بعدما كانت أكثر الدول تضرراً من فيروس كورونا، يبدو أن قائمة مكاسب الصين من أزمة كورونا تتزايد وأن بكين تسعى إلى أن تحول هذه الأزمة إلى فرصة اقتصادية وسياسية كبرى.

فبينما كانت إدارة ترامب تخطط لتقليل اعتماد أمريكا على الصين ثم أصبح العالم كله يتحدث عن ضرورة تقليل الاعتماد على الصين بعدما أصيبت التجارة الدولية بأضرار جراء تراجع الإنتاج الصيني، يبدو أن الصورة قد عكست والصين تخطط لجعل كورونا وسيلة للهيمنة الاقتصادية والسياسية.

والآن بينما كان الكثيرون يتحدثون عن أن كورونا مؤامرة أمريكية لإفساد التجربة التنموية الصينية، فإن مكاسب الصين من أزمة كورونا سواء المؤكدة أو المحتملة تجعل البعض يتحدث عن مؤامرة من الجانب الصيني لجعل أمريكا والغرب والعالم كله أكثر اعتماداً عليها.

أولى مكاسب الصين من أزمة كورونا.. تحويل خطئها لوسيلة للترويج لنظامها الاستبدادي
بعدما واجه الحزب الشيوعي الحاكم، عاصفة من الغضب من الجمهور الصيني بسبب أخطائه في بداية الأزمة، فإنه يحاول إعادة تأهيل صورته بإعادة تقديم نفسه كقائد للمعركة العالمية ضد الفيروس.

وأشادت وسائل الإعلام الإخبارية التي تديرها الدولة برد الصين على تفشي المرض كنموذج للعالم، متهمة دولاً مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بالتصرف بشكل بطيء لاحتواء انتشار المرض.

وحاول مسؤولو الحزب أن يقدموا الأزمة كدليل على قوة النظام الاستبدادي في الصين وزعيمها شي جين بينغ، ووصل الأمر إلى الإعلان عن خطط لنشر كتاب بست لغات عن التفشي الذي يصوره على أنه “قائد قوي يرعى الناس”.

لقد أعطى الرئيس شي، زعيم الصين الأكثر نفوذاً منذ عهد ماو، أولوية لتوسيع القوة الاقتصادية والعسكرية للبلاد في جميع أنحاء العالم وإثبات أن الصين يمكنها أن تلعب دور القوة العظمى المسؤولة.

وبينما شكلت الأزمة في بدايتها تحدياً لهذا المسعى، فاليوم مع إعلان الصين الاستعراضي عن السيطرة على المرض وتخبط دول عظمى كالولايات المتحدة أو انهيار دولة متقدمة كإيطاليا أمام الفيروس، فإن هذا يمثل فرصة كبرى لبكين لمنافسة واشنطن على الصدارة، خاصة في ظل حالة الكوميديا المسيطرة على الرئاسة الأمريكية، والتي بطبيعة الحال تؤثر على مكانة الولايات المتحدة حتى لو كانت تعيش ذروة ازدهارها الاقتصادي.

أريد أن أعالج في الصين
وتعمل الحكومة الصينية الآن على الترويج لفكرة أن الخبراء الدوليين يؤيدون نهجها بحماس

وأظهرت القصة الأخيرة لوكالة شينخوا، وهي وكالة أنباء تديرها الدولة، خبراء من العديد من حلفاء الصين، بما في ذلك روسيا وكوبا وبيلاروسيا، وهم يثنون على القادة الصينيين لإظهارهم “الانفتاح” و “الموقف المسؤول للغاية” في التعامل مع تفشي المرض.

وقد تم تداول مديح لخبير منظمة الصحة العالمية بجهود الصين، ويظهر فيها اقتباس من مؤتمر صحفي عقد مؤخراً قال فيه الخبير إنه يريد أن يعالج في الصين إذا كان مصاباً بالفيروس.

والآن هم يريدون التقليل من قدرات منافسهم الأكبر
ويوجه البعض في الحزب الشيوعي انتقاداتهم للولايات المتحدة، العدو الشعبي، ويتهمون المسؤولين الأمريكيين بـ “التشهير” بالصين من خلال التركيز على أوجه القصور في ردها.

ولقد جادل هؤلاء بأن النظام السياسي الأمريكي غير قادر على التعامل بشكل فعال مع تفشي المرض.

