أكثر الأمور المثيرة للقلق من تفشي فيروس كورونا هو عدم اليقين. يركز الخبراء الطبيّون والسياسيون على مجموعة الأسئلة: إلى أي مدى سينتشر؟ إلى متى سيستمر؟ كم من الأشخاص سيقتل؟

كيف غيّر فيروس كورونا العالم؟
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن فيروس كورونا انتقل من منشأه في مدينة ووهان الصينية إلى أكثر من 60 دولة حول العالم، وبلغ إجمالي عدد المصابين حتى الآن حوالي 100 ألف شخص. توفّي بالفعل أكثر من 3000 شخص، وتعطّلت دراسة حوالي 300 مليون طفل في جميع أنحاء العالم بسبب إغلاق المدارس في ظل انتشار فيروس كورونا، ويُرجح أن يزداد هذا العدد.

علَّقت شركات الطيران رحلاتها وسط مخاوف متزايدة من انتقال العدوى وحظر السفر، وأصبحت صناعة الرحلات البحرية في أزمة، ولم تظهر علامات كثيرة تشير إلى تراجع حالة الذعر المسيطرة على البورصة، في حين تخطط الحكومات لتمويل تحفيزي طارئ لمواجهة الضرر الاقتصادي المتزايد الناجم عن سلاسل الإمداد المتعثرة وخسائر الأعمال التجارية.

أُلغيت أيضاً أحداث رياضية كبرى أو سَتُعقد من دون جمهور خلف أبواب مغلقة، ومُنع المسلمون، الذين يأملون في الصلاة وأداء مناسك العمرة، من دخول أحد أقدس المواقع في العالم.

لم يكن ذلك شيئاً جديداً.. بماذا يخبرنا التاريخ؟
لا يُمثّل هذا الحجم من الخلل والاضطراب شيئاً جديداً. يقول فرانك سنودن، الأستاذ في تاريخ الطب بجامعة “Yale” الأمريكية، في مقابلة مع مجلة The New Yorker: “تؤثر الأمراض الوبائية بشدة في جميع جوانب الحياة البشرية، إذ تؤثر بشدة في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتحدّد نتائج الحروب، وفي بعض الأحيان تكون سبباً في اندلاع شرارة الحروب”.

إنَّها طريقة مروّعة لإعادة صياغة طريقة تفكيرك إزاء تاريخ البشرية من خلال النظر إليه باعتباره سلسلة متتالية من أوبئة فتاكة وانهيارات مجتمعية، وليس عصوراً وحقباً زمنية.

أدت لزوال أمم
في القرن الـ6، تسبّب وباء الطاعون، الذي اجتاح الإمبراطورية الرومانية في وفاة ما يتراوح بين 30 و50 مليون شخص، أي حوالي نصف سكان العالم في ذلك الوقت. وصفت المصادر القديمة مشهداً بشعاً فيما كانت تُعرف آنذاك بالقسطنطينية، حيث كانت “جثث الآلاف من الأشخاص مكدسة في مقبرة جماعية. وفي مساحة صغيرة وسط تلك الجثث، حُشرت جثث صغار السن والرضع وسحقت بالأقدام مثل العنب الفاسد”. وقد أدَّت موجات الأوبئة، التي هزت الإمبراطورية الرومانية على مدى 400 عام، دوراً مهماً في زوالها النهائي.

أدَّى وباء الطاعون، الذي يشار إليه أيضاً باسم الموت الأسود، إلى وفاة ما يصل إلى 200 مليون شخص في القرن الـ14 في شمال إفريقيا وآسيا وأوروبا (أي حوالي 30 إلى 60% من سكان أوروبا لقوا حتفهم). يذكر المؤلف الإيطالي، جيوفاني بوكاتشيو، الذي نجا من عصر وباء الطاعون، في كتابه “Decameron”: “كان من المذهل معرفة أنَّ هذه الأعداد الضخمة في المدينة تلقى حتفها ليلاً ونهاراً”. كانت آثار هذه الكارثة ضخمة وبعيدة المدى: إذ تسببت في إخلاء مدن وإيقاف حروب، وعكست تطور اللغات وأنهت السيطرة الفاسدة الرجعية للنخب النبيلة المالكة للأراضي، التي اضطرت إلى مواجهة نقص كبير في العمالة.

