بينما تكثف الحكومات حول العالم جهودها لاحتواء تفشي وباء كورونا المستجد وتأمر مواطنيها بالبقاء في منازلهم، يستغل المتطرفون الأوضاع غير المسبوقة للترويج لأفكارهم واستقطاب أعضاء جدد، ويسعى البعض لاستهداف من يرونهم عدواً لأيديولوجياتهم الخاصة؛ يستوي في ذلك اليمين المتطرف وداعش وحتى اليسار المتطرف، فما القصة؟
كورونا يتوحش واليمين يراه فرصة
اليوم الأحد 5 أبريل/نيسان، ارتفع عدد المصابين بفيروس كوفيد-19 إلى أكثر من مليون ومئتي ألف، وأودى الفيروس بحياة نحو 65 ألفاً، وتصدرت الولايات المتحدة الأمريكية الدول التي تعاني من التفشي، حيث كان نصيبها نحو 312 ألف مصاب ونحو 8500 قتيل، تليها إسبانيا من حيث الإصابات، بأكثر من 126 ألف حالة، في حين تتصدر إيطاليا قائمة الوفيات عالمياً بنحو 15400.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تقريراً أمنياً صادراً عن مكتب الأمن الداخلي في ولاية نيوجيرسي الأمريكية خلص إلى أنَّ “أنصار الجماعات المتطرفة المحلية والدولية شجعوا أتباعهم على شن هجمات في أثناء جائحة كوفيد-19؛ لبث الذعر، والتحريض على استهداف الأقليات والمهاجرين، والاحتفال بوفاة أعدائهم”.
وبحسب التقرير، فإن متطرفي اليمين الأبيض في الولايات المتحدة يستغلون الجائحة للترويج لنظرية التسريع بالمحتوم والتي تقوم على فكرة أن المشاركة في الهجمات الجماعية أو خلق أشكال أخرى من الفوضى سيسرع الانهيار الحتمي والضروري للمجتمع بغرض بناء “أمة نقيَّة العِرق”. وقد شجعت جماعة نازية جديدة تروج لتلك النظرية إعلامياً، أنصارها على بث الذعر بين المعزولين في بيوتهم بسبب الجائحة، من خلال إطلاق الأعيرة النارية في المدن وإصابة زجاج السيارات بالرصاص؛ لترك رسالة تخويف.
والأمر هنا ليس أمريكياً فقط، فقد روجت جماعة فرنسية من النازيين الجدد لفكرة “تصفية المهاجرين” واستبعاد الأقليات العرقية من الحصول على الرعاية الصحية لمواجهة الوباء، وتتشابه تلك الرسالة العنصرية مع رسائل متطرفي اليمين الأبيض في أوروبا والولايات المتحدة والتي تلقي باللائمة على جماعات عرقية وتطالب بإغلاق الحدود تماماً.
إرهاب اليمين المتطرف
أطلق مكتب التحقيقات الفيدرالي النار على تيموثي ويلسون، البالغ من العمر 36 عاماً، وأرداه قتيلاً في 24 مارس/آذار؛ لمنعه من تنفيذ مخطط إرهابي. وقالت السلطات إنَّ ويلسون كان يخطط لتفجير مستشفى مجهول.
ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كان ويلسون، الذي تردد على غرف الدردشة النازية الجديدة، مدفوعاً بـ”العداء العرقي والديني ومناهضة الحكومة”. وقبل وفاته، تحدَّث ويلسون عن جائحة فيروس كورونا المستجد، وأعرب عن اعتقاده أنه مرضٌ استحدثه الشعب اليهودي.
وقال ويلسون، عبر غرفة الدردشة Werwolfe 84: “إذا لم تكن تصدق أنَّ الشيء كله من تخطيط اليهود لتشديد نفوذهم، فإليك مزيداً من الأدلة على خططهم”.
داعش والفرصة السانحة
في السياق نفسه وبالتفكير نفسه، يستغل تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي “داعش” جائحة كورونا وحقيقة أن الأجهزة الأمنية وحتى الجيوش منهكة بفعل تداعيات الجائحة وتوقُّف النشاط الاقتصادي ونقص المواد الطبية التي تعاني منها الدول الأوروبية والولايات المتحدة للتخطيط لهجمات هناك، ونشرت مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية تقريراً للقصة بعنوان: “هل يخطط المتطرفون في أنحاء العالم لاستغلال جائحة فيروس كورونا المستجد؟”.
بحسب موقع Homeland Security Today الأمريكي، فإن “داعش” نشر مقالة افتتاحية مؤخراً في مجلة “النبأ” -وهي نشرة إخبارية أسبوعية يصدرها التنظيم- جاء فيها أنَّ جائحة فيروس كورونا المستجد أحدثت تشتيتاً أمنياً؛ مما أتاح فرصة يمكن استغلالها.
وكتب “داعش” في المجلة: “آخر ما يريدونه هو أن يخطط المتشددون الإسلاميون لهجمات مشابهة لهجمات باريس ولندن وبروكسل وغيرها من الأماكن”. وشجَّعت المقالة الافتتاحية في مجلة “النبأ” أتباع التنظيم على شن هجمات من دون رحمة في العالم الغربي غير المسلم خلال الأزمة الصحية الحالية.
وقال ضابطان في الجيش، لوكالة The Associated Press الأمريكية، إنَّ عدد هجمات داعش ارتفع في مارس/آذار، لكن قوات الأمن تمكنت من منع 3 اعتداءات أخرى على الأقل.
اليسار المتطرف أيضاً
على الجانب الآخر، يجد أنصار الفكر اليساري المتطرف في الجائحة فرصة لتوجيه ضربة قاضية إلى الرأسمالية، ويقول الدكتور راينر زيلتمان، المؤرخ وعالم الاجتماع، إنَّ عديداً من المفكرين اليساريين بجميع أنحاء العالم يتفقون في اعتقادهم أنَّ الوباء الحالي سيضع حداً للرأسمالية.
وبدوره، قال الاشتراكي اليساري مايك ديفس: “الجائحة الحالية تُوسِّع نطاق الجدال الدائر: العولمة الرأسمالية تبدو الآن غير قابلة للاستمرار حيوياً في ضوء غياب بنية تحتية لقطاع الصحة العامة تكون دولياً فعلياً”. وجادل ديفس بأنَّ انتشار الفيروس يسمح بإلقاء اللوم على شركات الأدوية.
في حين قالت نعومي كلاين، ناشطة كندية مناهضة للعولمة، إنَّ فيروس كورونا المستجد يمكن أن يكون العامل المحفز لـ”قفزة نوعية”. واحتجت بأنَّ الكساد الكبير أدى إلى تبني برامج “الصفقة الجديدة” الاقتصادية؛ ومن ثم يمكن أن يكون الفيروس الحالي الدافع وراء وضع صفقة جديدة خضراء، تقوم على تحوُّل كبير في قطاع الطاقة إلى مصادر متجددة.