وسعى الحزب إلى طرح قصص تظهر الوطنية والتضحية وإعادة صياغة الأزمة كمعركة بطولية ضد الفيروس يقودها الرئيس.

وأرسلت السلطات مئات الصحفيين الذين ترعاهم الدولة لإنتاج قصص عاطفية عن أطباء وممرضات الخط الأمامي.

غالباً ما أثار هذا النهج رد فعل سلبي من الجمهور الصيني. من خلال محاولة إعادة صياغة الأزمة كتبرئة لإدارة الحكومة والحزب الشيوعي للأزمة، ويبدو أن مسؤولي الدعاية يحاولون تجربة رسالة أخرى.

وقال ديفيد باندورسكي، المدير المشارك لمشروع وسائل الإعلام الصينية، وهو برنامج بحثي تابع لجامعة هونغ كونغ، إن الحزب بدا في أزمة ولا يعرف كيف يتعامل مع تدفق لا هوادة فيه من الانتقادات.

وقال “إنهم في الحقيقة لا يعرفون كيف يردون على حدث مستمر بهذا الحجم”. “هناك الكثير من التضارب. كما أن العديد من الجهود للسيطرة على الرأي العام تواجه مشاكل”.

وبعدما تمكنت الصين من التحكم في الفيروس، يبدو السيد شي حريصاً على إعادة صياغة الأزمة على أنها انتصار للحزب وإثبات جهوده لتعزيز سيطرته على الحياة اليومية في الصين.

وقال أمام كوادر الحزب إن الانخفاض الأخير في الإصابات “أظهر مرة أخرى المزايا البارزة لقيادة الحزب الشيوعي الصيني ونظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”.

وتنقل صحيفة New York Times الأمريكية عن وو تشيانغ المحلل السياسي في بكين وناقد الحزب قوله “من الصعب الاعتقاد بأن الحزب الشيوعي الصيني لعب دور البطل أو الزعيم في ما يسمى الوقاية من فيروس كورونا في العالم”.

في الاقتصاد.. كورونا فرصة لتعزيز اعتماد العالم على الصين
في واشنطن، هناك الكثير من الحديث عن كيف يمكن لأزمة فيروس كورونا أن تزيد من الدفع لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين.

لكن الحكومة الصينية تفكر في الأمر بالطريقة المعاكسة تماماً. تستعد بكين لاستخدام أزمة كورونا لدفع استراتيجية الصين الاقتصادية ضد الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

على مدى ثلاث سنوات، كانت إدارة ترامب تحاول الضغط على الصين لوقف ممارساتها التجارية غير العادلة، وذلك باستخدام التعريفات والمفاوضات والإجراءات لحماية الصناعات الأمريكية. لقد كرهت بكين هذه الاستراتيجية منذ البداية، وأبرمت على مضض فقط صفقة “المرحلة الأولى” التجارية التي تعالج القليل من هذه القضايا.

الآن، يتحدث العديد من الوكالات الحكومية والمسؤولين علناً عن مكاسب الصين من أزمة كورونا في مجالات متعددة، وكيفية استفادتها من كونها أول دولة تبدأ في التعافي من فيروس كورونا الجديد (لأنها كانت أول دولة أصيبت عليه) للهيمنة على صناعات المستقبل.

استراتيجية ما بعد فيروس كورونا
وقال نيت بيكارسك، أحد مؤسسي شركة هورايزون الاستشارية، وهي شركة استشارية تتابع نشاط الحكومة الصينية والنشاط الاقتصادي: “لديهم استراتيجية ما بعد الفيروس، وهي قيد التنفيذ بالفعل”.

وأصدرت الشركة تقريراً جديداً الأحد الماضي، مستمداً من الحكومة الصينية ومصادر إعلامية رسمية، يوضح كيف تخطط بكين لاستخدام التباطؤ الاقتصادي في الغرب لصالحها. تعتزم الصين البحث عن المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستيلاء على حصة في السوق في الصناعات الحيوية ومحاولة منع الغرب من مواجهة ما يصفه التقرير بـ “سلوكها السيئ”.

“تعتزم بكين عكس الجهود الأمريكية الأخيرة لمواجهة ما يصفه التقرير “الوجود الدولي التخريبي للصين”. وفي نفس الوقت، يقضي على العلاقات الأمريكية الأوروبية”.

بعد الأزمة المالية لعام 2008، ملأت بكين الفراغ الاقتصادي من خلال بناء شركاتها الوطنية الكبرى باستخدام الإعانات الحكومية الضخمة وسرقة الملكية الفكرية.