كانت سبباً للاستعمار وتحولات البيئة
تسبَّب الاستعمار الأوروبي في مقتل الكثير من الناس في القرن الـ16 وأوائل القرن الـ17، ويعود السبب في ذلك بدرجة كبيرة إلى انتشار الأمراض التي لم يكن لدى السكان الأصليين في الأمريكتين حصانة منها، وأدَّى ذلك إلى تحول البيئة، وتسبب في انخفاض درجات حرارة الأرض، نتيجة الانخفاض الكبير في عدد السكان، ووفقاً لدراسة نُشرت العام الماضي.

تعتبر الأوبئة تجارب مشتركة تترك بصمتها التي لا تمحى على المجتمعات. بوسعنا القول إنَّنا ما زلنا نعيش في ظل وباء إنفلونزا عام 1918، الذي أودى بحياة حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وخفَّض متوسط ​​العمر المتوقع في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 12 عاماً. يشير العلماء إلى الإدارة الفاشلة والسرية للأزمة من جانب الحكومة الأمريكية آنذاك، باعتبارها دليلاً على ضرورة الشفافية وإعلان الحقيقة في مواجهة تفشي أي مرض. وفي هذا الصدد، كتبت الكاتبة الصحفية، جيليان بروكيل أنَّه “لا يزال من غير الواضح بالنسبة لبعض المؤرخين ما إذا كانت إدارة ترامب قد انتبهت لهذا الدرس”.

وقال سنودن لمجلة The New Yorker: “الأوبئة هي فئة من الأمراض مثل المرآة تكشف لنا حقيقة أنفسنا نحن البشر.. فثمة علاقة بين الأوبئة وعلاقتنا بفنائنا والموت وحياتنا، وتُظهر علاقاتنا الأخلاقية تجاه بعضنا البعض ونحن نشهد ذلك اليوم”.

تفشي الكراهية والعنصرية في المجتمعات
لقد رأينا بالفعل، في خضم وباء فيروس كورونا، عدداً لا يحصى من الحوادث المثيرة للقلق المُتعلّقة بكراهية الأجانب الموجهة غالباً نحو أشخاص من أصول شرق آسيوية. لا تُعد هذه النزعة اتجاهاً جديداً، إذ غالباً ما أسفرت حالات تفشي الأمراض والأوبئة في الماضي إلى تعرض الفقراء والضعفاء للأذى.

كتبت هانا ماركوس، مؤرخة العلوم بجامعة “Harvard” الأمريكية، في صحيفة New York Times: “ينبغي لنا توخي الحذر مما أدَّى إليه انتشار الأوبئة على مر التاريخ من اضطهاد للضعفاء والمهمشين”. وأضافت أنَّ “أحد أبرز التداعيات الاجتماعية الموثّقة للطاعون في أوروبا في أواخر العصور الوسطى كان العنف، الذي غالباً ما كان موجهاً ضد اليهود، الذين اتُّهموا بالتسبب في الطاعون من خلال تسميم الآبار”.

الحياة اليومية
وثمة تأثير هائل أيضاً لانتشار الأوبئة على الحياة اليومية، إذ باتت منصات التواصل الاجتماعي مليئة بمقاطع فيديو لأشخاص من جميع أنحاء العالم يحاولون تسلية أنفسهم بالرقص والمزاح أثناء فترة احتجازهم في الحجر الصحي، في مشاهد تشبه إلى حدٍّ كبير شخصيات كتاب “Decameron”، الذين كانوا يمكثون في فيلا للنجاة من الطاعون ويرفّهون عن بعضهم البعض بسرد الحكايات.

وفي مقال عن تأثير طاعون القرن الـ17 في شمال إيطاليا، حيث نشأت كلمة quarantine، وتعني الحجر الصحي، عرضت المؤرخة، إرين ماغليك، مجموعة من قصص وحكايات عامة الشعب والنبلاء، الذين يشعرون بالملل وهم محتجزون في الحجر الصحي، ويشعرون أنَّهم عالقون في طيّ النسيان.

كتبت إرين ماغليك: “اعتاد المؤرخون المعاصرون الأوائل الاهتمام بفكرة “قلب العالم رأساً على عقب”، لكن ما يبرز هو إدراك أنَّ العالم (في كثير من اللحظات المصيرية) وقف ساكناً ولم ينقلب رأساً على عقب”.

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version