ما يصيب العالم من آفات خصوصا ما يتعلق بتفشي الأمراض.
وهنا أريد أن أسجل ملاحظة مهمة وتوجيه رسالة لمن يهمه الأمر، فيما يتعلق بانتشار بعض الفيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي لبعض “الدعاة”، أو بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم من خلال تناول أعشاب طبية يمكن علاج فيروس كورونا وهذا أمر خير صحيح تماما، ويمكن أن تكون له مضاعفات خطيرة على صحة المريض.
نحن المسلمين يجب علينا أن نكثر الدعاء والصلاة ونسأل الله أن يقينا ويقي البشرية شر هذا الوباء، ولكن يجب على بعض الدعاة المسلمين ألا يفتوا فيما لا يفقهون من الناحية العلمية، لأن عالم الفيروسات له علماء متخصصون ومعاهد طبية متطورة، تعمل ليل نهار لإيجاد لقاحات لهذا النوع من الفيروسات وليس من خلال تناول أعشاب طبية ووصفات قد تكون لها آثار جانبية قاتلة.
حاوره من باريس هشام أبو مريم