بعد 12 عاماً، أصبحت الصين حالياً موطناً لبعض أكبر الشركات وأكثرها قدرة في العالم.

وتخطط بكين لزيادة إنتاج السلع المتنوعة لإغراق السوق وزيادة حصتها في السوق بينما الشركات الغربية تقف تعاني من تداعيات كورونا. كما تعد الصين نفسها لتكون ملاذاً لرأس المال الأجنبي إذا انتعشت أسواقها قبل أسواق الغرب.

وقالت إميلي دي لا برويير، المؤسس المشارك الآخر لشركة Horizon: “لدى الصين خطة استراتيجية طويلة الأمد تركز على المشاركة في اختيار مواطن النفوذ والأنظمة يمكن أن تضغط للمطالبة بها من الولايات المتحدة والنظام العالمي”. . “والآن بعد أن بدأ العالم في الإغلاق، ترى الصين فرصتها للانتقال بسرعة أكبر وتحقيق أهدافها”.

ترى بكين فرصة للفوز في أزمة كورونا لا نظير لها.

في هذه الأثناء، بالعودة إلى واشنطن، يحاول بعض المشرعين الذين لم يحبوا أبداً التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين التراجع عنها.

فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن السيناتور باتريك جيه. تومي (من ولاية بنسلفانيا) وتشارلز جراسلي (من ولاية أيوا) يضغطان على الإدارة لإزالة تعريفات الصلب والألومنيوم التي تم فرضها على أسس الأمن القومي.

وكتب توماس كونواي رئيس عمال الصلب المتحدة في رسالة يوم الجمعة إلى المشرعين أن إلغاء الرسوم الجمركية الآن سيضر المنتجين الأمريكيين في أسوأ وقت ممكن ويساعد الشركات الصينية على التخلص من منتجاتها للحصول على حصتها في السوق بشكل غير عادل.

الصناعات الدوائية والطبية فرصة الصين التي لن تعوض
تعمل الصين على تكثيف إنتاج الإمدادات الطبية ومكونات الأدوية، وهو أمر محمود إنسانياً.

ولكن في الوقت ذاته فإنه سيعطي لها اليد العليا في مجال مكافحة الفيروس عالمياً، وسينعكس عليها إيجابياً سياسياً واقتصادياً.

فالعالم المذعور في مواجهة هذا الكائن الحي الذي لايرى بالعين المجردة، يحتاج بشدة إلى دعم الصين سواء بخبرتها في التعامل مع الفيروس أو عن طريق إمكاناتها الصناعية الهائلة في مجال الصناعات الطبية والدوائية التي كانت ضخمة أصلاً ثم صقلتها الأزمة.

وبقدر ما تهيمن الصين على تصنيع السيارات والصلب والإلكترونيات وغيرها من الضروريات، فإن الصين ضرورية لتوريد المعدات الطبية الواقية في العالم.

وقبل الأزمة كانت الصين تصنع نصف الكمامات الطبية في العالم، وبعد أزمة الفيروس فرضت بكين قيوداً على تصدير الكمامات حتى تلك التي تنتج في مصانع شركات أجنبية على أراضيها؛ بل استوردت كميات كبيرة من الخارج.

وقامت الصين بزيادة إنتاجها من الكمامات الجراحية التي يمكن التخلص منها. ارتفع الإنتاج اليومي من نحو 10 ملايين في بداية فبراير/شباط، إلى 115 مليوناً في نهاية الشهر، وفقاً للحكومة الصينية.

على الرغم من أن الشركات تقول إن الصين تطالب المصانع فعلياً بكل إنتاج الكمامات، فإن الحكومة الصينية قالت إنها لم تصدر قط لائحة تحظر تصدير الكمامات، وترغب في العمل مع الدول الأخرى للمشاركة في هذه السلعة المهمة.

ورغم سيطرة بكين على المرض، يبدو أن الصينيين متحفظون في إعادة الأمور إلى السابق؛ خوفاً من عودة تفشي المرض، ولكن الأرجح أن هذا ليس السبب الوحيد لعدم إعادة فتح حرية تصدير الكمامات.

دبلوماسية الكمامات
تقدّم الكمامات الطبية نموذجاً لاستخدام قدراتها الصناعية والاقتصادية والعلمية لأغراض دبلوماسية.

فبينما تفرض قيوداً غير رسمية على تصديرها، فإن الحكومة الصينية بدأت إرسال بعض الشحنات إلى دول أخرى كجزء من حِزم المساعدات. وقدمت 250 ألف قناع، الشهر الماضي، لإيران، وهي واحدة من أكثر الدول تضرراً من الوباء (ودولة صديقة لبكين)، و200 ألف للفلبين.

وقالت بكين إنها سترسل خمسة ملايين قناع إلى كوريا الجنوبية، وستصدّر 100 ألف جهاز تنفُّس و2 مليون قناع جراحي إلى إيطاليا.

وقال السيد “لي” بوزارة التجارة في بكين: “في المرحلة السابقة للوقاية والسيطرة، عرضت عديد من الدول مساعدتنا، ونحن على استعداد لتقديم نصيبنا من المساعدة للبلدان المتضررة قدر الإمكان”.

ويقول محللون في الغرب إن الصين تبحث أيضاً عن نفوذ سياسي من خلال إعلان نفسها من كبار المتبرعين. وقال جاك ديليزل مدير مركز دراسة الصين المعاصرة في جامعة بنسلفانيا: “إنها بالتأكيد تجعلها أداة للسياسة الخارجية”.

سنترك أمريكا تغرق في “البحر العظيم لفيروس كورونا”
ولكن الأمر تخطى التباهي بالتبرع، أو مكافأة الدول المقربة، ولكن الأمر وصل إلى تهديد الغرماء بتركهم يموتون.

فقد هدد أحد التعليقات في وسائل الإعلام الحكومية الصينية بأنه إذا حجبت الصين مكونات العقارات والأدوية، فإنها قد تُغرق الولايات المتحدة في “البحر العظيم لفيروس كورونا”.

ولكن الأهم أن الصينيين يريدون أن يستفيدوا من الأزمة اقتصادياً وفي مجالات حدودها بالفعل.

إذ أن قائمة مكاسب الصين من أزمة كورونا لم تعد سرية على الإطلاق.

إذ يطالب المعلقون الصينيون في وسائل الإعلام الحكومية بتوسيع نشاط الشركات الصينية في الخارج بالمرحلة القادمة، خاصةً في القطاعات الرئيسية، مثل خدمات اتصالات الجيل الخامس 5G، والسكك الحديدية عالية السرعة، ومركبات الطاقة الجديدة، والذكاء الاصطناعي، والإنترنت الصناعي.

وقال هان جيان من الأكاديمية الصينية للعلوم ومدير وزارة الشؤون المدنية: “من الممكن تحويل الأزمة إلى فرصة؛ لزيادة ثقة واعتماد جميع البلدان في جميع أنحاء العالم على شعار (صُنع في الصين)”.

وكتبت جمعية الاقتصاد الصناعي الصيني في 4 مارس/آذار 2020: “إنه أمر مثير للسخرية، ولكن نظراً إلى أن الصين كانت أول دولة تتعامل مع فيروس كورونا، فإنها الآن متقدمة على معظم العالم من حيث الاحتواء والتعافي. يعود العمال الصينيون بالفعل إلى المصانع، في حين تتوقف اقتصاديات الولايات المتحدة وأوروبا عن العمل. ليس لدينا حتى خطة، اليوم، في حين لدى بكين بالفعل خطة للغد.

وأورد تقرير نشرته صحيفة الشعب اليومية، أن الصين أجازت إجراء التجارب السريرية على أول لقاح تُطوِّره لمحاربة فيروس كورونا.

وأضاف التقرير أن فريق الباحثين الذي يعمل على التجارب، يقوده الدكتور تشين واي، من أكاديمية العلوم الطبية العسكرية في الصين.

وكانت الصحيفة نفسها نشرت تقريراً آخر حول تحالف استراتيجي بين شركة أدوية ألمانية وأخرى صينية لتطوير وتسويق لقاح ضد الفيروس في الصين.

والآن مع انتشار Covid-19 في بؤر جديدة بأوروبا والولايات المتحدة، تتدافع الشركات لتعبئة الاستجابات، ويبدو أن الصين في المراحل الأولى من الانتعاش الاقتصادي، كما أنها قد تكون الأقرب إلى إيجاد لقاح أو علاج لكورونا، وهو ما قد يعزز هيمنتها الاقتصادية ويزيد نفوذها السياسي، في وقت يصبح العالم أكثر احتياجاً لها وهو يواجه كورونا.

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version